تهديد ترمب لنيجيريا: بين حماية المسيحيين والتدخل العسكري المحتمل

سامح ابو الحسن

02 نوفمبر 2025

141

في نهاية أكتوبر2025، دخلت العلاقات الأمريكية النيجيرية منعطفًا غير مسبوق حين أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن نيّته تصنيف نيجيريا كدولة ذات اهتمام بسبب ما اعتبره «قتل المسيحيين على نطاق واسع» في البلاد، ملوّحًا بإيقاف كافة المساعدات الأمريكية، بل والتّحضير لعمل عسكري محتمل ما لم تتحرّك حكومة نيجيريا سريعًا، بحسب «واشنطن بوست».

التهديد استقطب اهتمامًا دوليًا وإقليميًا واسعًا لأنه يجمع بين الأبعاد الدينية، وحقوق الإنسان، والسيادة الوطنية، والأمن الدولي، فنيجيريا هي أكبر دولة أفريقية من حيث عدد السكان، منقسمة تقريبًا بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين، وتضم تعددية إثنية ودينية هائلة.

منذ سنوات، تعاني مناطق عديدة في نيجيريا من عنف متمثّل في هجمات تنظيمات متطرفة مثل «بوكو حرام» و«تنظيم ولاية غرب أفريقيا»، وكذلك صراعات بين رعاة متنقلين ممارسين للرعي والمزارعين المستقرّين، ولا سيّما في مناطق ولاية بلاتو، وبنيو، وكادونا، بحسب «فاينانشال تايمز».

وأكد تقرير صادر عن مجموعة بيانات النزاع والموقع (ACLED) أن من يناير 2020 وحتى سبتمبر2025م هناك نحو 11862 هجومًا على مدنيين قُتل خلالها نحو 20409 أشخاص في نيجيريا.

من ضمن هذه الحوادث 385 هجومًا تمّ فيها الإبلاغ عن أن الضحايا المسيحيين كانوا مستهدفين بصفة دينية بواقع 317 وفاة، بينما بـ196 هجومًا استهدفت مسلمين خلفت418 وفاة، بحسب وكالة «أسوشيتد برس».

وبحسب تقرير لمنظمة غير حكومية (Intersociety)، فقد قُتل أكثر من 52 ألف مسيحي منذ عام 2009م في نيجيريا، مع آلاف الكنائس المُدمّرة ومئات آلاف النازحين، بحسب «فاينانشال تايمز».

مع ذلك، تحذّر جهات تحليلية من أن كثيرًا من العنف ليس محض «قتل ديني»، بل يرتبط بصراع على الأرض والموارد والهجرة الرعوية؛ ما يجعل تقييم المشهد أكثر تعقيدًا، بحسب وكالة «أسوشيتد برس».

تصريحات ترمب وتوجيهاته

في 1 نوفمبر2025م، نشر ترمب عبر منصة التواصل الاجتماعي: إذا واصلت الحكومة النيجيرية السماح بقتل المسيحيين، فلن تتلقّى الولايات المتحدة أي مساعدة أو دعم، وقد تدخل ذات البلاد البنادق المشتعلة، على حد قوله، لتَقْضي تماماً على الإرهابيين الإسلاميين الذين يرتكبون هذه الفظائع، في اليوم ذاته، أعلن عن توجيه وزارة الدفاع الأمريكية بالتحضير لعمل محتمل، وقال: إنه سيكون سريعًا، وشرسًا، مثل الهجمات التي يتعرض لها مسيحيونا الأعزاء.

سبق هذا الإعلان بيوم تصنيف نيجيريا كدولة ذات اهتمام خاص بسبب انتهاك حرية الدين والمعتقد، وكان ردّ الحكومة النيجيرية صريحًا بأنها تدافع عن مواطنيها؛ بغضّ النظر عن الدين أو القبيلة، وإنها تفتخر بتنوّعها الديني.

تحليل الإحصاءات ومصداقية المزاعم

أ- من حيث الأرقام:

  • الأرقام التي استند إليها ترمب –مثل «آلاف المسيحيين يُقتلون»– تتجاوز ما تؤكده مجموعة بيانات النزاع (ACLED) التي سجّلت 317 وفاة مستهدفة من المسيحيين خلال فترة 2020 إلى عام 2025م.
  • تقرير «Intersociety» وغيره يطرح أرقامًا أعلى (أكثر من 52 ألفاً قُتلوا منذ عام 2009م)، لكن مثل هذه البيانات تعتمد على جمع غير رسمي وقد تتداخل فيها دوافع وثيقة غير دينية.
  • ويشير بعض المحلّلين إلى أن المسلمين هم غالبية الضحايا في شمال البلاد، حيث تقع أغلب الهجمات؛ وبالتالي وصف الوضع بأنه «إبادة جماعية للمسيحيين» لا يحظى بالإجماع.

ب- السياق وتحليل الأسباب:

العنف في نيجيريا لم يكن وليد عامل الدين وحده، بل تراكم من:

  • صراع على أراضٍ ورعي ومياه بين رعاة متنقلين وجامعي محاصيل مستقرّين.
  • هشاشة الدولة، وضعف مؤسسات الأمن والأمن المحلي، وانتشار الجماعات المسلحة.
  • أبعاد عرقية وإثنية تداخلت مع الديني.

بالتالي، ترجمة كل مجزرة أو هجوم بأنه «قتل للمسيحيين بسبب المسيحية» قد تبسّط الواقع وتُجهّز لحالة توتر أكبر.

تداعيات التهديد الأمريكي

أ- على العلاقات بين واشنطن وأبوجا:

تهديد ترمب بإيقاف المساعدات وإمكانية العمل العسكري يشكّل اختبارًا شديد الحساسية للعلاقات التي تربط بين الولايات المتحدة ونيجيريا؛ وهي واحدة من أكبر الدول الأفريقية نفطًا وسكانًا، فقطع أو تجميد المساعدات قد يضعف التعاون الأمني والاستخباراتي الأمريكي النيجيري.

ب- على الأوضاع الداخلية في نيجيريا:

تصعيد الولايات المتحدة قد يُشعل مشاعر سيادية مضادة ويُستخدم داخليًا من قبل جماعات متشدّدة كأداة تجنيد؛ كما قد يُشجّع الحكومة النيجيرية على اتخاذ إجراءات أمنية أكثر صرامة تؤثّر على الحريات العامة.

جـ- على المشهد الدولي لحقوق الإنسان:

بالمقابل، استخدام لغة عسكرية تجاه دولة ذات سيادة من قبل قوة كبرى يُشكّل سابقة؛ قد يُحوّل قضية «حماية المسيحيين» إلى محطّ تجاذب جيوسياسي، ما يُخاطر بتسييسها.

د- على الجماعات المحلية:

الهجمات القادمة أو التصعيد الأمني قد تؤثر سلبًا على المدنيين، من حيث نزوح أكبر أو مضاعفات إنسانية، إن لم يُصحَب التحرك الأمريكي بخطة شاملة للتنمية والمصالحة وليس فقط بالرد العسكري.

هذا، وقد رأى كاتب في صحيفة «The Washington Post» أن العالم بدأ يلحظ الاضطهاد المتزايد للمسيحيين في نيجيريا، لكن تسليم القضية فقط على أنها مجزرة دينية يخفي أبعادًا أكبر.

تحليل في «وكالة الأنباء المعتمدة» (AP) يقول: إن بيانات العنف لا تدعم حتى الآن وصف «إبادة جماعية للمسيحيين»، وأن المسلمين هم أيضًا ضحايا مهمّون؛ ما يدعو إلى معالجة شاملة للقضية لا مُحاربة ظاهرها فقط.

وفي مقالة رأي نشرتها صحيفة «Financial Times»، ذكرت أن التصعيد في العنف الريفي في شمال نيجيريا يعكس نزاعًا على الموارد والمياه، وليس فقط صراعًا دينيًا بحتًا.

موقف الأطراف المعنيّة

  • الحكومة النيجيرية: نفت توجيه الاتهامات إليها، وأكدت أنها تدافع عن جميع المواطنين، بغضّ النظر عن الدين أو القبيلة.
  • الكونغرس الأمريكي: نوّاب مثل تيد كروز طالبوا بتصنيف نيجيريا، وإجراءات عقابية بحق المسؤولين النيجيريين.
  • خبراء الأمن وتحليل النزاع: يحذّرون من تبسيط المسألة إلى قتل المسيحيين فقط، ويشيرون إلى أن معظم الهجمات تقع في الشمال ويموت فيها أفراد مسلمون.

التحديات التي تواجه تنفيذ التهديد

  • الشرعية والقانون الدولي: تدخل عسكري أمريكي داخل دولة ذات سيادة يحتاج إلى تفويض واضح (مثلاً من الأمم المتحدة)، وإلا قد يُعتبر انتهاكًا للسيادة.
  • محددات التنفيذ: لا توجد حالياً قواعد انتشار أمريكيّة كبيرة في غرب أفريقيا، وقد تواجه القوات الأمريكية مقاومة محلية أو تجد نفسها في صدام مع جماعات متعددة.
  • خطر التصعيد: العمل العسكري قد يُحوّل المشكلة الأمنية إلى نزاع دولي أوسع، وقد يضر المدنيين ويزيد عدد الضحايا.
  • غياب المعالجة التنموية: دون خطة شاملة للتنمية ومواجهة الأسباب الجذرية، قد يعود العنف من جديد حتى بعد أي تدخل.

توصيات سياسية وإنسانية

  • تشجيع الحكومة النيجيرية على فتح تحقيقات شفّافة في الهجمات، وتقديم مرتكبيها إلى العدالة.
  • دعم منظمات حقوق الإنسان لتوثيق الانتهاكات بإطار محايد، حتى تُبنى السياسات على بيانات دقيقة وليس مجرد مزاعم.
  • الولايات المتحدة والجهات الدولية ينبغي أن تربط المساعدات بإصلاحات واضحة في الأمن وحقوق الإنسان، لا فقط بقطع أو تهديد.
  • التركيز على تنمية مناطق الهشاشة في نيجيريا –مناطق شمال الوسط والشمال الشرقي– لمعالجة الأسباب الجذرية للعنف (البُعد الاقتصادي، وتغيّر المناخ، ونزاع الأرض).
  • عند النظر في خيار عسكري، يجب أن يُرافِقه خطة إنسانية وإعادة إعمار، وإشراك المجتمع المحلي، وليس أن يكون مجرّد ردّ انتقامي.

تصريحات ترمب تهزّ جذور العلاقة بين الولايات المتحدة ونيجيريا، وتسلّط الضوء على قضية معقّدة تمتد من العنف الطائفي إلى صراع على الموارد، وانتهاكات لحقوق الإنسان، فالأرقام والإحصاءات تشير إلى حجم كبير من العنف لكنّها أيضاً تؤكّد أن التفسيرات ليست وحيدة البعد.

إذا ما اتُّخذت خطوة عسكرية، فستكون بمثابة تحوّل جذري في سياسة واشنطن نحو أفريقيا، ومع ذلك، فإن الحلّ الحقيقي يكمن في معالجة الطّبقات العميقة للأزمة؛ من عدالة إلى تنمية، من أمن إلى مصالحة، في قلب هذه المعادلة يبقى السؤال: هل التهديد العسكري سيأتي كإنقاذ، أم أنه قد يصبح مزيدًا من التوتر والضحايا؟ الزمن سيُجيب.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة