«ترند» كويتي يتحول إلى صرخة جيل!

خلال الأيام الماضية، انتشر في الكويت ترند شبابي على إنستغرام بعنوان «#عاطفة_تبحث_عن_حضن»، أطلقته مجموعة من طلاب المرحلة الثانوية بعد جلسة حوارية في إحدى المدارس النموذجية.

ما بدأ كمبادرة صغيرة تحوّل إلى حملة مجتمعية مؤثرة، دفعت مؤسسات إعلامية ومراكز تربوية للحديث مجددًا عن الفراغ العاطفي الذي يعيشه قطاع عريض من المراهقين.

في استطلاع سريع أُجري على أكثر من 800 طالب كويتي بين سن 14 و18، قال 73% منهم: إنهم لا يجدون من يسمعهم باهتمام داخل الأسرة، بينما أكد 62% أنهم يشعرون بالوحدة رغم تواجدهم في بيوت مزدحمة.

لا توجد تقديرات دقيقة لحجم هذا الفراغ لدى الشباب العربي عامة، والكويتي خاصة، لكن مشروع الخطة الإنمائية الخمسية للسنوات 2016/ 2015 – 2020/ 2019م، في دولة الكويت، أفاد بأن الشباب الكويتي يقضي 6 ساعات من الفراغ يومياً.

جرس إنذار يدق، 6 ساعات يومياً تتجه بالتأكيد إلى تصفح الهاتف، والتجول بين مواقع التواصل، ومحطات التلفزة، ومقاطع «تيك توك»، وأفلام «يوتيوب»، وغرف الجنس، وأوكار الإلحاد، وربما قليل من يتجه إلى التعليم والتدريب.

لم تكن «#عاطفة_تبحث_عن_حضن» صيحة عاطفية عابرة، بل كانت علامة فارقة على أزمة مستترة، تهدد توازن جيل كامل يبحث عن الاحتواء في زمن السرعة والسطحية والمادية والاستهلاكية.


‏«إكس بوكس».. غزو رقمي يهدد عقول الشباب العربي |  Mugtama
‏«إكس بوكس».. غزو رقمي يهدد عقول الشباب العربي | Mugtama
استولت منصات الألعاب الإلكترونية، وعلى رأسها «إكس ‏بوكس» (‏Xbox‏) على مساحات شاسعة من عقول شبابنا ‏العربي
www.mugtama.com
×


فراغ ليس ترفًا نفسيًا

في أعماق كل مراهق، طفل لم يكتمل بعد، يتوق إلى كلمة حنونة، أو لمسة صادقة، أو سؤال حقيقي: كيف حالك؟ وربما هو في حاجة إلى بسمة صافية، أو أن تربت فقط على كتفيه، أو تحفزه ببعض كلمات.

لكن هذا كله يغيب أحيانًا في بيوت مفرطة في الانشغال، أو تعيش على نمط الأوامر فقط، دون مساحات للحوار أو التفهُّم أو التعبير، أو بيوت مستغرقة في الجري وراء الماديات، وتكنيز المال، لا وقت لديها للعواطف أو المشاعر.

هذا المراهق الذي لا يجد الحنان في البيت، وبين أحضان والديه، قد يبحث عنه في الهاتف، أو عبر صداقات عشوائية، أو في علاقات غير آمنة.

هنا، يبدأ الانزلاق الهادئ نحو دوائر خطرة؛ الاكتئاب، أو الإدمان، أو الإلحاد، أو العلاقات المحرّمة، بل أحيانًا الميل إلى الانتحار!

صمتَ الكبار وتكلّم الهاتف

- الوالدان:

في زمن الانشغال، لم تعُد المشكلة في غياب الأب الجسدي فقط، بل في غيابه العاطفي.

أما الأم، فرغم قربها فإنها قد لا تدرك أن ابنها المراهق لا يحتاج طعامًا بقدر ما يحتاج احتضانًا لكلامه.

تؤكد دراسة أجرتها جامعة ويسكونسن ماديسون الأمريكية، عام 2012م، أن الأطفال إذا تلقوا 20 دقيقة من التحفيز من خلال التلامس يومياً لمدة 10 أسابيع، فإنهم سيحصلون على مستويات أعلى في التقييمات الخاصة بهم.

- المدرسة:

كثير من المدارس ما زالت تتعامل مع الطالب كرقم في سجل، دون التفات إلى مشاعره أو صراعاته الداخلية أو احتياجاته النفسية.

لا يوجد مرشد نفسي فعّال، أو معلم مؤهل، ولا جلسات استماع حقيقية، بل أحيانًا يُستهزأ بمن يعبر عن مشاعره!

- المجتمع:

في ظل انشغال الإعلام بالسطحية، يغيب النموذج القيمي المحتضِن، ونادرًا ما نجد منصة شبابية جاذبة تفتح ذراعيها للمراهقين، دون وعظ فوقي، أو تنظير جامد.

ويحذر الخبراء من أن «تشات جي بي تي» وغيره من روبوتات المحادثة قد يوفر ملاذاً عاطفياً للشباب، لا سيما أنه لا يتطلب التزاماً أو تكلفاً كما هي الحال في العلاقات البشرية.

لكن مكمن الخطورة في أن تلك الروبوتات قد تزيد من احتمال العزلة الاجتماعية، فأنت تتحدث مع آلة.

أين النموذج؟

لقد قدّمه النبي صلى الله عليه وسلم، فأعظم ما نملكه كأمة هو النموذج النبوي في التربية والاحتواء، فشاب يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: يا رسول الله، ائذن لي بالزنى! فتوجّه الصحابة إليه باستنكار كاد يتحول إلى فعل، فزجرهم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال له بهدوء: «أترضاه لأمك؟.. لأختك؟..»، حتى بكى الشاب وقال: اللهم اغفر لي، طهّرتني بعد أن كنت أظن أني هالك.

هذا الشاب لم يُقهر، لم يُشتم، بل احتواه النبي صلى الله عليه وسلم بكلمات حانية، وفهم عميق لمرحلة عمرية حرجة.

احتوى مشاعره أولًا، ثم عالج منطقه، وهكذا يجب أن نكون.


صور العناية بالشباب في الخطاب النبوي |  Mugtama
صور العناية بالشباب في الخطاب النبوي | Mugtama
حفل القرآن الكريم بالعديد من الآيات التي تبين مكانة الشباب، وصفاتهم، ونماذجهم المشرقة
www.mugtama.com
×


المراهق الذي لا يُرى، ولا يسمع، ولا يُحتضن؛ يتحوّل إلى قنبلة داخل الأسرة، لكن إن شعر بأنه مسموع، ومهم، ومقبول كما هو؛ تبدأ داخله رحلة الثقة والارتواء.

ما يحتاجه جيل الشباب ليس المال فقط، بل:

- جلسة صادقة كل أسبوع مع أب أو أم.

- معلم يكتشف ذاته ويطور مهاراته.

- إعلامي يُخاطبه دون سخرية.

- داعية يخاطب وجدانه وقلبه وعقله.

- مجتمع يُشجّعه على التعبير دون خوف.

- دولة تلبي متطلباته وتطلعاته.

إن الحضن ليس ضعفًا، بل درع نجاة، وكلما كان المراهق محاطًا بحضن فكري ونفسي، كان أكثر أمانًا، وانتماءً، واستقامة.

تقول الطبيبة النفسية الأمريكية فيرجينيا ساتير: نحن بحاجة إلى 4 عناقات في اليوم من أجل البقاء، وإلى 8 يومياً من أجل إصلاح ما تم إفساده، وإلى 12 عناقاً يومياً كي ننمو.

إن الفراغ العاطفي ليس دلع أجيال، بل علامة خطر على خلل تربوي، فلنُعد ترتيب أولوياتنا، ولنمد أذرعنا لأولادنا قبل أن يمدّوها إلى المجهول، ولنتذكّر دومًا أن من لا يُحسن إلى شبابه؛ فلينتظر جفاف شيخوخته.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة