هل تقترب غزة من عتبة المرحلة الثانية من اتفاق التهدئة؟
تتحرك الكواليس
السياسية بسرعة لافتة خلف الهدنة الهشّة، في إطار ما بات يُعرف بترتيبات «اليوم التالي»، حيث برزت في الساعات الأخيرة تطورات تحمل دلالات عميقة على اتجاهات
المرحلة المقبلة.
لقاء نتنياهو وبلير
أفادت قناة «كان»
العبرية بوجود اجتماع سري جمع بنيامين نتنياهو، وتوني بلير، طُرحت خلاله فكرة
إدخال السلطة الفلسطينية لإدارة مناطق محدودة في غزة بشكل تجريبي، ضمن ترتيبات
مدعومة عربيًا ودوليًا، ومن دون اعتراض صهيوني صريح.
الخطوة تتقاطع
مع الدور الذي طُرح لبلير سابقًا في إطار «مجلس السلام» المرتبط بخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب.
جنوب أفريقيا تلغي الإعفاء من التأشيرة للفلسطينيين
بحسب موقع «IOL.co.za» الجنوب أفريقي، فإن القرار جاء عقب وصول 153 فلسطينيًا إلى
جوهانسبرغ بطائرة مستأجرة، وما أثاره ذلك من شبهات حول ترتيبات هجرة طوعية مرتبطة
بجهات صهيونية.
ويعكس التحرك
شعورًا متزايدًا بالقلق الدولي من إمكانية استخدام مسارات السفر لتمرير مشاريع
إجلاء غير معلنة.
موقف تركي واضح: لا نزع سلاح قبل وجود إدارة فلسطينية وقوة شرطة
وزير الخارجية
التركي هاكان فيدان اعتبر أن تأجيل الانتقال إلى المرحلة الثانية يمثل فشلًا
ذريعاً لواشنطن، مؤكدًا استعداد «حماس» لتسليم الإدارة وفق شروط محددة؛ تشكيل
حكومة خبراء، ونشر شرطة فلسطينية، مع وجود قوة استقرار متعددة الجنسيات.
تحولات في الحسابات الصهيونية والضغوط الأمريكية
تُظهر المستجدات
الأخيرة أن دولة الاحتلال تواجه فجوة متزايدة بين أهدافها الميدانية وحدود قدرتها
السياسية، فاستمرار الهدنة الهشّة يضع نتنياهو تحت ضغط أمريكي متصاعد لاختبار «المرحلة
الثانية»، خصوصًا مع اقتراب استحقاقات انتخابية في واشنطن وتراجع صبر البيت الأبيض
تجاه المماطلة الصهيونية.
دولة الاحتلال
تحاول شراء الوقت، لكنها لم تعد تمسك وحدها بخيوط اللعبة؛ ما يدفعها إلى قبول
نقاشات كانت مرفوضة سابقًا مثل فكرة «الإدارة الفلسطينية الجزئية» أو وجود ترتيبات
أمنية مختلطة.
دخول فاعلين جدد على خط إدارة القطاع
تتجه ملامح
المرحلة المقبلة نحو تعددية في الأطراف المنخرطة في ملف غزة:
- تركيا وقطر في
الملف السياسي والحوكمة.
- مصر في الأمن
والمعابر.
- الأردن في ملف
الشرطة والتدريب.
- الإمارات في
إعادة الإعمار.
وهذا التعدد
يعكس إدراكًا دوليًا أن غزة بعد الحرب ليست ملفًا يمكن لدولة الاحتلال أو طرف واحد
أن يتحكم فيه، بل ساحة تتطلب هندسة إقليمية واسعة لتجنب الانفجار من جديد.
قلق دولي من تغيير التركيبة السكانية للقطاع
قرار جنوب أفريقيا
أثار نقاشًا دوليًا حول محاولات «الهجرة المنظمة» التي تظهر تحت مسمى «ممرات
إنسانية»، التي يُخشى أن تتحول إلى أداة لتغيير التركيبة السكانية للقطاع.
وحذرت منظمات
حقوقية من أن أي نزوح أكبر من حجم الضرورة الإنسانية يمكن أن يُعتبر «ترانسفير
ناعمًا»، ما يضع ترتيبات ما بعد الهدنة تحت مجهر قانوني وسياسي قد يؤثر على
شرعيتها.
تراجع سيناريو اليوم التالي بلا «حماس»
تثبيت الرواية
التركية حول استعداد «حماس» لتسليم الإدارة بشروط يضعف الخطاب الصهيوني الذي يصر
على غزة بلا «حماس» سياسيًا وأمنيًا.
الدخول التركي
يعيد رسم ميزان القوى، ويؤشر إلى أن الحركة ستظل جزءًا من المشهد بطريقة أو بأخرى،
سواء عبر حكومة خبراء، أو قوة شرطة فلسطينية، أو دور غير مباشر في الإدارة
المدنية.
اختبار جدية المجتمع الدولي
المرحلة الثانية
ليست مجرد اتفاق أمني، بل اختبار لمدى قدرة المجتمع الدولي على فرض ترتيبات قابلة
للحياة في منطقة شديدة التعقيد، فحتى الآن، لا يزال هناك غموض حول:
- من سيضمن
تنفيذ التفاهمات؟
- ما طبيعة قوة
الاستقرار الدولية؟
- من يمول إعادة
الإعمار؟
- ما الحدود
الفعلية للدور الصهيوني؟
هذه الأسئلة
تجعل الانتقال إلى المرحلة الثانية معلقًا بين الإرادة السياسية والخلافات داخل
المعسكر الداعم للاتفاق.
غزة بين مرحلة انتقالية طويلة أو انفجار جديد
بينما تسير
الترتيبات في اتجاه هندسة جديدة للقطاع، إلا أن استمرار غياب رؤية فلسطينية موحدة
يهدد بخلق فراغ سياسي قد يُستخدم لتبرير جولات صراع إضافية.
المرحلة الثانية
قد تتحول إلى مرحلة انتقالية ممتدة ما لم يتم حسم شكل الحكومة، ودور الأجهزة
الأمنية، ومستقبل سلاح الفصائل، وطبيعة الإشراف الدولي.
المشهد لا يزال
في حالة سيولة كثيفة، ورغم وجود إشارات تمهّد لمرحلة ثانية من التهدئة، فإنها ليست
جاهزة للولادة بعد.
وتحاول القوى
الإقليمية رسم مستقبل غزة، بينما تسعى دولة الاحتلال لتأخير أي ترتيبات تُنهي
نفوذها الأمني، والولايات المتحدة تحاول تسريع هندسة سياسية لتجنب انفجار جديد قبل
موسمها الانتخابي.
ويبقى السؤال
الأكبر: هل تتحول المرحلة الثانية إلى نقطة تحوّل حقيقية في مستقبل غزة، أم إلى
محطة مؤقتة تُدار فوق التناقضات؟ وهل ستتشكّل المرحلة الثانية بمشاركة
الفلسطينيين، أم ستُفرض عليهم من خارج حدودهم؟