توزيع الثروة.. هل يقودنا رأس المال للامساواة؟

تعتبر قضية توزيع الثروة واحدة من أكثر القضايا
إثارة للجدل التي تتم مناقشتها بشكل واسع اليوم، لكن ما الذي نعرفه حقًا عن تطورها
على المدى الطويل؟ هل تقود حركية تراكم رأس المال الخاص حتمًا إلى تركز الثروة في أيدٍ
أقل فأقل دومًا، كما كان كارل ماركس يعتقد في القرن التاسع عشر؟ أم هل تقود القوى الموازنة
للنمو، والمنافسة، والتقدم التكنولوجي، في المراحل المتأخرة من التنمية إلى لا مساواة
أقل وانسجام أعظم بين الطبقات، كما تصور سايمون كوزنتس في القرن العشرين؟
ما الذي نعرفه حقًا عن الطريقة التي تطوّر
بها الدخل والثروة منذ القرن التاسع عشر؟ وما الدروس التي يمكن استقاؤها من تلك المعرفة
كي نستفيد منها في القرن الذي تجري أحداثه الآن؟
رؤية توماس بيكيتي.. «رأس المال في القرن الحادي والعشرين»
يقول توماس بيكيتي في كتابه «رأس المال في
القرن الحادي والعشرين»: هذه هي الأسئلة التي أحاول الإجابة عنها في هذا الكتاب، ويضيف:
ودعوني أقول على الفور: إن هذه الإجابات لا تتسم بالكمال ولا التمام، لكنها مؤسسة على
بيانات تاريخية مقارنة أكثر شمولية من تلك التي كانت متاحة للباحثين فيما سبق، وهي
بيانات تغطي 3 قرون وأكثر في 20 دولة، بالإضافة إلى إطار نظري جديد يقدم فهمًا أعمق
للآليات المتضمّنة.
لقد جعل النمو الاقتصادي المعاصر، وانتشار
المعرفة، تفادي نبوءة الماركسية الكارثية أمرًا ممكنًا، لكنها لم تعدّل، بأيّ حال،
البنى العميقة لرأس المال واللامساواة، بالدرجة التي كان يتخيلها المرء في عقود التفاؤل
التي أعقبت الحرب العالمية الثانية.
بين الأحكام المسبقة والبحث المنهجي
لقد قام الجدل الأكاديمي والسياسي بشأن توزيع
الثروة طويلًا على فائض من الأحكام المسبَّقة وندرة في الوقائع، وفي غياب مصادر ومناهج
ومفاهيم محددة بدقّة، من الممكن أن نرى الشيء ونقيضه، بعضهم يعتقد أن اللامساواة تزداد
دائمًا بشكل مطرد، وأن العالم يصبح دائمًا أكثر ظلمًا، ويعتقد بعضهم الآخر أن اللامساواة
تقلّ بشكل طبيعي، أو أن الانسجام يتحقق تلقائيًا، وأنه بكل الأحوال لا يجب فعل أي شيء
من شأنه أن يخاطر بخلخلة هذا التوازن السعيد.
وفي حوار الطرشان هذا، يبرر كل معسكر كسله
الفكري بالإشارة إلى كسل الآخرين، بيد أن هناك دورًا للبحث المنظم والمنهجي، إذا لم
يكن علميًا بشكل كامل.
الأدب كمرآة للامساواة الاقتصادية
مما لا ريب فيه، أنه سيكون من الخطأ التقليل
من أهمية المعرفة الحدسية التي يحوزها الجميع بخصوص الثروة ومستويات الدخل في عصرنا،
حتى في ظل غياب أي إطار نظري أو تحليل إحصائي، وتمتلئ أفلام وأدب القرن التاسع عشر،
والروايات على وجه الخصوص، بمعلومات تفصيلية عن الثروة النسبية ومستويات معيشة مجموعات
اجتماعية مختلفة، وبالذات عن البنية العميقة للامساواة، وطريقة تبريرها، وأثرها على
حيوات الأفراد.
في الواقع، إن روايات جين أوستن، وأونوريه
دي بالزاك، ترسم صورًا لافتة للنظر لتوزيع الثروة في بريطانيا وفرنسا بين عامي
1790 و1830م، كلا الروائيين كانا مُلمَّيْن بشكل وثيق بسلم الثروة في مجتمعيهما، لقد
فهما المخططات الخفية للثروة وتبعاتها الحتمية بالنسبة لحياة الرجال والنساء، بما فيها
إستراتيجياتهم الزواجية وآمالهم وإحباطاتهم الشخصية، لقد صور هذان الروائيان، وروائيون
آخرون، آثار اللامساواة بخيال حقيقي وقوة مثيرة للعواطف لا يمكن لأي تحليل إحصائي أو
نظري أن يأتي بمثلها.
قضية تهم الجميع
لذا، يؤكد بيكيتي أنه في الواقع، فإن توزيع
الثروة من الأهمية بحيث لا ينبغي تركه للاقتصاديين وعلماء الاجتماع والمؤرخين والفلاسفة،
فهو يهمُّ الجميع، وهذا أمر حسن.
ويقول بيكيتي: على هذا، لا مهرب من حقيقة
أن بحث العلم الاجتماعي في توزيع الثروة كان لوقت طويل مؤسَّسًا على مجموعة محدودة
نسبيًا من الحقائق المثبتة بشكل متين، جنبًا إلى جنب مع تنويعة واسعة من التخمينات
النظرية المحضة.
____________________
للتواصل: zrommany3@gmail.com.