سامحوا أنس الشريف!

محرر المنوعات

13 أغسطس 2025

152

حينما تتعدد جرائم العدو، وتفوح رائحة ضحاياه في المشرق والمغرب، وتعجز الأرض عن ابتلاع الدماء التي يسفكها، ويخفق ستاره المخروق عن مواراة الحقيقية، حينها لن يفكر في التراجع عن اعتداءاته، بل سيسعى للتخلص من ناقلها، سيقتل كل من يفضح أمره، ويكشف ستره، ويظهر ألاعيبه، هذا درب الطغاة، وسلاح الصهاينة، لا تشبعهم المجازر التي يرتكبونها، ولا الأطفال التي يحرقونها، ولا النساء التي يرمّلونها، ولا الأجساد التي يجوّعونها، والمنازل التي يهدمونها، فراحوا يغتالون كل من ينقل الحقيقة، وينطق بلسان الحق، فبدؤوا بمئات من الصحفيين؛ واحداً تلو الآخر، ولسان يلاحقه قلم، وما كان أنس الشريف إلا كلمة حق في كتاب حكم عليه بالإعدام، لأن الرواية لا بد أن تُروى كما هو مخطط لها، لا كما يكتبها الواقع.

محطات الشريف مع الاحتلال

إن اغتيال الصحفي أنس الشريف لم يكن وليد اللحظة، بل سبقه العديد من المحاولات المباشرة وغير المباشرة لإسكاته عن نقل كوارث الاحتلال، خاصة بعد أن أخذ على عاتقه إعداد التقارير للعديد من الشبكات المحلية والدولية لفضح الجرائم التي ترتكب داخل الحدود الفلسطينية دون أن يُسمع لها صوت.

- في سبتمبر 2018م قامت قوات الاحتلال باستهداف الشريف بشظايا نارية في البطن أثناء تغطية له.

- في نوفمبر 2023م وجه بعض ضباط الكيان الصهيوني العديد من التهديدات للشريف عبر رسائل «واتساب»، وضمّنت هذه التهديدات إجباره على وقف تغطيته الإعلامية للحرب «الإسرائيلية» في قطاع غزة.

- في ديسمبر 2023م قامت طائرات الجيش «الإسرائيلي» باستهداف والد الشريف بعد أن قصفت منزله؛ ما أدى إلى استشهاده، إلا أن ذلك لم يمنعه من كشف فضائح العدو، والاستمرار في تغطيته.

- في يوليو 2025م تعرض الشريف والعديد من الصحفيين لتهديدات مباشرة من جيش الاحتلال تتضمن تحذيرات من مواصلة تغطية المجازر، وعمليات القصف والتجويع داخل القطاع.

- في 10 أغسطس 2025م، قام الكيان الصهيوني الغاصب باغتيال الشريف و5 آخرين من الطاقم الإعلامي، وذلك باستهداف خيمة للصحفيين في مدينة غزة.

إن المعركة بين الاحتلال الصهيوني والشريف لم تكن أبدًا وليدة اللحظة أو الصدفة، بل كانت –وما زالت– معركة مستمرة من قبل الجيش «الإسرائيلي» وقادته لاغتيال الشريف وجميع الشرفاء، والعجيب أن هذه الاغتيالات لم يتم استنكارها من قبل مرتكبيها، ولم يسندوها إلى الخطأ غير المقصود، بل اعترفوا بها وأقروها، بل وألبسوها لباسهم المخروق من كثرة استعماله؛ لباس «الإرهاب»، فوصفوا الشريف بأنه إرهابي تنكر بزي صحفي، ولم يكتفوا بذلك، بل ادّعوا –بلا دليل– أنه كان قائد خلية في حركة «حماس»!


انظر أيضًا: اغتيال أنس الشريف ومحمد قريقع يشعل منصات التواصل


الشريف ورقة في شجرة شهداء الكلمة

لم يكن اغتيال الصحفيين أنس الشريف، ومحمد قريقع، الأول من نوعه، بل سبقه مئات الجرائم التي انتهكها الاحتلال الصهيوني في حق الصحفيين ورجال الإعلام، هؤلاء الذين لا يملكون إلا الكلمة، ولا ينقلون سوى الحقيقة، ولا يتسلحون سوى بزي مكتوب عليه «Press»، وكأنها كلمة تثير غضب الصهاينة الذين اغتالوا أكثر من 235 صحفيًا منذ بداية الإبادة الجماعية في غزة وإلى الآن، لم يكتف الاحتلال بذلك، بل استهدف المؤسسات الإعلامية، واعترف بجرائمه ضاربًا بالقانون الدولي عرض الحائط لتصبح الجريمة مكتملة الأركان، ويا ليت المجرم يحاسب!

جريمة على مرأى ومسمع من العالم بأسره في محاولة لإسكات ألسنة الحق، وطمس الحقيقة، وتغييب معالم جرائم الإبادة الجماعية والتجويع، والتمهيد لخطط إجرامية جديدة ينوي الاحتلال تنفيذها دون أن تظهر على الشاشات، فكمم أفواه الإعلام، وأمر قواته بالتركيز على المراسلين البارزين (إسماعيل الغول، محمد منصور، يحيى أبو منيع، أنس الشريف، محمد قريقع.. وغيرهم الكثير) في إطار سياسة ممنهجة تهدف إلى إسكات شهود الحقيقة التي يسعى بنيامين نتنياهو وحاشيته إلى إنكارها في المؤتمرات الصحفية، محرضين صراحة على الصحفيين ووسائل الإعلام الذين وقعوا ضحية للصمت الدولي المقزز الذي يمارسه المجتمع الدولي.


انظر أيضًا: الصحافة تحت النيران: جرائم اغتيال الإعلاميين في غزة

يصلون إلى الصحفيين لكنهم عاجزون عن الوصول لـ«حماس»!

على الرغم من قدرة الاحتلال على الوصول لكافة الصحفيين الذين ينقلون جرائمهم للعالم، ولا يخشون رد فعلهم، ولا يهتمون بهذا الكيان القوي شكلًا الضعيف مضمونًا، فإنه عاجز في الوقت ذاته عن القضاء على «حماس»؛ الأمر الذي يجعلنا نتساءل: هل فشل الاحتلال الصهيوني في القضاء على «حماس» منذ الإبادة الجماعية التي بدأها في 7 أكتوبر 2023م وإلى الآن، أم أنه لا يريد القضاء على «حماس» لأن القضاء عليها يعني توقف القتال والإبادة؟

إن الموقف «الإسرائيلي» أصبح غامضًا مشتتًا بلا رؤية واضحة أو هدف صريح، فتارة يدعي نتنياهو أنه اقترب من تحقيق أهدافه بغزة وسيوقف الحرب، وأخرى يطالب بنزع السلاح من غزة، وتجريد «حماس» من سلاحها، وثالثةً يقول: إن الحرب لن تتوقف، وحينًا يصرح أنه حريص على إعادة الأسرى «الإسرائيليين»، وأحيانًا يعطل كافة المفاوضات التي من شأنها إعادتهم.

وعلى الرغم من كل هذا التخبط والتضارب داخل الكيان الصهيوني، فإنه اتفق على هدف واحد ووسيلة واحدة؛ أما الهدف فهو إبادة غزة بلا رحمة، وأما الوسيلة هي اغتيال كل لسان ينقل الحقيقة، ويظهر ذلك جليًا في التجويع، والقصف، وهدم المستشفيات، ونقص الدواء، وتهديد الصحفيين واغتيالهم، وقصف منازلهم وأهليهم، وهدم المؤسسات الإعلامية.

 







__________________________

1- https://n9.cl/rtknh.

2- https://n9.cl/26576.

3- https://n9.cl/cmbvra.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة