رأي «المجتمع»..
التعليم بالكويت.. بين الأصالة والمعاصرة

منذ اللحظات الأولى لتشكل المجتمع
الكويتي الحديث، كان الوعي بأن العلم هو السبيل الحقيقي للنهوض، فالكويت التي نشأت
في بيئة بحرية وتجارية منفتحة على العالم، أدركت مبكراً أن بناء الإنسان لا يقل
أهمية عن بناء السفن أو استخراج النفط، بل هو الركيزة التي يقوم عليها كل تقدم
وتنمية، ولهذا انطلقت المسيرة التعليمية من الكتاتيب والمساجد، حيث كان القرآن
الكريم هو المنطلق والغاية، ثم تطورت إلى المدارس الأهلية والنظامية، حتى وصلت
اليوم إلى الجامعات والمؤسسات الأكاديمية المتنوعة.
وقد أولى الإسلام مكانة رفيعة للعلم
وأهله، إذ قال تعالى: (قُلْ
هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (الزمر: 9)،
فكان العلم معياراً للرفعة والتفاضل، وطريقاً للنهضة والعمران، ومن هنا ارتبط
تاريخ التعليم في الكويت بتاريخ نهضتها الوطنية، فبعد الاستقلال مباشرة جرى التوسع
في إنشاء المدارس وإيفاد البعثات العلمية إلى الخارج، وظل التعليم مرآة تعكس طموح
الدولة وتوجهاتها، وأحد أهم مكونات قوتها الناعمة التي امتدت آثارها إلى العالم
العربي والإسلامي عبر دعم المدارس والمعاهد والمشاريع الثقافية.
غير أن التعليم –رغم ما تحقق من إنجازات–
يواجه اليوم تحديات معقدة تتطلب حلولاً مبتكرة ورؤية إستراتيجية بعيدة المدى،
فهناك مشكلة التكدس الطلابي وضغط البنية التحتية، إضافة إلى الحاجة لتطوير المناهج
بما يوازن بين التحديث والحفاظ على الهوية الإسلامية والوطنية، وضرورة الاستثمار
الجاد في إعداد المعلم وتأهيله ليكون قادراً على صناعة أجيال واعية ومبدعة.
ولعل أبرز ما يميز المرحلة الراهنة هو
التحول الرقمي المتسارع، الذي يجعل من التعليم الإلكتروني والذكاء الاصطناعي
واقعاً لا مفر منه، وهذا يفرض على الكويت –بوصفها دولة صغيرة المساحة كبيرة
الطموح– أن تبني نموذجاً تعليمياً يجمع بين قوة التقنية وأصالة القيم.
إن رؤية «كويت جديدة 2035» تضع التعليم
في قلب مشروعها النهضوي، إدراكاً بأن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الأجدى
والأبقى، فالموارد المادية قد تنضب، لكن العقول المبدعة قادرة على توليد ثروات
متجددة ومعارف متراكمة؛ ومن هنا، فإن تعزيز البحث العلمي، وربط التعليم بسوق
العمل، ودعم الابتكار وريادة الأعمال، تعد من أهم الأولويات لضمان مستقبل أكثر
إشراقاً للكويت.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من سلك
طريقاً يطلبُ فيه علماً؛ سلك اللهُ به طريقاً من طرقِ الجنةِ» (رواه أبو داود)،
وهذا يذكّرنا بأن التعليم ليس مجرد وسيلة للترقي الاجتماعي، بل عبادة ورسالة،
ومسؤولية تُبنى بها الأمم وتصان بها القيم، ومن هنا كان التعليم في الكويت مشروعاً
حضارياً يستند إلى رسالة الإسلام وميراث الأمة، ويعزز دور الأسرة كشريك أساس في
غرس القيم ومتابعة الأبناء، ليظل التعليم حصناً للهوية الوطنية وحماية للأجيال من
الذوبان في تيارات العولمة.
ختاماً؛ إذا أردنا أن نرى كويتاً جديدة
قوية راسخة، فعلينا أن نولي التعليم ما يستحقه من رعاية وتطوير، وأن نعيد الاعتبار
لدوره كمنارة هادية، تصنع جيلاً يوازن بين الأصالة والمعاصرة.