الجهاد في الإسلام طريق إلى السلام

دعا الإسلام أتباعه إلى القوة وعدم الاستكانة للأعداء، حيث قال عز وجل: (‌وَلَا ‌تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران: 139)، كما دعا الإسلام المسلمين إلى عدم الخشية من الناس، حيث قال تعالى: (‌فَلَا ‌تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ) (المائدة: 44)، وقال أيضاً: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ‌فَلَا ‌تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران: 175)، بل إن الإسلام دعا إلى الشدة والقوة على الأعداء والإغلاظ عليهم، حيث قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ ‌وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (التوبة: 73)، وقال تعالى في صفات أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ‌رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) (الفتح: 29)، وقال في صفات المؤمنين، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ‌أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة: 54).

والسبب في هذا أن القوة والشدة على الأعداء والظالمين هي التي تردعهم وتوقفهم عن الظلم والتمادي فيه، كما أن القوة الجهادية تسهم في إرعاب العدو وقهره ورده عن غيه قبل الدخول في المعارك، ففي صحيح البخاري، ومسلم، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قال: سمعت رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، ‌وَنُصِرْتُ ‌بِالرُّعْبِ».

وإذا كان الإسلام قد دعا إلى الجهاد والشدة على الأعداء، فإن ذلك لا يعني أنه يدعو إلى الطغيان؛ بل شرع لمواجهة ذلك، فالجهاد في سبيل الله أسمى وسيلة لإقامة توازنٍ عادلٍ بين الأمم، وكفّ أيدي المعتدين، وبسط الطمأنينة في المجتمعات، وقد جاء الإسلام برسالة شاملة تُعلي من شأن الإنسان، وتحرر روحه وجسده من كل صور القهر والظلم، فجعل الجهاد فريضةً لتحقيق كرامته وحماية حريته، لا أداة للعدوان أو سفك الدماء.

ومن يطالع آيات القرآن العظيم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وتجارب المسلمين عبر التاريخ الطويل يجد أن ميادين الجهاد كانت طريقًا لرفع راية العدل، ونشر الأمن، وبناء حضارةٍ إنسانية قامت على الرحمة والإنصاف، وضمنت للإنسانية جميعًا سلامًا راسخًا، ويتبين ذلك فيما يأتي:

1- الجهاد لدفع العدوان وتحقيق الأمن:

جعل الإسلام الأصل في العلاقات بين الأمم هو السلام، ولا يُشرع القتال إلا لدفع الظلم أو الخيانة أو الاعتداء، فقد قال تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ‌وَلَا ‌تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة: 190)، فالجهاد في الإسلام وسيلة لدفع العدوان، وإذا لم يوجد عدوان فلا قتال، حيث قال تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {8} إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الممتحنة).

 ومما يدل على أن الجهاد يهدف إلى دفع العدوان وتحقيق الأمن أن الفتوحات الإسلامية أنهت العديد من الصراعات الدموية بين قبائل وجماعات متناحرة.

2- الجهاد لحماية المستضعفين:

من أعظم مقاصد الجهاد في الإسلام حماية المستضعفين وردع الظالمين، قال تعالى: (‌وَمَا ‌لَكُمْ ‌لَا ‌تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا) (النساء: 75)، وقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا) (البقرة: 246)، وقد كان المسلمون يقاتلون لنصرة المظلومين وتأمين حياة كريمة لهم، وهي غاية لا يتحقق السلام الشامل إلا بها.

3- الجهاد لرفع الفتنة وضمان حرية الدين:

يسعى الجهاد إلى إزالة الفتنة وحماية حرية الاعتقاد، فقد قال تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ ‌حَتَّى ‌لَا ‌تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) (البقرة: 193)، والفتنة في الدين شديدة، بل هي أعظم من القتل، حيث قال تعالى: (‌وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) (البقرة: 191)، وسبب ذلك أنها تسلب الإنسان حريته في اختيار عقيدته، والجهاد يحمي هذه الحرية ويمنع القهر والاضطهاد، قال تعالى: (‌لَا ‌إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (البقرة: 256).

4- تشريع الجهاد يوجب على المسلمين الدعوة إلى السلام قبل بدء القتال:

في صحيح مسلم عَنْ سليمان ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا أَمَّرَ أمير على جيش أو سرية، أوصاه خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خيراً، ثم قال: «اغزوا باسم الله، وفي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَمْثُلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ‌فَادْعُهُمْ ‌إِلَى ‌ثَلَاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلَالٍ، فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ، إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ، فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ، يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمُ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ».

ويضاف إلى ذلك أنه صلى الله عليه وسلم بعد غزوة «تبوك»، كان يرسل الرسائل إلى الملوك والقادة يدعوهم إلى الإسلام قبل القتال؛ ما يؤكد أن السلام هو الأصل، وأن القتال هو الوسيلة الأخيرة، وهو السبيل إلى تحقيق السلام.

مظاهر السلام الناتجة عن الجهاد

1- تحقيق الأمان الداخلي للأمة الإسلامية:

الجهاد يردع الأعداء، ويؤمن حدود الدولة الإسلامية، فيعيش المسلمون في أمن واستقرار، ويدل على ذلك ما حدث بعد غزوتي «بدر» و«أُحد» و«الخندق»، حيث عمّ الأمن في المدينة، وزالت أطماع المشركين فيها.

2- إقامة العدل بين الناس:

فتح الجهاد البلاد لنشر العدل لا لنهب الثروات، فقد كان المسلمون يدخلون البلدان حاملين القيم والمبادئ قبل السيوف، قال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) (الحديد: 25).

3- نشر الرحمة بين الناس:

الجهاد المشروع كان سببًا في نشر قيم الرحمة؛ إذ لم يُكره الناس على الإسلام، بل تُرك لهم حرية العقيدة، قال تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (البقرة: 256)، وقد عاش غير المسلمين في كنف الدولة الإسلامية قرونًا في أمن وكرامة.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة