نتنياهو.. وإستراتيجية سلام الردع

عادل المطيري

28 أغسطس 2025

302

قال البخاري: سمعت الحميدي يقول: كنا عند الشافعي فأتاه رجل فسأله عن مسألة، فأجابه الشافعي بالجواب فقال: لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بكذا وقضى بكذا، فقال الرجل للشافعي: وما تقول أنت؟ فقال الشافعي: سبحان الله! تراني خرجت من كنيسة؟! أترى في خصري زنّاراً؟! أقول لك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول: وما تقول أنت؟! (حيلة الأولياء، وانظر: مناقب الشافعي للبيهقي).

هذا الحوار الدقيق البسيط، هو الفيصل في كثير من الحسابات والقياسات التي تهجم على العقل العربي والمسلم، وتعطيه العدسة الصافية الصحيحة التي يرى من خلالها حقيقة الصراع مع الصهاينة، ويفهم أهدافهم ويعرف أبعادهم، ويختبر مقاصدهم.

سلام الردع

في كتابه «مكان تحت الشمس» الذي جاء في بعض ترجماته العربية «مكان بين الأمم»، يخبر بنيامين نتنياهو عن قناعاته الجوهرية، وصورته الحقيقية للعرب والمسلمين، وأن الإستراتيجية الحقيقية في مواجهة العرب هي القوة، لتحقيق سلام الردع: «في حرب 1948م لم يقاتلنا سوى 5 جيوش عربية في انقسام واضح، وفي حرب 1967م لم يقاتلنا سوى 3 جيوش هي التي حاربت ضدنا، وفي عام 1973م حاربنا مصر وسورية فقط، وفي حربنا عام 1982م حاربنا جيوش لبنان وسورية» (مكان تحت الشمس، نتنياهو)، ولو سمحت الظروف وأعاد كتابة كتابه لقال: «وفي غزة نقاتل شعبًا أعزل وحده، ومعنا مجموعة دول»!

إن القناعة التي يحملها هي منطق القوة الذي يستغل انقسام العرب، وتفرقهم على آراء متباعدة، وقوى مشتتة لا تستطيع حتى استخدام السلاح الذي تشتريه من الغرب.

وعن محورية الصراع مع العرب، والخلفية التي ينطلق منها يقول: «إن السلام لن يفرض إلا بالقوة، وأن العرب كلما أظهرت «إسرائيل» رأياً متطرفًا وفكرًا حادًا في التعامل معهم خضعوا، وكلما أظهرت «إسرائيل» ضعفًا وترددًا؛ ازدادت احتمالات الحرب ضدها، إن ما أقوله لا يدعو إلى الاستغراب، حيث هذه هي النظرية الكلاسيكية للردع» (مكان تحت الشمس).

إنه في كتابه يستدعي الإرث القديم، مستشهدًا بقول جولدا مائير في مذكراتها: «نعم أحن وأشتاق إلى ديار أجدادي في خيبر» (مذكرات جولدا مائير).

العودة إلى مكة!

«العودة إلى مكة»، هذا عنوان لأخطر كتاب حديث تم إصداره من دار يدعمها «الموساد»، وكاتب مقرب من نتنياهو، واللوبي الصهيوني في أمريكا لمؤلفه آفي ليبكين، يتحدث عن مسار جغرافي جديد للدولة اليهودية، ويغير أرض الميعاد، فلم تعد دولتهم من النيل إلى الفرات: «إن الأرض التي تاه فيها اليهود وتعذبوا ثم عبروا هي الجزيرة العربية، وجبل الميعاد هو جبل اللوز في مدينة تبوك»، ثم يذهب الكاتب لما هو أبعد من ذلك حيث يرى أن «مكة هدية الإله لإبراهيم، وإسحاق، وهي حق اليهود الذي اغتصبه الإسلام، وحوله إلى مكان إسلامي ورمزية إسلامية، وهو يخالف التعاليم  التوراتية، والتعويذات اليهودية».

ويضيف ليبكين: «إن الإسلام هو مصدر الدمار، وهو مصدر التخلف، ولا بد من التخلص منه، وعلى المسيحيين أن يتحدوا معهم للخلاص من شر الإسلام، كما لا بد من التحالف مع بعض الأصدقاء للسيطرة على الكعبة ومكة، والإسلام مصدر التطرف والقتل والإبادة ولا بد من وضع نهاية له» (العودة إلى مكة، آفي ليبكين).

ثم يرى كذلك فكرًا أيديولوجيًا جديدًا يتغذى على إذكاء الصراع الطائفي بين السُّنة والشيعة؛ إيران وحلفاء إيران مع السعودية، وهو الذي يرى «ضرورة عودة ممتلكات اليهود التي اغتصبها محمد ومن معه من أتباعه»!

إنك حينما تطيل النظر والتأمل في سطور هذه الكتابات تدرك لا محالة المرجعية التي تغذي هذا الفكر، ومنطلقاته وأدبياته التي تقوم على محاربة الإسلام كدين، ومحاربة رموزه ومقدساته كمثل واضحة باقية يلتف حولها المسلمون ويعظمونها؛ تفهم جليًا المراد من فكرة «الحج البديل»، و«البيت الإبراهيمي» بديلًا عن الكعبة، ويرى ليبكين ضرورة طمس النموذج الذي يتحاكم إليه المسلمون، والفكرة التي يلتفون حولها.

إنك لو ذهبت تقارن بين هذه الأفكار، وما كان في مجريات المؤتمر اليهودي الأول وتفاصيل قيام الدولة اليهودية، خصوصًا في مرحلة طرح البدائل من الأرجنتين إلى كينيا ومنها إلى فلسطين، تدرك أن الإرث اليهودي لا يزال هو المعين الذي لا ينضب في عقول هؤلاء، في الوقت الذي يتخلى فيه العقل العربي والمسلم عن إرث ضارب في التاريخ، مكتوب في الكتاب الحكيم، يفيد منه من ألقى السمع وهو شهيد.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة