لماذا لم تنكسر حماس؟

كيف صاغت حماس معادلة الثبات في زمن الانكسارات؟


 

الحمد لله رب العالمين، القائل في محكم كتابه:

(كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ)،

والصلاة والسلام على سيد المجاهدين القائل:

"من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله"،

أما بعد:

فمنذ أن أعلنت كتائب عز الدين القسام -الجناح العسكري لحركة حماس- عمليتها النوعية المباركة "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر 2023م، دخلت المقاومة الفلسطينية مرحلة استراتيجية جديدة في صراعها مع الكيان الصهيوني، مرحلة امتزج فيها الدم بالعقيدة، والخطة بالإيمان، والجهاد بالرؤية بعيدة المدى.

ورغم شدة العدوان، وضخامة التحديات، وتكالب الأعداء، ما تزال حماس صامدة، شامخة، تقاتل بثقة ورباطة جأش، مما يطرح سؤالًا محوريًا:

ما سر هذا الثبات؟ وما العوامل العميقة التي أسهمت في استمرار صمود حماس حتى اليوم؟

أولًا: العقيدة الإسلامية المحرّكة:

إن أساس الصمود ليس ماديًا خالصًا، بل روحي عقدي أصيل.

حماس ليست تنظيمًا سياسيًا فحسب، بل حركة جهادية إيمانية تحمل مشروعًا عقائديًا يربط الأرض بالسماء، والدم بالشهادة، والمعركة باليوم الآخر.

فمنذ انطلاقتها، رسّخت في أتباعها أن الجهاد فريضة لا تسقط بالتعب، وأن الموت في سبيل الله هو الحياة.

هذا الإيمان العميق جعل عناصر حماس، من قادة الصف الأول إلى جنود الأنفاق، يتسابقون إلى الشهادة، دون تردد أو جزع، معتبرين أن المعركة مع العدو الصهيوني قدر إلهي وشرف رباني، لا مجال فيه للحسابات الدنيوية الضيقة.

ثانيًا: القيادة المؤمنة المنظمة:

من أبرز أسباب صمود حماس استمرارها في إنتاج قيادة مؤمنة حكيمة، تتقدم الصفوف لا تختبئ خلفها، تتميز بثلاثية نادرة:

الثبات العقدي، والذكاء السياسي، والخبرة الميدانية.

فرغم الاستهداف المنهجي لقادتها، كما حصل مع الشيخ أحمد ياسين، والرنتيسي، وأبو عبيدة الجعبري، ومحمد السنوار وغيرهم، لم تختل بنية القيادة، بل تعاظمت قوتها.

والقيادة الحالية -الظاهر منها والمخفي- تدير المعركة بتوازن دقيق بين التصعيد الميداني، والصبر السياسي، والحكمة في الخطاب، والمرونة في التكتيك، والثبات في الاستراتيجية.

ثالثًا: العمق الشعبي والمجتمعي:

لم تكن حماس يومًا جسدًا غريبًا في المجتمع الفلسطيني، بل هي نسيج أصيل من شعبها، عاشت بين الناس، ربت أبناءهم، وشاركتهم اللقمة والحصار والمحنة.

لذا، فإن الحاضنة الشعبية في غزة والضفة والخارج لا تزال، رغم الألم، تمنح حماس شرعية الصمود، وتقدم أبناءها فداءً للمقاومة.

فمهما اشتد القصف وتكررت المجازر، تعود الجماهير لتبايع المقاومة، لأن الشعوب لا تختار الذل إن رأت أمامها رجالًا يثبتون على طريق العزة.

رابعًا: البنية العسكرية المتطورة:

حماس طورت بنيتها العسكرية خلال سنوات الحصار، لتتحول من حركة مقاومة بسيطة إلى جيش عقائدي محترف يمتلك أنفاقًا تحت الأرض، وصواريخ بعيدة المدى، وطائرات مسيّرة، وقوة بحرية، وقدرات استخباراتية متقدمة.

وما "طوفان الأقصى" إلا نموذج متقدم لمعركة مخططة باحتراف عسكري عالٍ، حيث جمعت بين المباغتة، والاقتحام البري، والاشتباك القريب، والسيطرة المؤقتة، واحتجاز الجنود.

هذه الإمكانيات العسكرية، المبنية على عقيدة قتالية، شكلت رادعًا حقيقيًا للعدو، وأربكت جيشه، وأظهرت فشل نظرية الردع الصهيونية.

خامسًا: دعم الأمة رغم التخاذل الرسمي:

رغم أن الموقف الرسمي العربي في غالبه كان باردًا، متواطئًا أو صامتًا، فإن الأمة الإسلامية بأطيافها أظهرت في طوفان الأقصى أعلى مستويات الدعم الشعبي والمعنوي لحماس، من جاكرتا إلى الرباط، ومن كوالالمبور إلى صنعاء، ومن الرياض إلى إسطنبول.

وهذا الدعم، حتى وإن لم يتحول إلى دعم ميداني مباشر، إلا أنه أرسل رسالة لحماس أن الأمة معها، وأنها ليست وحدها في ميدان العزة.

سادسًا: الصبر الاستراتيجي وإدارة الزمن:

حماس تدرك أن النصر لا يكون دفعة واحدة، بل هو مسيرة طويلة تحتاج إلى النفس الطويل، والوعي بالتحولات، والتدرج في الإنجاز.

ومن هنا، فإنها تدير الصراع مع الاحتلال كدولة مقاومة عاقلة، تسير على خطى مدروسة، لا تحرق أوراقها سريعًا، ولا تفرط في منجزاتها.

خاتمة: سر الثبات

إن صمود حماس، منذ طوفان الأقصى إلى اليوم، ليس مجرد صدفة أو عناد، بل هو نتاج مركب إيماني، وتربوي، واستراتيجي، ومجتمعي، وعسكري متكامل، لا يمكن فهمه إلا بمنظور يجمع بين فقه الواقع، وفقه النصر.

وقد صدق الإمام حسن البنا رحمه الله حين قال:

"إن سرّ قوتنا في عقيدتنا، ومتى فارقناها انهزمنا وإن كثُر عددنا".

نسأل الله أن يُثبّت المجاهدين، وأن ينصر الحق، وأن يجعل خاتمة هذه المعركة فتحًا مبينًا ورفعة للأمة الإسلامية جمعاء.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة