برنامج المودة والرحمة.. دليلك العملي للسعادة الزوجية (1)

د. يحيى عثمان

19 نوفمبر 2025

46

سؤال القارئة: جزاكم الله خيراً على ما تقدمونه لخدمة الأسرة، أنا وزوجي استفدنا كثيراً، لكن نواجه مشكلة، وهي: كيف يمكن لنا تحويل ما حصلناه من معارف ومهارات زوجية إلى أنشطة تترجم تلك المعارف إلى ممارسة حياتية، نحسِّن من خلالها مهاراتنا الزوجية، ويكون لدينا برنامج عمل متكامل؟ وشكراً.

أولاً: مفهوم برنامج المودة والرحمة:

هو مجموعة من الأنشطة التفاعلية تجمع الزوجين بهدف أن ينعما بالمودة والرحمة، من خلال زيادة تعدد علاقاتهما وتقويتها، وتعميق فهم كل منهما لزوجه؛ ومن ثم تنمية مساحة التفاهم بينهما وقدرتهما على إدارة خلافاتهما.

ويمثل البرنامج الحد الأدنى للتناغم الزوجي، وقاعدة للإبداع، والابتكار والتطوير.

ثانياً: أهمية وجود برنامج للمودة والرحمة:

  • التحفيز: وجود برنامج يحفز الزوجين على الالتزام وعدم التسويف أو التكاسل.
  • التقييم: يساعد البرنامج على تقييم حالة العلاقة بين الزوجين، ومن ثم تدارك أي عارض قد يؤثر سلباً على العلاقة الزوجية.
  • الاختيار الأمثل للأنشطة المناسبة: بناء على احتياجات كل زوج وقدراته، يمكن تعديل مثلاً الأنشطة الروحية، سواء من حيث الوقت المخصص أو طريق التناول أو الموضوع.

ثالثاً: سمات برنامج المودة والرحمة:

1- المرونة: البرنامج ليس جدولاً مدرسياً، ولكنه صياغة لأنشطة زوجية تفاعلية يحرص كل زوج على مشاركة زوجه فيها؛ وبالتالي يجب أن يتميز البرنامج بالمرونة التي تمكن الزوجين من الاستمتاع بممارسة أنشطته.

2- الخصوصية: كل زوجين حالة خاصة فريدة، وبالتالي ما يصلح لهما من أنشطة خاص بهما، بل وما يصلح لهما من أنشطة في مرحلة زوجية قد لا يناسبهما في مرحلة أخرى.

3- التجديد والإبداع والتطوير: حتى ينعم الزوجان بممارسة أنشطة البرنامج، يجب ألا يتميز البرنامج فقط بالتجديد والإبداع والتطوير، بل والمفاجآت! حيث إن من طبيعة النفس البشرية الملل من التكرار؛ لذا، يجب أيضاً التنويع سواء من حيث الوقت المخصص أو طريق التناول أو الموضوع.

4- الشمولية والتكامل: كلما تعددت وتنوعت العلاقات بين الزوجين؛ ساعد ذلك على حسن تناغمهما وتقوية ارتباطهما؛ لذا، يجب أن يتناول كل ما يمكن أن يمارسه الزوجان معاً من محبة في الله، وتزكية النفس، وتواد عاطفي وحميمي ووجداني، وتربية الأولاد، وثقافي واجتماعي ورياضي ومهني..

رابعاً: أساسيات برنامج المودة والرحمة:

1- إخلاص النية لله: يقول تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {162} لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام)، فالمسلم يتعبد لله في كل حياته، ومن ثم فبيتي جنتي ومزرعتي لآخرتي، وهذا لا يتحقق إلا بصدق الإخلاص واتباع شرع الله في علاقاتنا الزوجية وكل حياتنا.

2- حسن الظن بالله والثقة في وعده: يقول الله عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) (الكهف)، فيطمئن المسلم بوعد الله أنه جل شأنه لن يضيع أجره، فما عليه إلا البذل والله ولي التوفيق.

3- الثقة بالنفس وصياغة صورة ذهنية طيبة عنها: شتان من يبدأ البرنامج متفائلاً محفزاً ذاته، ويثق بنفسه بعد التوكل على الله، وأن لديه من الطاقات ما يمكّنه بفضل الله من التناغم مع زوجه لينعما بحياة تسودها المودة والرحمة، ومن يبدأ البرنامج متراخياً متشككاً في قدرته على المواصلة، ويتوقع الفشل.

4- حسن الظن بالزوج وصياغة صورة ذهنية طيبة عن الزوج: كذلك من المهم حسن الظن بالزوج تعبداً لله، وأنه سيكون نعم المعين ولن يدخر جهداً للتناغم مع زوجه، هذا يطلق الطاقات ويبعث الهمة لحسن الاستفادة من البرنامج.

في المقابل، فإن سوء الظن بالزوج إثم نهانا الله عنه؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) (الحجرات: 12)، يثبط الهمم ويبعث على اليأس والفشل.

خامساً: الأنشطة المقترحة:

أ- أنشطة يومية:

1- حلقة الذكر والدعاء والرقية: يجتمع الزوجان لتلاوة وتدبر وردهما القرآني، وفي ذلك الخير الكثير، حيث إن اللقاء الأسري المبارك حول كتاب الله يغسل ما قد يعلق بالنفس من نزغ الشيطان بينهما، ناهيك عن أثره التربوي على الأولاد، ويختتم اللقاء بالدعاء، وأن يرقي كل زوج زوجه.

2- التواصل العاطفي (السكينة والأمان النفسي): مهما كانت الأعباء والانشغالات، يجب أن يحرص الزوجان على التواد العاطفي بكل وسائل التواصل، وأن يحرص كل منهما على الإبداع ومفاجأة زوجه بما يستثير كوامن عواطفه ويغذي شوقه؛ فالتواصل العاطفي يجدد وشائج الحياة الزوجية، وينمي طاقة الزوجين على إدارة الخلافات بينهما بمودة ورحمة.

3- تناول وجبة مع الأسرة: على الأقل تناول وجبة واحدة مع كل أفراد الأسرة، مع تداول الأخبار الشخصية والعائلية والاطمئنان على الجميع، مع الحرص على الجو الترفيهي، هذا ليس فقط تغذية بدنية، ولكنه أيضاً تغذية وجدانية وتعزيز لروابط الأسرة.

4- جلسة متابعة الأولاد: إن أمانة الأولاد مسؤولية مشتركة؛ لذا، يجب أن يتعاون الزوجان على حسن أداء تلك الأمانة العظيمة، ويخصصا وقتاً كافياً لمناقشة وتقييم سلوك الأولاد في كل أنشطتهم ليس فقط الدراسية.

5- الرياضة: للرياضة آثار طيبة ليس فقط على القدرات البدنية، ولكن أيضاً على المزاج والصحة النفسية.

6- التنمية (روحية، عقلية، اجتماعية): من المهم أن تلتقي العائلة لتنمية وتطوير أدائها وتناول هذه المحاور المهمة بالتناوب: تطور مهني، هوايات، ثقافة عامة، نشاط دعوي أو اجتماعي، تواصل مع الأهل..

ب- أنشطة أسبوعية:

  • جلسة متابعة وتقييم مهام الأسرة: مع التغافر والتسامح.
  • التواصل العاطفي (لقاء 3 ساعات): لا يُقصد اللقاء الحميمي، بل يمكن أن يتم خلال نزهة ترفيهية يُنسى فيها هموم العمل ومسؤوليات الأولاد.
  • جلسة متابعة الأولاد: جلسة أعمق من اليومية.
  • يوم إيماني: مع قيام ليلة بما تيسر.
  • صيام ما تيسر: يوم على الأقل.
  • الترفيه وهوايات مشتركة.

جـ- أنشطة شهرية:

  • التواصل العاطفي: الإبداع في يوم!
  • جلسة متابعة وتقييم مهام الأسرة: مع التغافر والتسامح.
  • تقييم سلوكيات الأولاد، ونوعية الدعم والتوجيه المطلوب.
  • يوم إيماني: مع قيام ليلة بما تيسر.
  • يوم ترفيهي عائلي.
  • مراجعة وتقييم أداء الأسرة الشهري: مقارنة بما كان مستهدفاً.

د- أنشطة ربع سنوية:

  • التجديد والإبداع في 3 أيام! (مثل سفر قصير أو تغيير كبير في روتين المنزل).
  • مراجعة وتقييم أداء الأسرة: خلال الثلاثة أشهر الماضية.

هـ- أنشطة سنوية:

  • التجديد والإبداع في أسبوع! (مثل رحلة إجازة).
  • المناسبات الدينية (دروس وعبر): لتنشيط تزكية النفس وتنمية المحبة في الله (رمضان، العشر الأوائل من ذي الحجة، الهجرة، المولد، الإسراء والمعراج..).
  • المناسبات الأسرية (أول لقاء، يوم الميلاد، أحداث جميلة)، واستعراض ذكريات البوم الصور والفيديوهات.
  • رحلة: إيمانية، ترفيهية، ثقافية.
  • جلسة تقييم لعام مضى: ماذا حققنا لله؟
  • مراجعة وتقييم خطط الأسرة ووضع خطة للعام القادم.


اقرأ المزيد للدكتور يحيى عثمان


الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة