دواء القلوب.. كيف يعالج القرآن القلق والحزن؟

في زمنٍ تسارعت
فيه الهموم، وضاقت فيه الصدور، وتصدعت فيه القلوب، وازداد الندم على الماضي،
والخوف من الحاضر، والقلق من المستقبل، يقف الإنسان حائرًا بين أحلامٍ تتبدد،
وأبوابٍ تغلق، ومعالم تُمحى، وقلق دائم بلا سبب أو عذر، حينها يستسلم البعض لقبضة
الحزن حتى يسيطر على حياته، وهناك من يقاوم ويبحث عن سبل النجاة، إلا أن هذا
الأخير يطرق أبواب الأطباء النفسيين تارة، وأبواب أدوية الاكتئاب والقلق تارة
أخرى، ويتناسى كل هؤلاء الدواء الأساسي الذي يخاطب العقل والقلب والروح، فيداوي،
ويطمئن، ويرشد، العلاج الذي أُنزل شفاءً للقلوب ودائها، والهموم وأوجاعها، إنه
القرآن الكريم، يقول المولى سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم
مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ
لِّلْمُؤْمِنِينَ) (يونس: 57).
القلق
والحزن
يعرف القلق بأنه
حالة عاطفية سلبية تنشأ نتيجة عدم اليقين، ويرتبط عادة بتوقع الفشل الاجتماعي،
وغالبًا ما يكون سببه عدم الوعي بمصدر الخطر، باعتباره عاطفة موجهة نحو المستقبل،
وإذا ما قمنا بتطبيق هذا التعريف على واقعنا اليوم لوجدنا اضطرابات مستمرة وخوفاً
دائماً من المستقبل؛ العمل، الأسرة، المال، الأولاد، الأحلام، دائمًا ما ينشغل
العقل بغد، ماذا سيحدث بعد الآن؟!
حينها يشعر
الإنسان بالقلق، فتتقيد طموحاته وأحلامه، ومن يتأمل في القرآن الكريم يجد أن الله تعالى
عالج هذا الشعور حينما قال في كتابه: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا) (لقمان: 34)، فإن
كان الإنسان لا يدري ما سيحدث له في المستقبل، وأنه بيد الله تعالى، وأنه لطيف
بعباده، رحيم بهم، فلم القلق، والحزن، والخوف، والتوتر، وغيرها من الأمور التي
تصيب صاحبها بالتيه، وتطفئ لديه نور الأمل، والتفاؤل؟
علاج
القلق بالذكر
بيَّن الله تعالى
في كتابه أن الذكر إحدى أهم وسائل علاج القلق والاكتئاب والتوتر والخوف من
المستقبل، ذلك لأن القلب يطمئن بالذكر، يقول تعالى: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد:
28)، فهذه الآية الكريمة تبين أن الطمأنينة وراحة القلب ليست في المال، ولا
القوة، ولا السلطة، بل في ذكر الله تعالى، هذا العلاج الروحاني الحقيقي الذي يُنعش
القلب، ويخلصه من كل هَم، وضيق، وحزن، وقلق.
علاج
القلق بمعية الله
إن الإيمان
بالله تعالى، والتوكل عليه في كل أمر، واستشعار معيته في كل مكان وزمان، من أقوى
طرق علاج القلب والتخلص من القلق، فالقلب الذي يؤمن أن له رباً، وأنه لن يتركه،
ولن يخيّب آماله، ولن يضيع طموحاته، لن يصل إلى قلبه قلق، ولن يسكنه خوف أو هَم،
فالنبي صلى الله عليه وسلم وهو في الغار، وصاحبه يقول له: لو نظر أحدهم تحت قدميه
لرآنا، إلا أن الحزن والقلق أبى أن يسكن قلبًا أدرك أن الله معه، فقال صلى الله
عليه وسلم لأبي بكر: «لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا»، فهذه رسالة إلى الأمة
المحمدية بأكملها، رسالة إلى كل مسلم علم أن الله معه؛ لا تحزن ولا تقلق ولا تكتئب
إن الله معك.
علاج
القلق بالصبر
إن القلق ناتج
عن عجلة في النتائج، فالإنسان يريد الوصول إلى هدفه بمجرد كتابته، يريد تحقيق حلمه
قبل أن يرتد إليه طرفه، يسعى للوصول إلى كل شيء بين عشية وضحاها، وهذا في حد ذاته
مخالف للمنطق والدين الذي يخبرنا أن لكل شيء أجلاً، وأن عاقبة الصبر جميلة دائمًا،
يقول تعالى: (فَصَبْرٌ
جَمِيلٌ) (يوسف: 83) صبر بلا شكوى، صبر يثق في وعد الله، هذا العلاج
الرباني الذي رد يوسف ليعقوب عليه السلام، وبشر زكريا، وجبر إبراهيم، ونصر نبي
الله صلى الله عليه وسلم، وجعل رسالته تصل إلى العالمين، فمن صبر نال رضا الله تعالى،
وحوّل الله ضيقه إلى فرج، وحزنه إلى فرح، وآتاه من حيث لم يحتسب.
علاج
القلق بالرضا
جاء القرآن
الكريم برسالة ربانية تغلق جميع أبواب السخط والجذع، تخلص الإنسان من قلقه وهمه
وحزنه، يقول تعالى: (وَعَسَى
أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) (البقرة: 16)، فما أدراك أن
الأمر الذي يخيفك ويثير قلقك هو عين الخير؟! وما أدراك أن ما يلاحقك على الرغم من
تهربك منه هو قمة الجبر؟! فيجب أن ترضى بتدبير الله تعالى، وأن تسلم نفسك،
وأحلامك، وطموحاتك لله، وتذكر جيدًا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «عَجَباً
لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ
إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ،
وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ» (رواه مسلم).
تطبيق
هذا العلاج عمليًا
إذا ما علمت أن
القرآن الكريم هو الأصل في طمأنينة القلوب وعلاجها من القلق والحزن، فلا بد أن
تلتزم بهذا العلاج كالتزامك بغيره من الأدوية، بأن تجعل لك وردًا يوميًا من القرآن
الكريم، فالاستماع أو التلاوة يُعالج النفس تدريجيًا، ولا تترك الأفكار السلبية
تلج إلى عقلك، وتسكن قلبك، وبدلًا من ذلك ردد: «حسبنا الله ونعم الوكيل»، «لا إله
إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين»، فإذا أردتَ أن تبدأ رحلة الخروج من الحزن أو
القلق، فلتكن أولى خطواتك فتح المصحف، لأن لا راحة خارجه؛ (قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ
مُّبِينٌ) (المائدة: 15)، وإن ضاقت بك الدنيا، سل نفسك: ماذا علّمني القرآن أن
أفعل؟
___________
1- فؤاد أبو
شنار، التدخلات العلاجية في ضوء النظريات النفسية.
2- عبدالله بن
قيم الجوزية، عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين.