حين اختلّت القوامة.. ماذا حدث؟!

«كنت أقوم بواجبات الزوج من إنفاق ورعاية ومسؤولية وغيره، إلى أن تبدلت الحال، فصارت الزوجة تعمل، وتجني الكثير من المال، لتفوق راتبي، وتكسر المحظور.. رويداً رويداً، باتت هي من تنفق على البيت والأبناء، أو تتحمل الجزء الأكبر من نفقات الأسرة».

في البداية، نحن زوجان، ولا فرق بيني وبينك، و«اللي في جيبي في جيبك»، هكذا كانت تتحدث بألفة ومودة.

تغيرت النبرة، أصبحت أكثر علواً وضجيجاً، أنا من أنفق أكثر، أنا من أفعل كذا وكذا.. ليبدأ الصدام، ويعلو الشجار، وينطق الفاه بكلمة: «أنت طالق»!

عاد الزوجان، والجرح لم يلتئم بعد، واختلال القوامة ما زال قائماً، ليعلو الصوت، ويحتد الشجار، وينطق الفاه ثانياً وثالثاً بـ«أنت طالق»، لتحرم العشرة بينهما، ويشرد الأبناء، بين زوج وزوجة، أب وأم، فرطا في الميثاق الغليظ، دون تروٍّ وصبر، أو تقدير للنتائج، وتجنب للخسائر، أو الحيلولة دون ما لا يحمد عقباه.

قوامة تامة

ما سبق قصة حقيقية لزوج عانى فعلياً من اختلال القوامة، أو بشكل أدق، تسبب في اختلالها، وتخلى عنها، دون قيام بواجبات الرعاية والمسؤولية، أو إدراك للنتائج، ووعي بالأخطار المترتبة على ذلك.

وفق دراسة مشتركة صادرة عن معهد الدوحة للأسرة بالتعاون مع جامعة الدول العربية، العام 2024م، تبين أن عدم مقدرة الزوج على تأمين مستلزمات الأسرة، جاء ثانياً ضمن قائمة الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق، خاصة في السنوات الخمس الأولى من الزواج.

بينما أفادت دراسة مصرية بأن الخلافات المادية حول راتب الزوجة كانت المصدر الرئيس لحوالي 49% من الخلافات الزوجية، التي انتهى مصيرها إلى الطلاق، وأن 53% من النساء اللائي كن طرفاً في قضايا عرضت على محكمة الأسرة اتهمن أزواجهن بالطمع في رواتبهن، وفق صحف مصرية.

قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ) (النساء: 34)؛ والقوامة هنا: قائمون عليهن في الإنفاق والرعاية، وهذه الأفضلية لأمرين؛ أحدهما وهبي، والآخر كسبي؛ فالوهبي: هو تفضيل الله للرجال على النساء بكمال العقل وحسن التدبير، والتكليف بالكثير من الأعمال والطاعات، فقد خصوا بالنبوة والإمامة والولاية وإقامة الشعائر والجمعة والجهاد، والتعصيب، وزيادة السهم في الميراث، وملك الطلاق، والكسبي: (بِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) في مهورهن، ونفقتهن، وكسوتهن.

يقول العلماء: إن الرجل لكي يكون تام القوامة على امرأته لا بد أن يكون هو الذي ينفق، وهو الذي يرشد ويقود، وهو الذي يفي بحقوق رعيته، لكن الرجل الذي يتنازل عن ذلك، بمحض إرادته، فقد فرط في قوامته، وقبل ذلك فقد رجولته.

زوج ناقص

إن لكل قول حقيقة، فما حقيقية القوامة يا رجل، وأنت تَدَع لزوجتك مهام العمل والتكسب والإنفاق، وتربية الأبناء، وغير ذلك من مهام الزوج والأب؟!

إن من الرجال من ينفقون أموالهم على الملهيات، والمسكرات، ويضيعون ما اكتسبوه في التدخين وتعاطي المخدرات، وإهدار الوقت على المقاهي والمراقص، ثم يحرمون زوجاتهم وأبناءهم من طعام أو شراب، أو مستلزمات أسرية وتعليمية وعلاجية.

ومن الرجال من يهجر زوجته بالأسابيع والشهور، ويمتنع عن إعفافها، ويتجاهل احتياجاتها النفسية والعاطفية، فيقسو عليها، ويضن عليها بالكلمة الطيبة، أو بلمسة حانية، وقد يسبها ويعتدي عليها، فيسبب لها عاهة مستديمة أو يكسر لها ضلعاً، فأين هؤلاء من القوامة؟!

وهناك من يقطع زوجته عن رحمها، ويسب أهلها، ويبغض كل قريب لها، ويتجاهل رأيها، وربما يسلب ميراثها، ويصادر مالها، ويبيع مجوهراتها، ثم يدعي أن ذلك من القوامة!

إن هذا الزوج «ناقص الرجولة» أو قل: «ذكر» فقط، لا يعرف عن القوامة شيئاً، سوى لفظ يردده لسانه، دون أن يعي معناه ومحتواه، أو أن يقوم بمقتضاه، وما يفرضه عليه الكتاب والسُّنة، وما تتطلبه البيوت من مودة ورحمة، لتصل سفينة الزوجية إلى بر الأمان.

فهم خاطئ

من الخطأ الفادح، لدى البعض، اعتبار آية القوامة، ولاية تسلط من الرجل على المرأة، ومسوغ شرعي لإيقاع الظلم والأذى عليها، وهو فهم خاطئ تروجه تيارات النسوية المتطرفة، وتزعم في كتابات المنتسبين إليها أن الإسلام ظلم المرأة.

إن قوامة الرجل على المرأة ولاية رعاية وعدل، ومسؤولية واحتواء، وحكمة ولين، وتعاون وتشارك، وكل طرف يؤدي ما عليه من واجبات، وله ما له من حقوق، فتتحقق المصلحة العامة للأسرة، فينصلح بنيانها، ويقوى تماسك المجتمع.

حين تتحقق معادلة الحقوق والواجبات، في جو من المودة والرحمة، وحين يقوم ربان السفينة بمسؤولياته على أكمل وجه، وحين يكون حسن العشرة عنوان البيت، ستكون الزوجة المسلمة المؤمنة أول من تنحني لقانون القوامة الرباني، وستسعد به، وقد تفخر بزوجها، فتقول له: «نِعْم القوامة يا رجل!».

إن الحياة الزوجية ليست صراع إرادات يحاول كل طرف أن يفرض إرادته، وليست ساحة هم وكرب ونكد وشجار، وليس الغرض منها الانفصال والطلاق وتشرد الأبناء، بل هي سفينة بشرية، تُبحر في بحر متلاطم الأمواج، لها ربانها، وطاقم قيادتها، وبوصلتها، وأدواتها، ومؤنها.

إن القوامة الحقيقية، هي زاد الحياة الزوجية، أمان للمرأة، سكن ودفء، عطاء ومسؤولية، فضل وعدل، تقدير واحترام، تعاون وتكامل، حب وسعادة، وهي اللبنة الأولى، والركن الرئيس في البيت السعيد.

ليقف كل رجل مع نفسه وقفة جادة، وليراجع كل زوج ما قدمت يداه، ليرى هل هو نموذج لـ«القوامة» التي جاء بها الشرع الحنيف، أم حاد عن الطريق الصحيح؟ ولتسأل كل زوجة نفسها: هل صارعت زوجها حق القوامة؟ وهل حاولت سلبه هذا الحق، أم رضيت به زوجاً صالحاً ورباناً أميناً للسفينة؟


اقرأ أيضاً:

زوجك ليس نِدّاً يا سيدتي!

«القوامة» من منظور النسوية الإسلامية

استيعاب المرأة.. من وحي الحياة في بيت النبوّة

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة