خطأ مع حزم خير من صواب مع عجز

"ما لمت نفسي على خطأ افتتحته بحزم، ولا حمدتها على صواب افتتحته بعجز". (مَسْلَمَة بن عبد الملك)

 بيان وفوائد:

يتحدث مسلمة بن عبد الملك عن مبدأ مهم في حياته وهو:

·    أنه لا يلوم نفسه على خطأٍ ارتكبه بحزمٍ وعزيمةٍ وإقدام؛ لأنه اجتهد وواجه وتحمّل المسؤولية.

·    ولا يمدح نفسه على صوابٍ حققه بعجزٍ وضعفٍ وتردّد؛ لأنه لم يصدر عن قوةٍ ووعيٍ، بل عن خوفٍ أو تقصير.

إذن القيمة الحقيقية في نظره ليست في النتيجة فقط، بل في الإرادة التي تصنعها.

وبتأمل العبارة الوجيزة البليغة تتجلى لنا فوائد، منها:

1. النية والعزيمة أهم من النتيجة

o        قد تخطئ وأنت مجتهد قوي الإرادة، فتتعلم وتنضج.

o        لكن إن أصبت وأنت عاجز متردد، فلست محمودًا، لأنك لم تملك زمام القرار.

2. الجرأة في الفعل خير من التردد في الصواب

o        الخطأ الناتج عن الشجاعة أقرب إلى الصواب من الصواب الناتج عن الجبن.

o        لأن القوة تولّد الخبرة، أما العجز فيبقي الإنسان رهين الخوف والجمود.

3. تحمل المسؤولية شرف

o        من يفتتح قراره بحزم لا يلوم نفسه كثيرًا؛ لأنه واجه الموقف بعقل وجرأة.

o        ومن يسير إلى الحق بعجزٍ وتخاذل لا يستحق الثناء، لأنه لم يختره بإرادته الحرة.

4. قيمة الفعل في روحه لا في صورته

o        ليس المهم أن تكون النتيجة "صحيحة" فقط، بل أن تكون نابعة من وعي وقوة.

o        العمل الجيد بغير روح القوة يشبه جسدًا بلا حياة.

5.  دعوة إلى الثقة بالنفس

o        الإنسان القوي يؤمن بأن التجربة حتى لو فشلت هي مكسب.

o        أما الضعيف، فحتى نجاحه لا يصنع فيه روح القيادة أو النضج.

وإذا نظرنا إلى هذه العبارة من منظور بلاغي، فإنها مبنية على:

1.    1.  المقابلة (الطباق المعنوي)

العبارة تقوم على تقابلٍ مزدوج بين طرفين متعاكسين:

  • خطأ × صواب
  • حزم × عجز

هذا التقابل يولّد توازنًا موسيقيًا ومعنى عميقًا؛ إذ يجمع بين قوتين متضادتين ليكشف أن القيمة ليست في «الصواب والخطأ» بل في روح الفعل.
فالعبارة تسير ضدّ ما يتوقعه السامع: إذ يميل العقل إلى لوم النفس على الخطأ ومدحها على الصواب، لكن المتكلم يقلب الموازين بذكاءٍ فلسفي وجرأة فكرية.

2.    2.  المفارقة البلاغية

يُدهش القارئ حين يرى المتكلم لا يلوم نفسه على الخطأ، بل يعتزّ به إن صدر عن حزم،
وفي الوقت نفسه لا يحمدها على الصواب إن صدر عن ضعف.
هذه المفارقة تخلق توترًا فكريًّا جميلًا يجعل السامع يتأمل في جوهر القيمة الإنسانية:
هل العبرة في النتيجة، أم في الإرادة؟

وهنا تبرز البلاغة في الفكرة لا في اللفظ فقط.

3.     3.  الإيجاز والإحكام

العبارة قصيرة جدًا، لكنها تحمل معنى فلسفيًّا عميقًا في توازنٍ لغويّ دقيق.
كل كلمة تؤدي وظيفة محددة:

  • "ما لمت" = نفي اللوم
  • "افتتحته" = تدل على المبادرة والنية الأولى
  • "بحزم" / "بعجز" = تصوير للحالة النفسية لا للنتيجة فقط

فالفعل "فتتحته" اختيار موفق يدل على البداية الواعية، لا على مجرّد الوقوع في الفعل.
إنه يوحي بأن صاحب القول يزن قراراته من لحظة الانطلاق.

4.      4. التكرار الفني لكلمة "افتتحته"

التكرار هنا ليس لغويًا بل فنيًا؛ إذ يعمّق التوازي بين الشطرين، ويُظهر أنّ الفعل في ذاته متشابه، لكن النية المحرّكة له مختلفة.

فكأن الكاتب يقول: "النية هي التي تصنع قيمة الفعل، لا نوعه."

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة