جيل «طوفان الأقصى».. ميلاد الوعي والمقاومة من المقاطعة إلى التحرير

عثمان الثويني

07 أكتوبر 2025

61

لم تكن «طوفان الأقصى» معركة عابرة، ولا حدثاً محدود الأثر، بل كان ميلاداً جديداً لجيلٍ استثنائي، خرج من بين الدمار يحمل راية البناء، ومن بين الرماد يعلن بداية عهدٍ جديد من التمكين والوعي والإيمان.

كانت المعركة مدرسة ربّانية، لا تُخرّج الجنود فقط، بل تصنع الإنسان المؤمن، وتعيد للأمة بوصلة الطريق نحو الله، «طوفان الأقصى» لم تكن مجرد ردّ على العدوان، بل ردّ على عقودٍ من الوهم، وكشفٍ لأقنعةٍ طالما احتمت بشعارات الدين والعمل الإنساني والسياسة العاقلة، حتى إذا جاء وقت الصدق، انكشفت وجوههم وتعرّى زيفهم، فإذا هم أول الناكصين، وأسرع المنهزمين، وأبعد الناس عن روح الدين التي تزكي ولا تبرر، وتبني ولا تساوم.

لقد ربّت «طوفان الأقصى» جيلًا جديدًا من أبناء الأمة، جيلًا يدرك أن التحرير لا يبدأ بالبندقية فقط، بل بالمقاطعة، بالوعي، وبالقرار الفردي في بيت كل مسلم، جيلٌ فهم أن «لا أملك شيئًا» ليست عذرًا، بل بداية التغيير.

هو جيلٌ يقاطع منتجات العدو، ويقاطع فكره وثقافته، ويقاطع كل صوتٍ يزيّن الذل أو يبرّر التطبيع، فهم أن كل مبلغٍ يُنفق في الباطل رصاصة تُصوَّب نحو صدر مقاوم، وأن الاستهلاك الأعمى شكلٌ من أشكال الهزيمة.

جيل «طوفان الأقصى» جيل العمل الفردي والواجب الذاتي، الذي لا ينتظر منبرًا ولا إذنًا ولا جماعة، بل يبدأ بنفسه، ويعدّها طريقًا للتمكين.

يستيقظ كل صباحٍ وهو يرى أن «الأقصى» مسؤوليته، وأن كل إصلاحٍ في نفسه أو مجتمعه خطوةٌ في طريق التحرير، تعلم أن النصر يبدأ من الداخل، من تطهير القلب، ومن تحصين النفس من فتن الشهوات والشبهات التي غزت القلوب كما غزت الأرض.

لقد أثبت هذا الجيل أن التمكين وعدٌ مشروط، وأن الله لا ينصر أمةً لم تهيّئ نفسها للنصر، فكانت «طوفان الأقصى» إعلانًا بأن الإيمان ليس شعارًا، وإنما استعدادٌ دائم، وعملٌ متواصل، وصبرٌ طويل.

جيل «طوفان الأقصى» لا يلهيه البريق الإعلامي ولا تغرّه الأصوات المتشدقة باسم الدين والوطن، فقد رأى بعينه كيف انكشف المنافقون عند ساعة الحقيقة، حين صمتوا عن الدم، وتحدثوا عن الحكمة الزائفة، ووقفوا مع الجلاد حين ظنّوا أن الكفة تميل إليه، فميز هذا الجيل بين من يتاجر باسم الدين، ومن يعيش له، بين من يرفع راية النصوص للتسويغ، ومن يرفعها للتضحية.

«طوفان الأقصى» لم تُسقط أسوار غزة فقط، بل أسقطت أسوار الخوف داخل النفوس، حرّرت الأمة من عقدة المستحيل، وكسرت حاجز الصمت، وأعادت تعريف البطولة؛ صار الوعي عبادة، والمقاطعة مقاومة، والثبات شهادة.

ومن رحم هذه المعركة البطولية خرج جيل التمكين؛ جيلٌ يخطّ بدمه فصل النصر القادم، ويؤمن أن الطريق إلى «الأقصى» يبدأ من إصلاح النفس، ويُعبَّد بالوعي، وتُروى شجرته بدماء الصادقين.. جيلٌ لا ينتظر معجزة، بل يعيشها، ولا يسأل متى النصر؟ لأنه أدرك أن وعد الله لا يتأخر، بل نحن من نتأخر عن الوفاء بشروطه.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة