كيف أوقف مهندس مصري دعم «مايكروسوفت» لـ«إسرائيل»؟

د. مجدي سعيد

30 سبتمبر 2025

198

في البند السابع من الدورة التاسعة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والمنعقد في الفترة من 16 يونيو - 11 يوليو 2025م، قدمت فرانشيسكا ألبانيزي، المقررة الأممية المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، تقريرها الأشهر المعنون بـ«من اقتصاد الاحتلال إلى اقتصاد الإبادة الجماعية»، الذي تناولت فيه آلية قطاع الأعمال في دعم الاحتلال الاستيطاني الصهيوني لفلسطين.

وفي سياق هذا التقرير، جرى النقاش حول: كيف أصبحت الأسلحة والتكنولوجيات العسكرية المستخدمة في تنفيذ طرد الفلسطينيين من أرضهم أدوات للقتل الجماعي والتدمير؛ ما جعل غزة وأجزاء من الضفة الغربية غير صالحة للسكن، وتحولت تكنولوجيات المراقبة والسجن التي تستخدم عادة لفرض الفصل العنصري إلى أدوات لاستهداف السكان الفلسطينيين عشوائياً؟!

وقد تناول التقرير دور إحدى الشركات العالمية الكبرى في تمكين الكيان المحتل من فعل ذلك، وهي شركة «مايكروسوفت»، التي تعمل في دعم الكيان منذ عام 1991م، حيث أنشأت أكبر مركز لها خارج الولايات المتحدة، وتكنولوجياتها مدمجة في دوائر السجون والشرطة والجامعات والمدارس والمستوطنات، وتعمل على دمج نظمها وتكنولوجياتها المدنية في الجيش الصهيوني منذ عام 2003م، مستحوذة على شركات ناشئة للكيان في مجالي الأمن السيبراني والمراقبة.

وتمنح شركة مايكروسوفت، وشركات أخرى، جميع الهيئات الحكومية للكيان الصهيوني إمكانية الوصول إلى تكنولوجياتها السحابية وتكنولوجيات الذكاء الاصطناعي التابعة لها؛ ما يعزز قدراتها على معالجة البيانات وصنع القرارات والمراقبة والتحليل.

وفي أكتوبر 2023م –مع بداية الحرب الأخيرة– عندما تجاوز الحيز السحابي العسكري للكيان طاقته التحميلية، تدخلت شركة مايكروسوفت بمنصتها المسماة «Azure»، وشركات أخرى، من خلال توفير هياكل أساسية حاسمة في مجالي التكنولوجيا السحابية والذكاء الاصطناعي، ومن خلال ضمان خوادمها الموجودة لدى الكيان للسيادة على البيانات والحماية من المساءلة، بموجب عقود مواتية تضمن الحد الأدنى من القيود أو الرقابة أو الإشراف.

وقد تضمن هذا الجزء من التقرير وصف أحد قيادات جيش الكيان للتكنولوجيا السحابية بأنها سلاح بكل ما تحمله الكلمة من معنى، مستشهداً في ذلك بما تقدمه تلك الشركات.

خدمات تجسس

هذا الدور الذي تقوم به شركة مايكروسوفت في دعم الكيان الصهيوني في عدوانه داخل فلسطين وخارجها، كان محل احتجاج لعاملين بالشركة، ورغم أن الشركة اتخذت إجراءات تعسفية ضد هؤلاء الموظفين حيث قامت بفصلهم من العمل، فإنها اضطرت، في 24 سبتمبر 2025م، للإعلان عن منعها للجيش الصهيوني من استخدام خدماتها للتجسس على ملايين المكالمات الهاتفية للمدنيين الفلسطينيين، التي تجرى يومياً في غزة والضفة وغيرها، والمخزنة في منصفة مايكروسوفت العملاقة للحوسبة السحابية (Azure).

و«Azure» هو المصطلح الشامل لجميع خدمات مايكروسوفت السحابية وخدمات الذكاء الاصطناعي التي تقدمها مايكروسوفت، وتشمل التخزين، والقدرة الحاسوبية، وخدمات الذكاء الاصطناعي أيضاً، ويستخدم الجيش «الإسرائيلي» الخدمات السحابية بشكل عام، بما في ذلك خدمات مايكروسوفت، لمجموعة واسعة من أنظمة المراقبة والاستهداف.

لذا، يوجد نظام مراقبة شامل منشأ في الضفة الغربية وغزة، يقوم بتجميع جميع هذه البيانات، بما في ذلك المكالمات الهاتفية على سبيل المثال، ويخزنها على خوادم مايكروسوفت، ثم يستخدم الذكاء الاصطناعي من مايكروسوفت لنسخ هذه البيانات وترجمتها، ثم يرسلها إلى أنظمة تستخدم الذكاء الاصطناعي من مايكروسوفت وأنظمة أخرى، التي بدورها تحدد الأشخاص الذين يجب قتلهم في غزة، كما أن بعض بيانات المراقبة التي كانت مايكروسوفت تخزنها كانت تستخدم لتبرير عمليات قتل لأشخاص كانوا قد قتلوا بالفعل في الضفة الغربية بأثر رجعي.

