إستراتيجية «حماس» التفاوضية في معركة «طوفان الأقصى»

د. إياد القرا

05 ديسمبر 2024

2840

في 7 أكتوبر 2023م، نفذت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عملية عسكرية نوعية كانت بمثابة منعطف إستراتيجي في القضية الفلسطينية، العملية التي أعدتها «حماس» بدقة وسرية تحت إشراف رئيسها يحيى السنوار، أسفرت عن نتائج مؤثرة على الميدان والسياسة، وأسقطت مئات الجنود الصهاينة بين قتيل وجريح؛ ما أثار ردود فعل دولية واسعة.

المعركة فتحت ملفات تفاوضية شائكة بين «حماس» والاحتلال «الإسرائيلي»، حيث تُدار هذه المفاوضات بوساطة إقليمية ودولية، تضمن الملفات المطروحة قضايا الأسرى، ووقف الحرب، وعودة النازحين، ورفع الحصار عن قطاع غزة، الوسطاء الرئيسون في هذه المفاوضات هم قطر ومصر، وقد انضمت إلى الجهود أطراف دولية مثل الولايات المتحدة، وفرنسا، وتركيا.

قضية الأسرى تحتل مكانة مركزية في المفاوضات، حيث تحتفظ «حماس» بعدد كبير من الأسرى «الإسرائيليين» الذين تستخدمهم كورقة ضغط رئيسة، في معركة «طوفان الأقصى»، واعترف الاحتلال بمقتل عدد من الأسرى خلال محاولات فاشلة لتحريرهم؛ ما أدى إلى تصاعد الضغط الداخلي على حكومة الاحتلال.

مرتكزات إستراتيجية التفاوض لدى «حماس»

«حماس» تستند في إستراتيجيتها التفاوضية إلى مكانتها كأكبر قوة عسكرية وسياسية في قطاع غزة منذ سيطرتها على القطاع في عام 2007م، فانتصار «حماس» في الانتخابات التشريعية الفلسطينية لعام 2006م يعزز شرعيتها الشعبية؛ ما يجعلها قادرة على فرض شروطها التفاوضية استنادًا إلى قوتها العسكرية وسيطرتها الميدانية.

«حماس» تبنت مبدأ التفاوض غير المباشر منذ تأسيسها في أواخر الثمانينيات، رغم رفضها الاعتراف بشرعية الاحتلال، إلا أنها لم تمانع التفاوض عبر وسطاء لتحقيق أهداف مرحلية، على سبيل المثال، صفقة شاليط في عام 2011م، التي أُطلق خلالها أكثر من 1000 أسير فلسطيني مقابل الجندي الصهيوني جلعاد شاليط، كانت نموذجًا للتفاوض غير المباشر الذي تبنته «حماس».

التكتيك المرن هو سمة بارزة في إستراتيجية «حماس»، حيث أظهرت مرونة في التعامل مع المتغيرات السياسية، وفي وثيقتها المعدلة عام 2017م، قبلت الحركة إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967م كحل مرحلي، رغم رفضها الاعتراف بـ«إسرائيل»، هذا التكيف مع المتغيرات الإقليمية والدولية أظهر قدرة «حماس» على استغلال الفرص السياسية لتعزيز موقفها التفاوضي.

أهداف وإستراتيجيات التفاوض

تسعى «حماس» من خلال مفاوضاتها إلى تحقيق مكاسب إنسانية وسياسية، مثل وقف العدوان، وعودة النازحين، ورفع الحصار عن قطاع غزة.

استخدام ورقة الأسرى كأداة ضغط يهدف إلى تحقيق مكاسب إنسانية ملموسة، مستفيدة من الضغط الدولي المتزايد على «إسرائيل» لتهدئة الأوضاع في غزة.

تدرك «حماس» أن عامل الوقت يلعب لصالحها في الصراع مع الاحتلال، واستمرار الخسائر العسكرية والاقتصادية للجيش «الإسرائيلي» يضعف موقفه التفاوضي، ويعزز من قدرة «حماس» على الصمود وإدارة حرب طويلة الأمد رغم التضحيات الكبيرة، هذا التوجه يظهر في قدرتها على استخدام الوقت كورقة ضغط لتحسين شروط التفاوض.

وتعتمد «حماس» على التصعيد العسكري المتقطع كوسيلة لتحسين شروطها التفاوضية، ففي نوفمبر 2023م، أظهرت مرونة في مفاوضات إنسانية لإطلاق سراح عدد من الأسرى؛ ما ساعد في تخفيف الضغط الدولي عنها وتحسين شروط التفاوض، هذا التكتيك المزدوج بين التصعيد والمرونة يعكس قدرة «حماس» على إدارة الصراع بفعالية.

الدور الإقليمي والدولي

تمارس قطر دور الوسيط الفاعل في المفاوضات، حيث تقدم دعمًا كبيرًا لـ«حماس»؛ ما يعزز من قدرتها على الاستمرار في مقاومتها ضد الاحتلال، قطر، التي تعتبر داعمًا ماليًا وسياسيًا رئيسا، تساهم في تعزيز مكانة «حماس» التفاوضية، تركيا أيضًا تمارس دوراً مهماً في توفير الغطاء السياسي والدبلوماسي للحركة؛ ما يعزز من قدرتها على المناورة في الساحة الدولية.

ورغم تصنيف «حماس» كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فإن هذا التصنيف لم يمنع الأطراف الوسيطة من الانخراط في مفاوضات لتحقيق تهدئة في المنطقة.

دور المجتمع الدولي يتمثل في الضغط على «إسرائيل» للامتثال للمعايير الإنسانية والدولية؛ ما يعزز من موقف «حماس» في المفاوضات.

التحديات والقيود

- تواجه «حماس» تحديات كبيرة من قبل الاحتلال الذي يحاول إضعاف أوراقها التفاوضية عبر تسريب معلومات مضللة وبث الشائعات.

- الإستراتيجية الصهيونية تركز على إطالة أمد الحرب وتدمير البنية التحتية في غزة، بهدف ردع المقاومة وإضعاف قدرتها على الصمود.

- إستراتيجية الاحتلال تعتمد على تدمير البنية التحتية في غزة كوسيلة لردع «حماس» وإجبارها على تقديم تنازلات في المفاوضات.

- هذا النهج يعكس محاولات الاحتلال المستمرة لتقويض قدرة «حماس» على الاستمرار في المقاومة.

- استفادت «حماس» من تجارب تفاوضية سابقة، مثل صفقة شاليط، حيث حققت مكاسب كبيرة رغم الضغوط.

- هذه التجارب أظهرت قدرة «حماس» على استخدام التفاوض كأداة لتحقيق أهدافها السياسية والإنسانية، في معركة «طوفان الأقصى»، وتمكنت «حماس» من إدارة المفاوضات بكفاءة؛ ما أظهر عجز الاحتلال عن تحقيق أهدافه، كما أقر بذلك قادة صهاينة مثل الجنرال إسحاق بريك.

خلاصة

تعتمد «حماس» في إستراتيجيتها التفاوضية على قوتها الميدانية والسياسية، مع مرونة تكتيكية تُمكّنها من التكيف مع المتغيرات الإقليمية والدولية.

ورغم التصعيد العسكري المستمر، تبدو الحركة مصممة على تحقيق أهدافها الوطنية، مستندة إلى دعم شعبي وإقليمي كبير، وإدارة تفاوضية أثبتت فعاليتها في مواجهة الاحتلال.

وقدرتها على إدارة الوقت واستغلال الدعم الدولي يضعها في موقف قوي يمكنها من مواصلة المقاومة والسعي لتحقيق مكاسب سياسية وإنسانية ملموسة.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة