العزلة الإسرائيلية تتعمق

أوروبا و«إسرائيل».. اهتزاز الشراكة

الواثق بالله

28 سبتمبر 2025

62

لقد مضت أكثر من 50 سنة، كانت فيها العلاقات بين أوروبا و«إسرائيل» تبدو كأنها حصن راسخ، يقوم على ما يسمونه «قيم الديمقراطية وسيادة القانون»، كلمات براقة، لكنها تخفي وراءها حقيقة مرة: تحالفٌ يقوم على المصالح، ويغض الطرف عن جرائم تُرتكب في وضح النهار.

لقد عقد الطرفان اتفاقية الشراكة عام 2000م، ففتحت لـ«إسرائيل» أبواب الأسواق الأوروبية، ومدّت لها جسوراً من المال والبحث العلمي والتعليم، وأُعطيت «إسرائيل»، تلك الدولة الطارئة، موقعاً مميزاً في قلب الشرق الأوسط، ليكون لها من أوروبا سند اقتصادي وسياسي لا ينقطع.

لكن سُنن الله ماضية، وما كان للباطل أن يستمر إلى الأبد، فالحرب على غزة جاءت لتكشف الزيف، ولتضع هذه العلاقة تحت مجهر جديد، يعرّيها أمام العالم.

أوروبا تلوّح بالعقوبات.. يقظة متأخرة

في خريف 2025م، تحركت بعض دوائر أوروبا، وقد أدركت أن الشراكة مع «إسرائيل» لم تعد شراكة مع دولة تلتزم بالقانون الدولي، بل تواطؤ مع كيان غاصب ينتهك الحقوق جهاراً نهاراً، طرحت المفوضية الأوروبية تعليق الامتيازات التجارية، فإذا حصل ذلك فإن المليارات ستتساقط من يد «إسرائيل»، وتفقد حصانتها الاقتصادية التي طالما تمتعت بها.

إنها رسالة واضحة؛ لم تعد «إسرائيل» فوق الحساب، لم تعد معفية من شروط القانون، لقد بدأ التصدع يظهر في جدار كان يظنه الصهاينة حصيناً لا ينهار.

الاعتراف بفلسطين.. الموجة التي لا تُوقف

عام 2025م لم يكن كسابقه، فقد نهضت أمم من الغرب –بريطانيا، كندا، أستراليا، فرنسا، بلجيكا، مالطا– وأعلنت اعترافها بدولة فلسطين، إنها موجة متدفقة تكسر الحصار السياسي، وتعيد للقضية الفلسطينية مركزيتها في الساحة الدولية.

غضبت «إسرائيل»، وارتجفت على عروشها، قال نتنياهو: إنها «مكافأة للإرهاب»، وتحدث وزراؤه عن ضم الضفة الغربية ودفن فكرة الدولة الفلسطينية، ولكن ذلك كله لا يخفي الحقيقة الكبرى؛ الباطل يضعف حين يُحاصر، والحق يقوى حين يجد من يشهد له.

الحرب على غزة.. انكشاف الزيف وسقوط الهيبة

لم تكن الحرب على غزة مجرد دماء تُراق وأشلاء تتناثر، بل كانت امتحاناً لـ«إسرائيل» في داخلها، فقد التهمت نيران الحرب اقتصادها؛ من عجز متصاعد، وديون تتراكم، واستثمارات تهرب، وتصنيف ائتماني ينخفض.

لقد ظنّت «إسرائيل» أن قوتها العسكرية ستغطي ضعفها الداخلي، فإذا بها تكتشف أن الدماء التي تسفكها في غزة تُنزف من جسدها الاقتصادي والسياسي، وأن السلاح الذي ترفع به رأسها، يثقل كاهلها بالديون والضعف والوهن.

أوروبا تعيد تعريف الشراكة.. من الامتياز إلى الشرط

لقد آن لبروكسل أن تقول: لا شراكة بلا شرط، ولا تجارة بلا التزام، لم يعد يكفي أن تُصدر أوروبا بيانات دبلوماسية، بل ها هي تلوّح بإجراءات اقتصادية وعقوبات على المستوطنين.

إنها بداية تبدلٍ في ميزان القوة، شراكة كانت قائمة على الامتياز لـ«إسرائيل»، تتحول اليوم إلى شراكة مشروطة، تُعلّق على خيط رفيع من «احترام حقوق الإنسان»، ذلك الشرط الذي طالما داسه الاحتلال تحت أقدامه، ينهض الآن ليكون قيداً يلتف حول عنقه.

السعودية والتطبيع المؤجل.. وقفة على أبواب الحقيقة

وفي الميدان الإقليمي، ها هي السعودية تُعلنها صريحة: لا تطبيع مع «إسرائيل» بلا دولة فلسطينية، توقفت المفاوضات، وانكشف أن الطريق الذي كان يُفتح أمام «إسرائيل» ليخترق المنطقة العربية، قد سُدّ بدماء غزة وصمود شعبها.

لقد ظنت «إسرائيل» أن طريقها إلى الرياض سالك، فإذا هو طريق محفوف بالدماء والدموع، لا يُفتح إلا بثمن عظيم؛ الاعتراف بالحق الفلسطيني، وإلا فالعزلة هي المصير.

إنها لحظة فاصلة في تاريخ العلاقة بين أوروبا و«إسرائيل»، لم يعد المال يغطي الدم، ولم تعد الشعارات تخفي الباطل، الحرب على غزة، والاعتراف الدولي بفلسطين، والانهيار الاقتصادي في «إسرائيل»، كلها شواهد على أن سُنن الله لا تحابي أحداً.

الحق يعلو وإن طال الطريق، والباطل ينهار وإن بدا جبّاراً، وهذه الأحداث ليست إلا حلقة من حلقات التدافع بين الحق والباطل، حيث يمضي وعد الله: (وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ) (الشورى: 24).

الرابط المختصر :

كلمات دلالية

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة