حول رسالة التعاليم للإمام الشهيد حسن البنا

تُعد «رسالة التعاليم» واحدة من أهم الوثائق الفكرية والتنظيمية التي كتبها الإمام الشهيد حسن البنا، فقد كتبها لترسيخ معاني ومعالم التربية المنهجية لأفراد جماعة الإخوان المسلمين، فهي بمثابة الأساس الواضح للفكر الحركي الإسلامي، وهي رسالة صغيرة موجزة في حجمها، دقيقة عميقة في مضمونها، وتهدف رسائل الإمام الشهيد عمومًا و«رسالة التعاليم» خصوصًا إلى بناء وتكوين الفرد المسلم الذي يحمل همَّ الإسلام ويعمل لأجل تمكينه في الحياة.

لقد كتب البنا «رسالة التعاليم» في أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين، ففي هذه الفترة كانت جماعة الإخوان المسلمين تشهد رواجًا وتوسُّعًا، فقد رأى رحمه الله أنه من الضروري ترسيخ المفاهيم الأساسية للانتماء الحركي، فجاءت هذه الرسالة ضمن مجموعة الرسائل التي كتبها البنا إلى أعضاء الجماعة لتقويم الفهم وترشيد التطبيق.

وقد تضمنت رسالة التعاليم أركان البيعة للجماعة، وهي 10 أركان: الفهم، الإخلاص، العمل، الجهاد، التضحية، الطاعة، الثبات، التجرد، الأخوة، الثقة.

وهذه الرسالة بمثابة منهاج تربوي متكامل للعمل الحركي الإسلامي، فقد اهتم الإمام بشرح كل ركن من أركان البيعة، وبيان معناه في حياة الفرد المسلم، وآثر أن يجعل أول الأركان «الفهم»؛ والمراد به الفهم الصحيح للإسلام، ولأن أي خلل فيه سينعكس على باقي الأركان، وقام بشرحه وبيَّن من خلاله الأصول العشرين التي تُعَد خلاصة التصور الإسلامي كما يراه.

وتشمل الرسالة قضايا التوحيد، والتشريع، والسياسة، والاجتماع، وركَّزت الرسالة على أهمية التنظيم والالتزام في العمل الجماعي، وأن المسلم يجب أن يعمل ضمن مجموعة أو جماعة منظمة تحمل همّ الإسلام.

كما تناولت الرسالة مفهوم الجهاد بمعناه الشامل؛ فليس المقصود به الجهاد العسكري فحسب، وإنما أيضًا يشمل جهاد الدعوة والنفس وتحمُّل التبعات، وشدد على أن الفرد المسلم يجب عليه الاستعداد للتضحية بالنفس والمال والجهد.

أهمية الرسالة

تمثِّل «رسالة التعاليم» خارطة طريق لبناء الشخصية الإسلامية الحركية، كما تُعَد مرجعًا أساسيًّا في أدبيات الحركات الإسلامية المعاصرة، وقد حرص البنا على أن تكون الرسالة عملية، تُخاطب الوجدان والعقل معًا، وتجمع بين التنظير والتربية، فهي وثيقة مركزية في فكر الإمام البنا، وقد أثَّرت بعمق في الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي منذ طرحها وحتى يومنا هذا.

وعلى الرغم من مرور الزمن، فإن مفاهيمها ومضامينها ما زالت تدرَّس وتناقَش لما لها من أثر بنّاء ورؤية واضحة في حياة الفرد المسلم لبناء المجتمع المسلم، وصياغة مشروع إسلامي نهضوي شامل.