البيت يعلّم والمنصات تتحكم.. ثورة التعليم الموازي في الخليج

في كل منزل خليجي تقريبًا، ثمة شاشة صغيرة أو منصة تعليمية تسيطر على جدول الطفل اليومي، فلم تعد المدرسة التقليدية المكان الوحيد لتلقي العلم؛ فمع تنامي التحديات الأكاديمية وتزايد المنافسة، لجأت الأسر إلى المدرسين الخصوصيين والمنصات التعليمية المدفوعة.

تشير أحدث التقارير إلى أن واحدة من كل 3 أسر خليجية تعتمد مدرسًا خاصًا أو منصة تعليمية مدفوعة لأبنائها، بينما ارتفع إنفاق الأسرة الخليجية على التعليم الموازي بنسبة 45% خلال السنوات الثلاث الأخيرة (Ministry of Education Saudi Arabia 2024 + UAE Education Reports 2024).

في السعودية وحدها، سجلت اشتراكات المنصات التعليمية ارتفاعًا بنسبة 62% بعد عام 2021م.

هذه الأرقام تعكس تحولًا كبيرًا في سلوكيات الأسر التعليمية؛ من الثقة المطلقة في المدرسة، إلى الاعتماد على الحلول الرقمية والتعليم الموازي، في محاولة لمواكبة تطورات المناهج والتنافس الأكاديمي.

المدرسة التقليدية وأزمة الثقة

أحد الأسباب الأساسية لهذه الظاهرة فقدان الثقة في النظام المدرسي التقليدي، وضغوط الدرجات، وكثرة المواد، وزيادة أعداد الطلاب؛ تجعل المعلم غير قادر على تقديم متابعة فردية لكل طالب.

إلى جانب ذلك، يرى بعض أولياء الأمور أن المدرسة لم تعد توفر التجربة التربوية الكاملة؛ فالعلاقة الإنسانية بين المعلم والطالب بدأت تتراجع، بينما أصبح التركيز على النتائج والامتحانات أكثر من تطوير مهارات التعلم الذاتي أو الإبداع.

التنافس الأسري و«الضغط الرقمي»

أضافت المنافسة بين الأسر عنصرًا آخر هو الحرص على التفوق الأكاديمي للطفل؛ ما دفع الأسر للبحث عن أدوات إضافية للتعليم، وهي المنصات التعليمية، التي تقدم محتوى تفاعليًا ومرنًا، وتحاول وفقاً للبعض أن تسهم في حل مشكلة متابعة الطالب خارج ساعات المدرسة، لكنها في الوقت نفسه ترفع مستوى الضغط على الطفل والأهل على حد سواء.

تقول إحصاءات «Gallup Education 2024»: أكثر من 70% من الأسر التي تستخدم المنصات التعليمية تشعر أنها «مجبرة» على ذلك للحفاظ على مستوى الطفل الدراسي؛ ما يعكس ضغطًا نفسيًا متصاعدًا على الأسرة والطفل معًا.

التعليم كسلعة.. هل المعرفة تُشترى؟

توسعت بعض المنصات لتصبح خدمة اشتراك شهرية، أو برامج مكثفة بأسعار مرتفعة، وهو ما يطرح سؤالًا جوهريًا: هل أصبح التعليم سلعة تُشترى مقابل المال، بدلاً من كونه حقًا متاحًا للجميع؟

الإنفاق الكبير على التعليم الموازي يبين كيف تتغير الأولويات؛ المعرفة لم تعد مجرد اكتساب مهارات، بل أصبحت وسيلة للتنافس الاجتماعي وتحقيق الطموحات الأكاديمية.

وفي هذا التحول، قد تضيع العلاقة الإنسانية بين المعلم والطالب، ويصبح التعليم معتمدًا على التقنية والدفع المالي.

دور الأسرة.. البيت يعلّم

رغم كل ذلك، لا يمكن تجاهل دور الأسرة في توجيه التعلم، فالمنزل أصبح المكان الأساسي لدعم الطفل، سواء عبر متابعة الدراسة، أو تحديد أوقات المنصات التعليمية، أو إشراف الأهل على المحتوى.

وتوضح الدراسات أن البيت يظل المكان الذي يغرس القيم والمهارات الاجتماعية، بينما المنصات تمنح الطفل المعرفة الرقمية والمهارات الأكاديمية.

والتحدي هنا يكمن في الموازنة بين دور البيت والمدرسة الرقمية، بحيث لا يفقد الطفل الجانب الإنساني للتعلم.

هل اختفى دور المعلم؟

وهنا يبرز السؤال: هل اختفى دور المعلم بعيداً عن منصات تستخدم ذكاء اصطناعياً يصبح معه المعلم مجرد روبوت؟!

التربويون يركدون أن المعلم لم يختفِ، لكنه أصبح وسط ضغوط أكبر، وأعداد طلاب أكثر، وأدوات أقل للتفاعل الفردي، والمنصات التعليمية أخذت مساحة كبيرة من الدور الذي كان يوفره المعلم، خصوصًا في متابعة الواجبات وحل الاستفسارات الفردية، حتى وإن لم تستطع إلى الآن أن تعوض الدور الإنساني في تربية الأطفال.

التحدي الآن أمام المؤسسات التعليمية: كيف تدمج التقنية مع دور المعلم التقليدي، ليبقى التعليم تجربة إنسانية متكاملة، لا مجرد تفاعل مع شاشات.

التوازن هو الحل

التعليم الموازي والمنصات التعليمية باتت حقيقة لا يمكن تجاهلها، والأسر الخليجية تستثمر في نجاح أبنائها، لكن الطريق الأمثل موازنة التعليم الرقمي مع التوجيه الأسري والمدرسي التقليدي.

والتحذير يكمن في أنه إن لم يكن هناك توازن، فقد تتحول المعرفة إلى سلعة بعيدة عن القيم الإنسانية والاجتماعية، والنجاح الحقيقي يكمن في استثمار التقنية لتعزيز التعلم، مع الحفاظ على الروابط الأسرية والهوية التربوية للطفل.

وفي النهاية، يبقى السؤال: هل سيصبح الطفل الخليجي ناجحًا فقط لأنه متقن للمنصة، أم لأنه متوازن في المعرفة والقيم والروح؟



اقرأ أيضاً:

خبراء: «التعليم عن بُعد» غزو جديد لأوكار الجهل

المنصات التعليمية ودورها في نشر علوم الشريعة

المنصات التعليمية.. يد داعمة أم حجر عثرة أمام تطوير التعليم؟

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة