جهود النبي ﷺ في دعوة القبائل للإسلام

نهض النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى الله تعالى بعد ما أمره الله بالتبليغ، فدعا من وجده، فمنهم من آمن به ومنهم من أعرض عنه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو القبائل لكثرة أفرادها وتأثير قادتها وعظم شأنها وكثرة انتقال بعض أعضائها واتصالها بغيرها من القبائل، وقد تنوعت استجابات القبائل للنبي صلى الله عليه وسلم على النحو التالي:

أولاً: قبائل أعرضت عن الدعوة:

خاض النبي صلى الله عليه وسلم جهوداً عظيمة في توجيه القبائل إلى الله عز وجل حرصاً على هدايتهم، غير أن من القبائل من عارضت دعوته بشدة، بل عادوه وآذوه وتطاولوا عليه ونالوا منه، ومن هذه القبائل قريش، فقد كان لها الزعامة في مكة، وحين وجدت انتشار الإسلام داخل بطون من جاورها بذلت جهوداً مضنية في وقف تمدد نشر الإسلام.

حتى إن قريشاً تذامروا بينهم على مَن في القبائل منهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين أسلموا معه، فوثبت كل قبيلة على من فيهم من المسلمين يعذبونهم، ويفتنونهم عن دينهم.

وشنت قريش على النبي صلى الله عليه وسلم حملة إيذاء وتطاول اضطر بسببها إلى الدعاء على قريش لسوء صنيعها معه، فعن عمرو بن ميمون عن عبدالله قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‌دعا ‌على ‌قريش غير يوم واحد، فإنه كان يصلي، ورهط من قريش جلوس، وسلى جزور قريب منه، فقالوا: من يأخذ هذا السلى فيلقه على ظهره؟

فقال عقبة بن أبي معيط: أنا، فأخذه فألقاه على ظهره، فلم يزل ساجداً حتى جاءت فاطمة، فأخذته عن ظهره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم عليك بهذا الملأ من قريش، اللهم عليك بعتبة بن ربيعة، اللهم عليك بشيبة بن ربيعة، اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، اللهم عليك بعقبة بن أبي معيط، اللهم عليك بأُبي بن خلف أو أمية بن خلف».

قال عبدالله: فلقد رأيتهم قُتلوا يوم «بدر» جميعاً، ثم سحبوا إلى القليب، غير أبي أو أمية، فإنه كان رجلًا ضخماً فتقطع(1).

ثانياً: قبائل تأخر إسلامها:

لما انتشر الإسلام وعظم شأنه، أعلنت بعض القبائل الاستجابة لله ورسوله متأخراً، ومن بينها ثقيف، وكان قد ذهب إليهم النبي صلى الله عليه وسلم لما ضاقت عليه مكة وأبت إلا التصدي له بكل قوة، فلما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى ثقيف جلس مع قادتها وزعمائها، وهم إخوة ثلاثة ‌عبد ‌ياليل، ومسعود، وحبيب بنو عمرو بن عمير بن عوف، فجلس إليهم النبي صلى الله عليه وسلم وكلمهم بما جاء به من نصرته على الإسلام والقيام على من خالفه من قومه، فقال له أحدهم: هو يمرط ثياب الكعبة إن كان اللَّه أرسلك! وقال الآخر: أما وجد اللَّه أحد يرسله غيرك؟! وقال الثالث: واللَّه لا أكلّمك أبداً، لئن كنت رسولاً من اللَّه كما تقول لأنت أعظم خطراً من أن أردّ عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على اللَّه ما ينبغي لي أن أكلمك.

فقام النبي صلى الله عليه وسلم من عندهم وقد يئس من خير ثقيف، وقد قال لهم: «إذ فعلتم فاكتموا عليَّ»، وكره النبي صلى الله عليه وسلم أن يبْلغ ذلك قومه، فأقام بالطائف عشرة أيام وقيل شهراً لا يدع أحداً من أشرافهم إلا جاء إليه وكلّمه، فلم يجيبوه وخافوا على أحداثهم منه، فقالوا: يا محمد، اخرج من بلدنا، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبّونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس، وقفوا له صفّين على طريقه، فلما مر النبي صلى الله عليه وسلم بين الصفين جعل لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة حتى أدموا رجليه(2).

إلا أن هذه القبيلة أسلمت بعد ما ذاع صيت الرسالة، فقد أسلم قادة ثقيف ومنهم عبد ياليل وكان رأس وفد ثقيف، وكان فيهم عثمان بن أبي العاص، وكان من أصغرهم، فجاء إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم قبلهم، فأسلم وأقرأه قرآنًا ولزم أُبَيّ بن كعب فكان يُقرئهُ، فلمّا أراد ‌وفد ‌ثقيف الانصراف إلى الطائف قالوا: يا رسول الله، أمّرْ علينا، فأمّر عليهم عثمان بن أبي العاص الثقفيّ، وقال: «إنّه كيّس وقد أخذ من القرآن صدرًا»، فقالوا: لا نغيّر أميرًا أمّره رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدم معهم الطائف، فكان يصلي بهم ويُقرئهم القرآن(3).

ثالثاً: قبائل أسرعت إلى الدعوة:

كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدع قبيلة إلا سارع بالذهاب إليها ودعاها إلى الهداية، فكانت القبائل تأتي مكة لأداء الحج، ومنها الأوس والخزرج، فقابل النبي صلى الله عليه وسلم منهم عند العقبة 6 نفر من الأنصار، كلهم من الخزرج، فدعاهم إلى الإسلام.

وكان من صنع الله تعالى لهم أنهم جيران اليهود، فكانوا يسمعونهم يذكرون أن الله تعالى يبعث نبياً قد أظل زمانه، فقال بعضهم: هذا والله النبي الذي يتهددكم به اليهود، فلا يسبقونا إليه، فآمنوا وأسلموا، وقالوا: إنا قد تركنا قومنا وبينهم حروب فننصرف إليهم وندعوهم إلى ما دعوتنا إليه، فعسى الله أن يجمع كلمتهم بك، فإن اتبعوك فلا أحد أعز منك، فانصرفوا إلى المدينة، فدعوا إلى الإسلام، حتى فشا فيهم، ولم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر من النبي صلى الله عليه وسلم(4).

وعادوا في العام المقبل ومعهم أناس من الأوس فبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام حتى أسلمت الأوس والخزرج بعد استقرار النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة.




_____________________

(1) البداية والنهاية: ابن كثير (4/ 113).

(2) سبل الهدى والرشاد: الشامي (2/ 438).

(3) الطبقات الكبرى: ابن سعد (9/ 39).

(4) جوامع السيرة النبوية: ابن حزم الأندلسي، ص 55.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة