حوار لـ«المجتمع» مع فضيلة الشيخ عبدالفتاح أبو غدة المراقب العام للإخوان المسلمين في سورية

لا أقبل أن يقال: إن جماعة الإخوان المسلمين لم تحقق الهدف

نجحت حركة الإخوان في إعادة ربط الجماهير بالإسلام

هدف الإخوان ليس الحكم فقط وإنما أن يصبح الإسلام حاكمًا ومحكومًا في نفوس الناس

المقلد في حال تقليده للعالِم متبع للشرع وليس بضال أو مبتدع

الشبهة قائمة في عموم جهود المستشرقين المشتغلين بالعلوم الإسلامية

الإفتاء بالأسهل قضية خاصة بين المفتي والمستفتي

إذا تأثرت الفتوى بالبيئة فإن ذلك باب من الشذوذ وليس هو الأصل

مقصد الحركات الإسلامية واحد واختلافها يرجع إلى المدارك والعقول

الأصل في الحاكم أن يكون من المجتهدين في الشرع

 

فضيلة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، واحد من أبرز العلماء في الساحة الإسلامية له اهتمامات كثيرة أبرزها اشتغاله العميق في الحديث النبوي وعلومه، وقيادته لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا حيث يشغل منصب المراقب العام للجماعة في قطره، التقت به «المجتمع» وطرحت بين يديه مجموعة من الأسئلة التي يتداولها الشباب المسلم، والتي ما زال بعض قضاياها ينتظر الإجابة الشافية في هذا العصر الذي صاحبه التطور العلمي والتقني السريع، ولقد أجاب فضيلته على أسئلتنا مشكورًا وذلك كما يلي:

«المجتمع»: تثار عادة بين علماء الدين قضية التقليد والاتباع، ألا ترى أن إنسان هذا العصر لا يعبأ بهذه القضية، فرجل الشارع لم يعد يعرف إذا ما كان هو شافعيًا أو حنبليًا أو غيره، وأخذ يستقي معظم تدينه من المؤسسات التعليمية أو من أئمة المساجد، وعلماء العصر المختلفين الذين غالبًا ما يفتون دون الإشارة إلى المذهب، فما رأيك بذلك؟

- الشيخ أبو غدة: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد فأسأل الله السداد والرشاد والتوفيق للجواب الصواب.

أما التقليد والاتباع، فالتفرقة بينهما تحتاج إلى شيء من البيان فالاتباع هو العمل بما جاء به الله تعالى في كتابه الكريم، وعن رسوله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مما بلغه عن الله تعالى من شريعته الكاملة المكملة والتقليد من حيث هو يقصد به الاتباع أيضًا بكامل معناه؛ لأن المقلد -وهو غير المجتهد- حينما يسأل عالمًا عن حكم من أحكام الشرع، أو يقلد مجتهدًا من الأئمة المشهود لهم بالاجتهاد والعلم والدين، ما قصده من ذلك إلا الاتباع أيضًا، أي ما قصده إلا العمل بما جاء عن الله تعالى ورسوله الكريم في تلك المسألة التي يسأل عنها، فهو إذ يسأل العالم إنما يسأله لأنه أعرف بشرع الله تعالى منه، قال الله تعالى في كتابه الكريم: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (النحل: 43) فالقاضي في لجوئه إلى سؤال العالم متبع، وفي عمله بفتوى العالم متبع؛ لأن العالم يبلغه عن الشرع ما عرفه منه، فالمقلد في حال تقليده لهذا العالم- فيما أخبره به عن الشرع المطهر- متبع للشرع وليس بضال ولا مبتدع.

ولا يسوغ أن يمر بخلد عاقل أو ذهن سائل أن المستفتي من العالم يقلده لذاته وشخصه، بل إنما يقلده لعلمه بدين الله تعالى ومعرفته بشريعته سبحانه، وهو الاتباع في مضمونه وغايته، بل قرر العلماء ومنهم الإمام الشافعي أن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم يسمى تقليدًا كما في كتب الأصول، فالذي يقلد الإمام أبا حنيفة، أو الإمام مالك، أو الإمام الشافعي، أو الإمام أحمد رضي الله عنهم جميعًا، إنما يقلد منهجهم في تفسير الشريعة واستنباط الأحكام والفتاوى من النصوص ويقلدهم نتيجة لثقته بدينهم وعلمهم وصدقهم.

ولا يتأسى بذواتهم الشخصية، فهم على فضلهم ودينهم وورعهم ليست القدوة في ذواتهم وإنما القدوة بعلمهم المأخوذ عن كتاب الله وسنة رسوله، فتقليد هؤلاء الأئمة المعتبرين غايته الوصول إلى الأصح والتأسي والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم لشهرتهم بالعلم والدين.

فلما كانت معرفة العامي محدودة، أو غير صحيحة، أو غير دقيقة، أو غير قائمة على أصل صحيح، فيأمرنا الشرع نفسه بسؤال أهل العلم وبالعمل بعلمهم الذي هو تقليد في تقييمنا (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) فالسؤال لأهل الذكر هو الاتباع.

وقول السائل لمن يفتيه: أنا حنفي أو شافعي أو مالكي أو حنبلي، فهذه نسبة منه لذاك الإمام في الأخذ بقوله وعلمه في المسألة، وليس بملزم لمفتيه أن لا يفتيه إلا باجتهاد ذاك الإمام الذي ينسب نفسه إلى تقليده والأخذ بقوله، لأن العامي إذا قال عن نفسه: إنه حنفي مثلًا لم يصر حنفيًا، ولا يمتنع عليه أن يقلد الإمام الشافعي أو المالكي أو الحنبلي في المسألة؛ لأنه ما يزال عاميًا عليه سؤال أهل العلم، وقوله عن نفسه، إن مذهبه حنفي أو مذهبه شافعي مثلًا، لا يجعله حنفيًا ولا شافعيًا كما قرره العلماء في كتب الأصول؛ لأن المذهب إنما يكون لمن له نظر واستدلال وبصر بالأدلة، وأما من لم يتأهل لذلك، وقال: أنا حنفي المذهب أو شافعي المذهب أو مالكي المذهب أو حنبلي المذهب، فهذا لم يصر كذلك، بمجرد قوله، وشأنه في هذا شأن من قال عن نفسه: أنا فقيه، أو أنا مهندس، أو أنا طبيب، فإنه لا يصير كذلك بمجرد قوله عن نفسه ذلك، فلا يصح قوله: أنا طبيب إلا إذا زاول مهنة الطب وخبرها، وكذلك لا يصح قوله عن نفسه: أنا أديب أو نحوي مثلًا إلا إذا مارس علم النحو وعلم الأدب وتمكن منه، ولهذا قال الأصوليون: لا يصح للعامي مذهب ولو تمذهب به.

وتبين من هذا الذي ذكرته في معنى «التقليد» ومعنى «الاتباع» أن ما يشيره بعض الناس من الخصومات والنزاعات على معنى «التقليد» أنه مما لا ينبغي النزاع فيه، ولا شن المخاصمات من أجله بين المسلمين.

«المجتمع»: طالما أن الإنسان اليوم يأخذ العلم من المؤسسات التعليمية أو من المساجد أو مجالس الوعظ لذا يرى بعض الناس ليس من الضروري أن ينتهج هذا الرجل منهجًا مذهبيًا معينًا أي دون الانتماء إلى مدرسة فقهية محددة..

- الشيخ أبو غدة: هذا قد يكون واقعًا ولكنه لا يخرج عن استقاء هذه المعلومات الشرعية الفقهية من مذهب من المذاهب التي اعتبرت وعرفت ودونت ودرست وخدمت تمام الخدمة، في السعودية مثلًا المذهب الحنبلي هو المقرر ويعلم الطلبة والطالبات الفقه في المدارس على هذا المذهب المعروف للإمام أحمد رحمه الله تعالى، وفي بلاد أخرى مثلًا يتمذهب الناس في المغرب على مذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى، وفي بلاد الشام قد يتمذهب الناس على مذهب الإمام أبي حنيفة وفي الهند أو الباكستان إذ دونت الكتب للمدارس كذلك على هذا المذهب وفي إندونيسيا تدون كتب الفقه التعليمية في المدارس على مذهب الإمام الشافعي رحمه الله تعالى.

هذه المذاهب الفقهية هي التي خدمت الفقه وبينته ودرسته ونظمته التنظيم الذي يليق به حسب اجتهاد المجتهدين فلا بد من الاستقاء من هذه المذاهب لأنها أصل في مرجع هذه المسائل وإن كانت لا تذكر في أول الكتاب أو لا تذكر على عنوانه أو لا تذكر أثناء التعليم.

الاستقاء معتمد على هذه المذاهب التي هي معتبرة ومدروسة أما إذا أدخلت الفوضى في مثل هذا فيكون من ذلك خطر كبير؛ لأن كل واحد من هؤلاء الناس قد يبدي اجتهادًا في مسألة فلا يعرف اجتهاده هل هو صحيح أم لا وخاصة المتعلم الناشئ أو الطالب في المدرسة ليس عندهما معرفة بالأدلة واستنباط الأحكام من أصولها فلا بد من الأخذ برأي الشرع الذي ذهب إليه العلماء الموثوقون.

«المجتمع»: تقوم شركات الكمبيوتر هذه الأيام بتخزين المعلومات الواردة في كتب الجرح والتعديل في ذاكرة الكمبيوتر كما أنها تعرض الأسانيد الواردة في الأحاديث على هذه الذاكرة للحكم على رجال السند كما تزود هذه الكمبيوترات بمراجع تتضمن طرق وأساليب تصحيح السند فيخرج الحديث وقد حقق سنده في أقل من دقيقة. ما رأيك بهذه الخطوة هل ستكون هناك ثورة في علم الحديث أم ستكون بدعة؟

- الشيخ أبو غدة: إن الوسائل التعليمية التي تتقدم بها الأيام يومًا بعد يوم، هذا من فضل الله عز وجل على العباد وتيسير الوصول للمعلومات التي كان الناس يتعبون فيها كثيرًا، فما يسمى بالكمبيوتر أو الحاسوب الآلي هو وسيلة من الوسائل إذا أخذنا هذه الوسيلة فخزنّا فيها المعلومات ثم استقيناها منها عند الحاجة يكون استرداد هذه المعلومات بصورة أسرع من الذاكرة وأوعى وأجمع لأنها تدخر هذه المعلومات ماديًا، وتسجلها تسجيلًا حاضرًا، فإذا استدعيت المعلومات التي في الأسئلة، تعرضها لي في لحظات فيستفاد من هذا في أمر الحديث الشريف وفي غيره من العلوم.

وأما في مسألة تصحيح خدمة السند وتخريج الحديث وما إلى ذلك فهذا يدخل في جملة الإضافات أو الإفادات العامة التي يمكن أن تستفاد من الجهاز السريع للإجابة ولكن يبقى عماد الأمر في هذا التطعيم والتضمين لهذه الآلة بالقواعد الأولى التي رتبت لتخرج النتيجة -طبعا- إذا أتينا بقواعد ورتبناها في مضمون ضمن هذه الأسئلة وبعد ذلك استدعينا هذه القواعد ستأتي بأقل من دقيقة، هذا صحيح ولكن يبقى للعالم من حيث هو موقعه العلمي لأن العلم له دقائق لا تدخل دائمًا تحت الآلة تبقى في الذهن قائمة في النفس متحولة بحسب القرائن مختلفة باختلاف الأحوال، فهذه الآلة «الكمبيوتر» وسيلة ميسرة وليست هي الجهة العالمة التي تقرر الدقائق أو تزيل الشبهات أو تحل المشكلات أو المعضلات دائمًا.

قد تزود بما يعرض بعض المشكلات أو المعضلات، هذا صحيح ولكن هناك دقائق أو مشكلات أو معضلات علمية يتوقف العلماء فيها وهم أهل أذهان حادة وذكاء نادر رفيع لا يدخل حلها تحت قدرة هذه الآلة، فتبقى هذه الآلة ميسرة وإما أن يكون هناك ثورة في علم الحديث فهذه اللفظة: «ثورة» مستبشعة عندي، ولا أستحسن إيرادها هنا، واستعمالها في هذا المقام خطأ فاحش، وإنما نقول: إنه يحدث نشطة في خدمة السنة، فعلم الحديث ميسر ويزداد تيسيرًا بهذا الجهاز الحافظ السريع، ولكن ربما كان في هذا التيسير مدعاة إغراء لأن يستغله من لا خبرة له بهذا العلم، وحينئذ تقع الفوضى. ولكل علم أصحاب اختصاص فالطب له مختصوه وهم الأطباء، والهندسة لها المهندسون.. وهكذا.

فالحديث له أهله المحدثون الذين مارسوه وتمكنوا من معرفة أحواله، وإذا تصورنا أن هذا الجهاز سيمكن كل متسلق حل هذا العلم أن يحكم على الأحاديث بما يقدمه الجهاز، فهذا تصور ناقص وفيه خطر كبير، فهناك أمور يتوقف عليها مراجعة العالم وإعطاء حكمه الخاص، فالآلة إذا لقناها اثنين ضرب اثنين المجموع أربعة، فإنها تعطي دائمًا هذا المجموع، ولكن هناك أشياء تختلف بين حين وآخر بين المقدمات والنتائج ولهذا يبقى الإنسان العالم المختص هو عماد المسألة وهذه وسائل كسائر الوسائل التي تكون في تيسير العلم على مختلف أنواعه في الطب، في الهندسة، في الكيمياء، في الفيزياء، في الحديث، في اللغة، في التفسير وما إلى ذلك.

يعني وسيلة ميسرة لا أكثر من هذا فلا يمكن أن نقول: إنه سيحدث بهذا الجهاز الآلي نقض للقواعد التي قررها وأسسها علماء الحديث، أو سيحدث تغيير جذري للأحكام والأحاديث التي بينوا حكمها.

نعم، يمكن أن يحصل به تيسير لأن يستذكر هذا العلم لأنه يقوم على الحفظ الذهني فحيث تقوم الآلة بتخزين هذه المعلومات يتيسر العمل للإنسان ولكن إلى جانب هذه الآلة التي نسميها الحاسب الآلي والتي لها فوائد عظمى قد تحمل ذاكرة العامل وذاكرة أصحاب الذاكرة المتميزة فتلغي النبوغ الذهني من عمل أولئك النبغاء الذين أذهانهم ترفع العلم وتمده في وقته بالشكل الذي يلائم فهذه الوسائل كما نراه في الآلة الحاسبة الصغيرة تحمل ذهن الإنسان حسابيًا، فإذا أراد أحد أن يحسب ثلاثة أعداد في عددين مثلًا يخرج الآلة الحاسبة ويحسبها في حين أنه كان يمكن أن يحسبها بذهنه فهذه الآلة بجانب هذه الفائدة لها آفات من طرف آخر.

«المجتمع»: للمستشرقين جهود مميزة في علوم الحديث كيف تقيمون جهودهم؟

- الشيخ أبو غدة: تقييم جهود المستشرقين يخضع لمعرفة حالهم، المستشرقون عمومًا الشبهة قائمة في توجههم ومقاصدهم، ومن قرأ ما کتبه منهم د. محمد أسد النمساوي المهتدي، في كتابه «الإسلام على مفترق الطرق» تحت عنوان «شبح الحروب الصليبية» حكم عليهم بأن لهم مقاصد غير علمية في دراسة علوم الإسلام، وفي كتاب د. محمود حمدي زقزوق: «الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري» الذي نشرته مجلة الأمة في عام 1404هـ ما يكشف عن مقاصدهم في دراساتهم للعلوم الإسلامية ونشر بعض كتبها، وفي كتاب الدكتور أحمد عبد الحميد غراب: «رؤية إسلامية للاستشراق» وكتابه «المستشرقون والموضوعية» ما يزيد الأذهان تنويرًا وتنبهًا ومعرفة بمقاصدهم في تلك الدراسات، وما نحكم عليهم جميعًا بهذا الحكم، فقد يخرج منهم نادرًا من يكون سليم المقصد، الله أعلم بذلك، لكن جمهورهم يقومون بدراسة العلوم الإسلامية المقاصد في نفوسهم تكون مرتبطة بدراسة حال المسلمين أو دراسة علومهم أو دراسة ثقافتهم، ويدخلون ما يمكن إدخاله من الإفساد أو التشويش عليهم، فهناك مقاصد عدائية مكتومة لا يظهر في بداية الأمر وقد تتبين في بعض الأحيان أصحاب النبوغ والقدرة المتميزة منهم خدموا الكثير من الجوانب العلمية بهذه المقاصد الموجهة، فلو أخذنا مثلًا المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي نجد فيه جهدًا كبيرًا لعدد من المستشرقين تلاحقوا في خدمته وقدموا فيه خدمة جلى ولكن ما المقصد من ذلك، إذا نظرنا في تراجمهم وأحوالهم وجدنا أن عندهم حقدًا وغضبًا ونظرة سوداء على الإسلام والمسلمين عندئذ نستدل أن هذا المقصد ظاهره العلم وباطنه شيء آخر ليكتشفوا ما لا يتيسر لهم كشفه إلا بهذه الطريقة فحينئذ يمكن أن يحكم على جهودهم بأنها ذات وجهين في الظاهر تعطي فائدة ومن حيث الواقع وراءها مقاصد لمآربهم الشخصية أو العدائية لهذا يمكن أن نقول إن العمل في ذاته جيد وأما ما وراء العمل من المقاصد الخفية فتدل عليها مؤلفاتهم

الأخرى التي أبدوا فيها وجه العداء والتشويه للإسلام، وكتاب «العقيدة الإسلامية» للمستشرق فنسنك يكشف عن موقفه من الإسلام والشريعة الإسلامية فلا يمكن أن نعده مخلصًا للعلم في عمله «المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي» انظر كتاب «المستشرقون والموضوعية» فما وراء عملهم من حيث النية ليس سليما أو نزيها عن قصد الانحراف أو التحريف والله أعلم.

«المجتمع»: نسأل فضيلتكم الآن عن البيئة وأثرها في الشدة وفي المرونة. بعض الناس يعتقدون أن البيئة لها تأثيرها من حيث البساطة والتعقيد ويقولون مثلًا إن أهل السواحل يختلفون عن أهل الصحراء فهل هذا صحيح؟

- الشيخ أبو غدة: هذا له تأثير على حياة الإنسان من حيث معاشه وتنشئته وتربيته ولكن في العلوم الشرعية عند العلماء السابقين رحمهم الله ما كان يظهر لهذا المعنى أثر لأنهم من صلاحهم وتقواهم وورعهم ودينهم، ما كانوا يتأثرون بالحاكم ولا بالبيئة ولا بالمرغبات أو المرهبات ليسوا معصومين ولكنهم كانوا محفوظين فتأثر الإنسان من حيث البيئة معروف في طبيعة الناس كلهم، ولكن أن يتأثر الحكم الشرعي أو الفتوى الشرعية فإن حصل هذا فيكون من باب الشذوذ وليس من باب الأصل.

وقد يشهد له حديث البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من بد جفا» رواه أبو داود والترمذي والإمام أحمد. ومعناه: من سكن البادية غلظ طبعه وصار فيه جفاء الأعراب، وتحجر أذهانهم.

«المجتمع»: وبين أهل الريف وأهل المدن؟

- الشيخ أبو غدة: لا يصح أن نضيف تأثير هذه الطبائع على أحكام الشرع، إنما يختلف الحكم من باب اختلاف النظر لا من باب تحكيم الطبع إذ قد يكون النظر أوسع أو أضيق هذا ممكنًا. ولكن لا أقول إن أحدا يتحكم فيه طبعه بالنسبة لاجتهاده أو استخراج الأحكام من النصوص الشرعية.

«المجتمع»: ربما يقصد بذلك أن مسألة ما يكون فيها أكثر من رأي وأكثر من فتوى عند العلماء فبعض هذه الفتاوى تكون صعبة والأخرى سهلة فالمتربي في الريف قد يشعر بسهولة تطبيق الفتوى الصعبة فيتمسك بها والذي يعيش في مدينة كبيرة مثل القاهرة يختار الفتوى السهلة وهو يعلم أن هذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا قاله العلماء في مسألة ما.

- الشيخ أبو غدة: الأصل في الحكم إذا كان مستندًا إلى دليل شرعي صحيح كونه أسهل لا ينقص من قدره وكونه من اجتهاد عالم آخر أشد لا يزيد من قدره وإنما هو من باب استخراج الحكم من الدليل فالعالم الذي يعيش في الريف استخرج حكمًا أشد لا لأنه يعيش في الريف والعالم الذي يعيش في المدينة استخرج حكما أخف لا لأنه يعيش في المدينة إنما هو بمقتضى الدليل الذي بلغه وفهم منه ما فهم فاستخرج هذا الحكم فقد يكون المستخرج في نظر من يعيش في المدينة الكبيرة أو المكان الأسهل أشد صعوبة في التطبيق من الذي استخرج في الريف مثلا لذلك الموضوع لا بتأثير البيئة ولكن الاجتهاد يأتي فيه اليسر والعزيمة وإن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه ونيسرك لليسرى وهذه الشريعة السمحة من عند الله عز وجل فالسهولة والسماحة في الشريعة محبذة للشارع. لا يحب الشارع أن تكون هناك أغلال وشدائد ونأخذ الأحكام التي هي أشد ونرتكب المخالفة فيها. لا، يحب منا الشارع أن نمتثل أمره فإذا جاء في يسر فرحنا وشكرنا الله عز وجل وإذا جاء في شدة أو عزيمة أيضًا اجتهدنا وبذلنا الوسع واستعنا بالله والإنسان يطالب بقدرة نفسه فما قدر عليه مطلوب منه أداؤه وما عجز عنه يعذر بحسب نظر الشرع إليه، أما أن يكون العسر واليسر حسب الريف والمدينة فهذا المنطق ليس بصحيح.

«المجتمع»: هل صحيح أن إفتاء العلماء في هذا العصر أقل مستوى من إفتاء العصور السابقة؟

- الشيخ أبو غدة: العلم من حيث هو له مراحل يزداد فيها وأخرى يهبط فيها أو ينقص، فالتفرغ للعلم في السابق أكثر والتمكن منه أتم، والتلقي كان على غير حالنا التي نحن عليها فكان الناس في تحصيل العلم يلتزمون العالم سنين طوالا وإذا كان من الأئمة فإن تلاميذه يصاحبونه عشر سنين وعشرين سنة وكثرة العلماء تزيد المعرفة فكان العلم من هذه الناحية أمكن من الذي نحن عليه وخاصة بعد أن انتقل العلم إلى الأخذ من الورق والتلقي من الإملاءات والمذكرات فصار العلم قرطاسياً وكان العلم فيما سبق دراسيًا وفرق بين العلم القرطاسي والعلم الدراسي العلم الدراسي فيه التفهم وفيه التبحر وفيه المناقشة وفيه المذاكرة وفيه الاستيعاب وقد قال الخليفة المأمون العباسي رحمه الله: العلم على المناقشة أثبت منه على المتابعة فالآن يأخذ الطالب أو الدارس علمه من القرطاس فيتابع ما في القرطاس وإذا أراد المناقشة فلا يستطع أن يناقش أولًا هو كالمسبوق يريد أن يحصل على العلامات لينجح ويصل إلى المرتبة الوظيفية فما يريد توسعًا في العلم ولا عنده استعداد للتوسع وأما في القديم فكان الطالب يناقش أستاذه ويحاوره ويستوضح منه وترد الشبه ويرد عنها الشيخ فتتشعب الآراء وتتفتق الأذهان وتتعدد الأقوال فيكون في هذا إثراء للعلم واليوم أصبح العلم فيه ضمور ويبس لأنه لا تتحرك فيه الأذهان الذكية بالمناقشة والفهم والمذاكرة، بسبب هذه الدراسة القرطاسية، فالذي يمارس الطب عن القرطاس يختلف كثيرًا عمن يمارسه عن أستاذ نطاسي فهذا يكون أعلم من الذي تلقى الطب من الورق وكذلك الذي يأخذ العلم الشرعي عن شيخ يراجعه ويسأله ويستوضح منه ويعرض الأمور أمامه ويجيب الشيخ عنها ويستوضح منه ويضبط عنه ويتلقى ويقرأ أمامه. فرق كبير بين هذا وذاك وهذا مما دعا إلى الهبوط الثقافي عامة، فالثقافة أصبحت تتلقى من القرطاس وكانت الثقافة قديمًا تتلقى من الأفواه والشيوخ ولذلك كان العلماء مصيبين في تقديرهم كل الإصابة عندما يرحل الواحد منهم يومًا وأيامًا وشهرًا وشهورًا للقاء العالم حتى يسمع منه بالأذن ويتمكن منه بالفهم ويشهد منه هذا العلم مسموعًا منقولًا ويرجع وقد رأى فيه القدوة والعلم معًا وهذا المعنى قد اضمحل تقريبًا ولذلك ضمرت الثقافة وتقلص ظلها من الناس وأصبحت قرطاسية ولهذا قال العلماء لا تأخذ القرآن عن مصحف ولا العلم عن صحفي فصارت القضية قضية ورق ووظيفة أكثر منها قضية علم ولهذا نشهد كثيرًا من الأئمة يؤموننا في الصلاة ولا يتقنون قراءة الآية على وجهها الصحيح بل يغلطون فيها ويظنون أنهم مصيبون لأنهم ما تلقوا إلا من المصحف وتشهد كثيرًا من أصحاب الشهادات العليا يقرءون كلمات وكلها خطأ لأن الكلمة تحتمل في قراءتها وجوها ولا يدرون الوجه الصحيح من الخطأ فيقرؤنه خطأ ويعلمونها خطأ وتنقل عنهم خطأ وكما قال قائل:

إذا اعتلت الأفعال جاءت عليلة كحالاتها أسماؤها والمصادر ومن أجل هذا تكثر الأخطاء العلمية واللفظية في مؤلفات الناس اليوم، لأنها مؤسسة على أساس ورقي قرطاسي، ويقع فيها أثر ضعف الفهم، ومن أخذ علمه من الصحف كثر فيه التصحيف والخطأ، فيكون شأنه قريبًا من شأن البليد الذي قال فيه القائل:

أقول له عمرًا فيسمع خالدًا ويكتبه زيدًا ويقرأه بكرًا؛ ولهذا تزداد التحاريف والانحرافات في الفهم ويزداد الخطأ بسبب المعلم الذي تعلم من الورق.

وإذا المعلم ساء لحظ بصيرة         جاءت على يده البصائر حولًا

«المجتمع»: يلاحظ أن العلماء المستقلين يفتون بالأحوط أما الوزارات والمؤسسات أو دور الإفتاء فإفتاءاتها سهلة، هل تلاحظون مثلًا ذلك؟

- الشيخ أبو غدة: ما أظن أن تكون هنالك مفارقة بهذا الشكل وإنما يمكن أن يكون نظر المجيب بالأحوط لما يشهده في السائل وهذه المساءلة بين السائل والمجيب أو المستفتي والمفتي قد تستدعي من المفتي أن يفتيه بالأحوط؛ لأنه لاحظ أن الأحوط أنفع له فيكون إفتاؤه له لعينه وأما الجهة التي تفتي بوجه عام فهي تفتي للناس كلهم فلذلك صوروها بالتيسير بعد أن يكون الشرع قد أثبت التيسير فيها فهذا شيء منطقي صحيح وليس هناك مفارقة بين أن الجهة الرسمية تفتيها بالأخف والجهة غير الرسمية تفتي بالأشد، قد يكون العكس أيضًا فيما يكون قد يفتي العالم الفرد الذي ليس رسميًا بشيء أخف من الفتوى التي تكون عامة لأن الفتوى العامة ينظر فيها لجمهور الناس لو فرضنا مثلًا أن إنسانًا جاء إلى عالم وسأله أنه يريد الأخذ بأسباب منع الحمل فينظر العالم في شأنه ويدرس الملابسات فيفتيه بالجواز نظرًا لحاله الخاصة، ولكن العالم لا يقوم في تصريح الصحفي أو مجمع شعبي شامل يقول: أيها الناس يجوز لكم أن تمنعوا الحمل عن أنفسكم لأن هذا يكون مدعاة للشر فلذلك يختلف الحكم بين حال السائل والمفتي إذا كان فردًا، ولكن في الأجوبة العامة وفي النظر العام تلاحظ الملابسات دينيًا أولًا من حيث الشرع وما أرشد إليه وثانيًا الملابسات التي تعقب هذا الأمر فلا يفتي بمنع الحمل للناس عامة ولا يفتي بإباحته أو بتحريمه للناس عامة فقد يكون هناك ملابسات لكن المركز المسؤول علميًا ينظر في الملابسات عامة ويصور حكمًا عامًا فإذا جاءه شخص يفتيه بفتوى تخصه، فعبد الله بن عباس رضي الله عنه جاءه شاب وهو في حالة خاصة يريد الاستفتاء بشأنها واستفتاه على مشهد من الناس وأمره بالانتظار ثم استفتاه مرة ثانية فأمره بالانتظار ثم استفتاه ثالثة فأمره بالانتظار وبعد أن انفض المجلس دعاه وبين له حكمها بعد أن استوضح منه عن حاله فيجوز له ما لا يجوز على الملأ والشهود فيختلف الحال من حال إلى حال أخرى ويختلف الحكم.

«المجتمع»: اشتغال علماء الدين بالسياسة. هناك من يقول إن علماء الدين يجب أن يبقوا مرشدين عامين للأمة وأن لا يدخلوا معترك العمل السياسي لئلا ينشغل عالم الدين عن مهمته الأساسية، هل يمكن أن يوجد نموذج يقحم كل علماء الأمة في السياسة؟

- الشيخ أبو غدة: الأصل في هذه المسألة أن سياسة الأمة تتعلق بمسؤولها الأول، رئيسًا، ملكًا، خليفة، سلطانا أميرًا كيف ما سميناه أو سماه أصحابه، فهي تتعلق به فإذا كان يرعى أمور الناس وسياسة المسلمين فلا حاجة للعلماء أن يشتغلوا بالسياسة وهم بلا شك يرسمون الحلال والحرام بهدي الشارع فعليهم أن يبينوا، وعليه أن يستنير بهم فيما يحل ويحرم والأصل في الحاكم في نظر الإسلام أن يكون من المجتهدين في الشرع فعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه بعد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم كان مجتهدًا من المجتهدين، فحينما يحتاج الأمر إلى معرفة حكم الشارع وليس عنده اجتهاد فيه أولم تتضح له الرؤية يستنير أهل العلم ويشاورهم ويذاكرهما بما عنده حتى تظهر القضية وتنكشف الحقيقة بأجلى ما يمكن أما إذا تخلى الحاكم عن سياسة المسلمين بهذه الروح الإسلامية وكان فوضويا أو لم يكن قائمًا بشريعة الله عز وجل فعلى العلماء أن يبينوا وينصحوا بالحكمة والموعظة الحسنة دون إثارة أو فتنة.

فكل حالة من أحوال الناس في نظر الشرع له لغة خطاب فالصغير له لغة يخاطب بها غير لغة خطاب الكبير والمرأة لغة الخطاب لها غير لغة خطاب الرجل المتعلم غير العالم والحاكم الخطاب له ليس كالناس وهذا ما أرشدنا إليه الشارع الكريم فالله عز وجل قال في فرعون لما أمر سيدنا موسى وسيدنا هارون أن يذهبا إليه (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ) فمن هذه الزاوية هناك لغة يخاطب بها الحكام دون تزلف أو تملق ولكن فيها الأدب والإبلاغ فإذا لم يجيبوا حينئذ تكون المسؤولية عليهم فالعالم يراقب المسؤولين عن سياسة الأمة دينا هذا موقعه من السياسة هو موجه ليقود السفينة حينما ينصرف عنها ربانها المسؤول فلو كنا نمشي في سفينة وغفل أو مرض أو ضعف أو كف بصره، فنقول له قف؟ وينبغي أن يأخذ السفينة منه بصير عليم خبير يقودها حتى تحافظ على وجودها وسلامتها فما شأن العلماء إذا لم يأخذوا على يد الظالمين..

ومن يثني الأصاغر عن مراد        إذا جلس الأكابر في الزوايا

إذا استوت الأسافل والأعالي        فقد طابت منادمة المنايا

هذه أبيات تحضرني في هذا الموضوع.

الأصل في العالم أنه معلم ومتعلم، ولكن إذا انحرف أهل الحق عن الحق أو المسؤولون عن الحق فهناك موضع التنبيه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا كان هذا يسمى سياسة فنعم السياسة هذه السياسة التي فيها صلاح الراعي والرعية.

«المجتمع»: من المظاهر المؤلمة في الحركة الإسلامية الخلاف المستمر والاختلافات الدائمة إما على أفكار ومبادئ أو على زعامات، فما السبب في كل هذا رغم أن الهدف واحد؟

- الشيخ أبو غدة: يدخل في هذا الجواب أن الدين واحد والأصل الذي يهدفون إليه واحد ولكن تختلف العقول والمدارك وتختلف المواهب والمحصلات العلمية وتختلف أيضًا النفوس- كمالًا ونقصًا وصحة وضعفًا، فلذلك عندما يكون العلماء في مستوى أعلى يكون الخلاف أقل وإذا كان المستوى أدنى يكون الخلاف أعمق فالعلماء من حيث هم الأصل فيهم عدم الاختلاف.

يختلف العلماء في المذاهب الفقهية مع أن مقصدهم واحد، ولكن مداركهم تختلف والحركات الإسلامية مقصدها واحد، والدين واحد، ولكن تختلف بحسب المدارك وبحسب العقول وبسبب نقص في التغذية أو التهيئة أو الاستعداد فهناك من يرى نفسه أنه الواحد الصحيح على كل الناس وغيره لا يبلغ الواحد الصحيح فحينئذ الناس كلهم كسر ولا جبر فيهم، وهناك من يرى نفسه هو الهادي المهدي وغيره خلاف ذلك فهذا من ضعف نظرته للواقع حيث يرى نفسه كاملًا وهو متلبس بالنقص.

فحينما ينظر إلى نفسه أنه متميز عن إخوانه المسلمين أو من يكون في حيزهم كل التميز فهذا موصوف بالضعف الإنساني. فالاختلاف يأتي من أمور يمكن إجمالها في اختلاف المدارك واختلاف العقول من حيث قدرتها وسعتها واستنارتها وطبيعتها واختلاف البيئة أحيانًا. واختلاف الخبرة أحيانًا أخرى، ينظرون إلى أنفسهم أنهم أصحاب الحق الكامل فهذا أيضًا مما يؤدي إلى هذا الخلاف وقسوته.

«المجتمع»: بعد مرور نصف قرن على إنشاء جماعة الإخوان المسلمين لم يتحقق الهدف المركزي لهذه الجماعة وهو إنشاء دولة إسلامية، بينما كثير من الجماعات والأحزاب ذات الأيديولوجيات الأخرى حققت هدفها، فإلى أي شيء يرجع هذا التأخر أو الإخفاق في تحقيق الهدف؟

- الشيخ أبو غدة: هذه الخمسون أو النصف قرن في نظري زمن قصير في مواجهة العداء المتراكم من مئات السنين الموجه من كل جهات أعداء الإسلام على الإسلام والمسلمين فقد نجحت هذه الحركة بتنبيه الأذهان وتصفيتها من الشوائب وتنبيه أهل الإسلام حتى يجتمعوا ويتجهوا لمقابلة أعدائهم بحنكة ودراية، فما يمكن أن يقال ولا أقبل أن يقال: إن جماعة الإخوان المسلمين لم تحقق الهدف.

أقول هنا: لا من باب العصبية ولكن من باب الواقع؛ لأن الهدف ليس الحكم فقط، بل أن يقوم الإسلام في نفوس الناس ويصبح مطلبًا أساسيًا، أن يكون الإسلام حاكمًا ومحكمًا في سلوكهم، فهذا الاستيقاظ الذي كان بفضل من الله تعالى ثم بفضل هذه الجماعة وبفضل الشيوخ والعلماء الراشدين والمرشدين المعروفين في كل بلد أعطى خيرًا كثيرًا لدفع النهضة أو الصحوة التي نسميها اليوم الصحوة الإسلامية، فالإخوان ليس هدفهم الحكم، ولكن يهيئون أذهان الناس لأن يحكموا ويحكموا الإسلام فيهم، فهذا المعنى أصبح قائمًا في نفوس الناس وعلى ألسنتهم وفي قلوبهم والحمد لله لذلك لم يكن اقتصار هذه الدعوة على الأرض التي نبت فيها هذا النبت الطيب ولكن امتدت وخرجت عن البلاد العربية إلى البلاد الإسلامية بل أثمرت هذه الدعوة في البلاد الأجنبية وقامت هناك مؤسسات إسلامية ذات توجه إسلامي صحيح وذات حضانة لكل مسلم في تلك الديار الغربية أو الشرقية على اختلاف حالها وألوانها رغم عدائها للإسلام فصار للإسلام منارات في الشرق والغرب وصار له شيء من التنظيم الفكري والتنظيم الإنساني جملة وليس معنى هذا أن الوقت كان طويلًا أنا أقدر أن في هذا الوقت الذي وصلت به الجماعة ومعها أهل الخير ولا أقصد الجماعة النظامية فقط ولكن هناك أناسًا آخرين فيهم الخير وفيهم الصلاح والتقوى والإيمان يعززون الإسلام بأسلوب آخر كل هؤلاء في خدمة الإسلام، فهذا الإيقاظ الذي جاء في كل هذه المراحل ليس الوقت عليه طويلًا، بل هو بعض الوقت فهدف جماعة الإخوان المسلمين أن يحكم الإسلام في نفوس الناس وأرضهم، ولكن هناك أمورًا وعقبات تقام في طريقهم وعراقيل تنصب لهم في كل سبيل من داخل الأرض ومن خارجها فهم وفقوا توفيقًا كثيرًا وجزى الله مؤسس هذه الدعوة ورائدها الأستاذ الإمام الشيخ حسن البنا رحمه الله تعالى فقد آتاه الله سبحانه وتعالى توفيقًا وتيسيرًا فجمع قلوب الشباب على هذه الدعوة حتى صاروا ينادون بها بعد أن كانت هناك نداءات مختلفة ووجهات متعارضة وقلوب مشتتة شاردة عن الإسلام فاجتمعت هذه القلوب على الإسلام باعتزاز وفرح واستبسال وتضحية واستشهاد في سبيل الله فما كانت هذه الصحوة لولا تقدير الله عز وجل وتيسيره سبحانه لغرس هذه الفكرة الإسلامية في نفوس الشباب والتي تولى الإخوان المسلمون تنظيمها مع غيرهم من أهل التقوى والصلاح تأييدًا ومشاركة في سبيل هذا النهج العام وما هذه الجموع الإسلامية المتلاقية على الرغبة في أن يقوم الحكم الإسلامي إلا بفضل الله عز وجل وبفضل الجهود التي جمعت ونظمت الأذهان إلى تحقيق هذا الهدف إن شاء الله مع أن الأعداء يرهبون أن يستيقظ الإسلام الحي في نفوس الناس(1).






_______________

(1) نُشر بالعدد (951)، 26 جمادى الآخرة 1410هـ/ 23 يناير 1990م، ص 30.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة