الأكاديمية اليمنية رانيا خالد لـ«المجتمع»: الثقافة الإسلامية الأصيلة لا تعادي المرأة
                    لم تلبِّ المنظمات الحقوقية والإنسانية
طموحات وحقوق المرأة وما تأمله في المجتمع اليمني، حيث تواجه المرأة اليمنية
العديد من التحديات، أولاها التدخل الأممي لحقوق الإنسان للمرأة ومدى قدرته على
احترامه للسياق المحلي والقيمي، كما أن هناك الكثير من الدعوات حول حقوق المرأة
التي تحوّلت إلى شعارات بسبب عدم وجود فرص وبرامج حقيقية على الأرض.
«المجتمع» حاورت د. رانيا خالد، أستاذة
علم الاجتماع المساعد بجامعة عدن، رئيسة منصة «المرأة المستقلة»، لمعرفة حقيقة هذه
التحديات وكيفية الوصول لحلها، بما لا يتصادم مع حقوق المرأة وقيمها الإسلامية.
- كثيراً ما نسمع عن حضور
للمنظمات الدولية وحقوق الإنسان في اليمن، هل أدت هذه المنظمات دورها، أم أنها
مجرد شو إعلامي فقط؟
 
- ساهمت بعض المنظمات في توثيق
الانتهاكات وتقديم المساعدات الإنسانية وحشد الدعم الدولي للقضايا الحقوقية
والإنسانية، لكن في المقابل واجهت كثيراً من الصعوبات في الوصول إلى بعض المناطق؛ ما
جعل الأثر الميداني ليس بالقدر المطلوب، وبالتالي وإن كانت موجودة فهي لم تصل إلى
مستوى الاستجابة الكاملة لاحتياجات الواقع اليمني.
- أكثر ما تستهدف هذه
المنظمات الحديث عن حقوق المرأة؛ من وجهة نظرك، هل حقوق المرأة مهضومة في اليمن
خاصة أنه بلد إسلامي وعربي عريق؟
 
- هناك فجوة واضحة في التمكين السياسي
وصنع القرار، ولكن من المهم أن ندرك أن الثقافة اليمنية والإسلامية الأصلية لا
تعادي المرأة، بل تعطيها التقدير والمكانة الرفيعة في الأسرة والمجتمع.
المشكلة لا تكمن في النصوص الدينية وإنما في سوء فهمها وتطبيقها
المشكلة لا تكمن في النصوص الدينية،
وإنما في سوء فهمها وتطبيقها، وفي الظروف العامة التي تعيق ممارسة الحقوق، ولذلك
فإن الدفاع عن حقوق المرأة ينطلق من تعزيز دورها الحقيقي ضمن قيم المجتمع لا
خارجه.
- الإسلام دخل اليمن منذ عصر
النبوة، والمرأة المسلمة تحظى بتقدير منذ اللحظة الأولى، كيف تقرئين كثرة التدخل
الأممي في اليمن وعن المرأة تحديداً؟
 
- المجتمع الدولي لديه اتفاقيات دولية
تخص المرأة، واليمن من الدول التي وقعت على هذه الاتفاقيات، ونحن كدولة مسلمة
عملنا على دراستها ومواءمتها مع شريعتنا الإسلامية، فالتدخل الأممي في الشأن
اليمني خصوصاً في قضايا المرأة يأتي في إطار الالتزامات الدولية لحماية حقوق
الإنسان.
المطلوب اليوم هو مواءمة الجهود الدولية
مع المبادرات المحلية بحيث تكون المرأة اليمنية شريكة في صياغة الحلول لا مجرد
متلقية لبرامج جاهزة.
- لا شك في أن الحرب باليمن
أثرت على الحياة بشكل عام والمرأة بشكل خاص، هل ترين أن الحكومة والجمعيات الأهلية
أدت ما عليها تجاه المرأة؟
 
- نعم أثرت الحروب والنزاعات المسلحة
بشكل مباشر على المرأة، وأدت إلى تراجع تنمية المرأة بشكل عام، والحكومة لم تهتم
بنهوض المرأة بحجة أننا في فترة حرب، وأن هذا الشأن ليس ضمن الأولويات.
والمنظمات في ظل هذا الوضع كان تدخلها
بما يخص المرأة في الجانب الإنساني فقط، ولا ننكر أن الحرب أضعفت بنية الدولة
وأرهقت المجتمع اليمني، وبالتالي فإن الأداء متفاوت بين المبادرات الفردية
والبرامج المؤسسية.
والمطلوب تكاتف حقيقي بين المؤسسات
الحكومية والمنظمات المحلية والدولية لبناء برامج مستدامة تضع المرأة في صميم
عملية التعافي.
- هناك إحصائية تفيد بأن
أكثر من 700 ألف يمني يعملون في زراعة «القات»، نصفهم من النساء، كيف تفسرين هذا
الانخراط النسوي؟ وأين حقوق الإنسان من المرأة اليمنية؟
 
- انخراط النساء في زراعة «القات» لا
يعني بالضرورة تقبلاً لهذه الظاهرة بقدر ما يعكس الواقع الاقتصادي الصعب الذي
تعيشه الأسرة اليمنية، فالنساء يشاركن في زراعة «القات»؛ لأنه أحد الموارد القليلة
المتاحة لتأمين الدخل خاصة فيما يتعلق بالمناطق الريفية.
انخراط النساء في زراعة «القات» لا يعني بالضرورة تقبلاً لهذه
الظاهرة
ومع غياب البدائل وقلة فرص العمل تصبح
مشاركة المرأة في هذه الزراعة نوعاً من دافع البقاء. 
ومن زاوية حقوق الإنسان، فإن حماية
المرأة هنا لا تكون باللوم، بل بخلق فرص وبدائل اقتصادية وزراعية مستدامة وتوفير
برامج تمكين حقيقية.
- المرأة في اليمن تترأس
مناصب وزارية منذ عام 2001م، فما رأيك فيما يتردد بأنها مسلوبة الإرادة والحرية
دائماً في البلاد؟ 
 
- الإرادة الحقيقية غير موجودة سواء على
مستوى السلطة أو الأحزاب والمكونات السياسية، ووجود نساء في مواقع وزارية وقيادية
خطوة إيجابية لكنها لا تعني أن جميع النساء يتمتعن بالمستوى نفسه من الحرية
والإرادة، فهناك فجوة بين التمثيل الرمزي والتمكين الواقعي.
بعض النساء استطعن كسر الحواجز وتحقيق
حضور سياسي وإداري، إلا أن الأغلبية ما زالت تواجه تحديات اجتماعية وثقافية تحد من
مشاركتهن.
- كثيراً ما يتردد مصطلحات «الحوكمة،
المجموعة النسوية، القانون الدولي للإنسان»، هل أدت هذه المسميات ما عليها من حقوق
تجاه المرأة اليمنية؟
 
- هذه المصطلحات بقدر أنها تمثل أطراً
فكرية وقانونية مهمة، فإنها تبقى أدوات نظرية ما لم تترجم إلى سياسات عملية في
اليمن. 
فالمجموعات النسوية قدمت أدواراً ملموسة
في رفع الوعي وتنظيم الحملات والدفاع القانوني، لكنها أيضاً تحتاج إلى مراجعة
داخلية لتقييم أثرها الفعلي على حياة النساء في القرى والمناطق المهمشة، ويجب أن
تحوّل إلى إجراءات واقعية تضمن العدالة والمساواة في الفرص.
- تطالب كثير من المنظمات
بضرورة مشاركة المرأة وخروجها للعمل، وفي الوقت نفسه ترفض عملها بالتوازي في خدمة
منزلها، كيف ترين هذا التناقض؟
 
- هذا التناقض ناتج عن خلل في النظرة
الشمولية لأدوار المرأة وحصرها في أنماط محددة.
فالعمل العام والعمل المنزلي ليسا
متعارضين بطبيعتهما، ولكن غياب السياسات الداعمة يجعل المرأة تعيش ضغطاً مضاعفاً.
الأفضل ليس التقليل من شأن العمل المنزلي بل الاعتراف به كقيمة
إنتاجية
ففي المجتمعات المتقدمة، توجد نظم عمل
مرنة ورعاية أطفال وحماية قانونية تتيح لها التوازن بين العمل والأسرة، بينما يفتقر
اليمن إلى مثل هذه السياسات، لذلك الأفضل ليس التقليل من شأن العمل المنزلي، بل
الاعتراف به كقيمة إنتاجية.
- يتم التعدي على النساء
حالياً من قبل الحوثيين، وطردهن من العمل بحجة أنهن سافرات أو يسافرن بدون محرم
وغيرها من الأسباب، هل هذا هو المحرك الحقيقي أم أن نوايا أخرى تكمن في اضطهاد
النساء؟
 
- تشير الوقائع الميدانية إلى أن الأمر
يتعدى مسألة اللباس أو المحرم بأن يكون جزءاً من سياسة تضييق أوسع على الفضاء
العام، كتقييد الحريات المدنية وتقليص حضور النساء في المجالات الاجتماعية
والإنسانية.
هذه الممارسات تبرر أحياناً بذرائع دينية
أو أخلاقية، لكنها في جوهرها ترتبط برغبة في إحكام السيطرة الاجتماعية والسياسية.
- أخيراً، ما الوسائل
الحقيقية لأجل حصول المرأة على حقوقها بدون مؤتمرات أو جمعيات نسوية؟
 
- الوسائل الحقيقية تبدأ من المجتمع نفسه،
فالمرأة اليمنية لن تنال حقوقها بالشعارات، بل من خلال برامج عملية متكاملة أهمها:
1- التمكين الاقتصادي عبر المشاريع
الصغيرة والتدريب المهني والتمويل الميسر لتعتمد على ذاتها.
2- تطوير التعليم باعتباره بوابة الوعي
والتغيير المستدام.
3- تفعيل القوانين لتسهيل وصول النساء
للعدالة دون خوف.
4- تعزيز الدور العام والتربوي في تصحيح الصورة النمطية عن المرأة.
اقرأ
أيضاً:
كيف نؤهل النساء الناجيات من الحروب؟