وقفة احتجاجية

وقد اعتبرت تلك الخطوة التي اتخذتها مايكروسوفت مؤخراً انتصاراً ولو جزئياً لحركة «لا آزور للفصل العنصري» (No Azure for Apartheid)، التي أسسها هؤلاء العاملون لمعارضة أدوار الشركة في دعم سياسات الكيان المحتل ضد الفلسطينيين.

وقد أجرى موقع «ديموكراسي ناو» (Democracy Now) حواراً مع مهندس الحاسبات المصري حسام نصر، الذي كان أحد العاملين بالشركة الذين تعرضوا للفصل التعسفي في أكتوبر 2024م، بعد تنظيمه وقفة احتجاجية أمام مقر مايكروسوفت تضامناً مع الفلسطينيين الذين قتلهم الجيش «الإسرائيلي» في غزة، كما أنه أحد مؤسسي ومنظمي الحركة.

وفي حديثه مع آمي جودمان، المحررة بالموقع، قال م. نصر: إن الخطوة التي اتخذتها الشركة مهمة وغير مسبوقة، معتبراً أنها حققت انتصاراً للحملة التي قاموا بها، وأنها بذلك أصبحت أول شركة تقنية أمريكية تسحب بعض الخدمات التي تقدمها للجيش الصهيوني.

وأكد المهندس المصري أهمية الوعي بأن هذا ليس الانفصال التاريخي الكامل للعلاقات بين مايكروسوفت والجيش «الإسرائيلي»، وأن ما فعله قرار مايكروسوفت هو منع وحدة واحدة فقط في الجيش «الإسرائيلي»، وهي الوحدة «8200»، من استخدام بعض الخدمات التي تقدمها مايكروسوفت.

وأضاف أن الوحدة «8200» قد تكون أكثر الوحدات تدخلاً التي تتعاون معها مايكروسوفت، لكنها على الأرجح ليست الأكثر فتكاً، حيث نعلم من التقارير أن مايكروسوفت تبيع أيضاً تقنياتها مباشرة للوحدات العسكرية البحرية والجوية والبرية في «إسرائيل».

كان م. نصر قد عمل قبل فصله لمدة 3 أعوام في الشركة، وقبل فصله ساهم في احتجاج واعتصام داخل مقر الشركة، وكما يروي فإن الاحتجاجات والاعتصامات التي تمت داخل مقر الشركة، بل وداخل مكتب رئيس الشركة براد سميث أدت إلى قيامها بإجراء تحقيقين في الأمر، أعلنت نتائج التحقيق الأول في مايو 2025م، وأعلنت الشركة يومها أنها لم تجد أي مخالفات فيما تفعله داخل الكيان.

تحقيق وإجراء

مع مواصلة الاحتجاجات، وفي محاولة لوقفها، أعلنت الشركة في أغسطس الماضي، عن قيامها بإجراء تحقيق آخر فيما هو موجّه لها من اتهامات، وبعد أقل من شهر على بدء التحقيق الثاني، أصدرت الشركة إعلانها هذا، بحسب تصريح نصر، من الواضح جداً أن السبب الوحيد وراء إجراء مايكروسوفت لهذا التحقيق أو اتخاذها هذه الخطوة المهمة هو تنظيمنا ونشاطنا.

يخاطر م. نصر، وغيره من العاملين الأجانب في شركة مايكروسوفت، بتأشيرات الإقامة والعمل الخاصة بهم في الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب التي أوضحت أنه لا سبيل للشعور بالأمان في هذا البلد إذا كنت مهاجراً، حيث اختُطف أشخاص واعتقلوا ويواجهون الترحيل لمجرد كتابة مقال رأي، أو لمجرد مشاركتهم في احتجاج، أو لمجرد وجودهم في المكان الخطأ في الوقت الخطأ.

لكن كما يقول نصر: لا يوجد ثمن للعيش في هذا البلد ودفع الضرائب التي تمول هذه الإبادة الجماعية، يقارَن أبداً بالتضحيات الحقيقية والتكلفة الحقيقية التي يدفعها أهل غزة كل يوم، وبتكلفة الصمت، مؤكداً: لا أستطيع أن أعيش بمفردي وأنظر إلى نفسي في المرآة وأدرك أنني شاهدت عملي يستخدم لتسهيل الإبادة الجماعية، وضرائبي تستخدم لتمويلها، بينما أقف صامتاً لا أفعل شيئاً حيال ذلك.


اقرأ أيضاً:

تقرير أممي: أكثر من 60 شركة كبرى متورطة في دعم إبادة غزة

«الجارديان»: مايكروسوفت وأمازون وجوجل تدعم الجيش «الإسرائيلي» منذ بدء العدوان على غزة

«مايكروسوفت» ملطخة بالدماء.. مغربية تكشف تواطؤ الشركة في إبادة غزة

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة