عوائق في الطريق (22)

الهزيمة النفسية واحتقار النفس

د. أحمد ناجي

27 يوليو 2025

131

من أخطر العوائق التي تقف حجر عثرة في طريق السائرين إلى الله تعالى الهزيمة النفسية، واحتقار المرء لنفسه، وحتى نستطيع أن نحمي أنفسنا من الوقوع في هذا العائق ينبغي أن نعرف المراد به أولًا، ثم نتعرف على مظاهره وأسبابه، ومن ثم نصل إلى العلاج،

تعريف الهزيمة النفسية واحتقار النفس

الهزيمة النفسية واحتقار النفس في اللغة: الإذلال، والإهانة، والتصاغر، يقال: احتقره، حقره وحقر الشيء حقرا، وحقارة، فهو حقير: ذل، وهان، وصغر، وفي الحديث: «إياكم ومحقرات الذنوب» (أخرجه أحمد 1/ 402).

والانهزام لغة: الانكسار والتشقق، نقول: انهزم العدو: انكسرت شوكته، وشق صفه، وانْتُصِر عليه، فهو منهزم، ومهزوم، والهزيمة في القتال: الكسر، والفل(1).

أما الهزيمة النفسية واحتقار النفس عند علماء التربية: فهي استصغار النفس الخيرة، واستذلالها، والاستهانة بها وانكسارها أمام ما يفرضه عليها أعداؤها من النفس الأمارة بالسوء، ومن شياطين الإنس والجن، ومن الدنيا ببريقها، وزخارفها، وابتلاءاتها، بصورة تشعرها أنها ليست أهلًا للعمل الصالح حتى وإن كان يسيراً.

مظاهر الهزيمة النفسية واحتقار النفس

للهزيمة النفسية واحتقار النفس مظاهر تدل عليها وصور تُعرف بها، ومن أهم هذه الصور، وتلك المظاهر:

1- القعود عن العمل لنصرة الإسلام بالدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومجاهدة الكفار والمنافقين الذين يصدون عن سبيل الله، ويبغونها عوجاً، بدعوى أن الشر قد تفشى وانتشر، وأن المنكر قد استفحل وتمكن، ومهما عملنا فلن نغير شيئاً، ولن نجني سوى التعب والمشقة.

2- اعتزال المجتمع، والهجرة إلى الشعاب والأودية ورؤوس الجبال بدعوى أنه لا فائدة من وراء الاختلاط بالمجتمع، واحتجاجاً بقوله صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن» (أخرجه البخاري، 1/ 19).  

3- الخوف من الباطل، والانقياد له في كل ما يقول، وما يفعل، بدعوى أنه يملك كل شيء، ونحن مهما أوتينا من قوة، ومن سلطان فلن نعمل شيئاً، وبالتالي فلن نغير شيئاً!

4- رفض أي مسؤولية قيادية حتى وإن كانت في أمر جزئي بسيط، بدعوى عدم الفقه في المسؤوليات، وعدم القدرة على ما تتطلبه هذه المسؤوليات من أعباء، وتبعات.

موقف الإسلام من الهزيمة النفسية واحتقار النفس

إن المتتبع لما ورد في القرآن الكريم والسُّنة النبوية يدرك أن الإسلام يرفض رفضاً قاطعاً كل مظاهر الهزيمة النفسية واحتقار النفس، ففي القرآن الكريم نجد قوله تعالى: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (آل عمران: 139)، وقوله تعالى: (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (النساء: 104)، وقوله تعالى: (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) (محمد: 35)، وقوله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ {173}‏ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (آل عمران)، وقوله تعالى: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) (الأحزاب: 39).  

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحقر أحدكم نفسه»، قالوا: يا رسول الله، كيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال: «يرى أمراً لله عليه فيه مقال، ثم لا يقول فيه، فيقول الله -عز وجل- له يوم القيامة: ما منعك أن تقول في كذا، وكذا؟ فيقول: خشية الناس، فيقول: فإياي كنت أحق أن تخشى» (رواه أحمد، وابن ماجة)، وقال صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن «لو» تفتح عمل الشيطان» (رواه مسلم).

وهكذا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الأول ينهى عن أن يشعر المسلم بالدونية في نفسه؛ فيدَّعي الضعف وقلة الحيلة أمام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي الحديث الثاني يبث الرسول صلى الله عليه وسلم الأمل والشجاعة والقوة، في قلب المسلم، ويحوله إلى فرد نافع ومفيد يملأ الدنيا خيرًا وعطاًء وإحسانًا.

أسباب الهزيمة النفسية واحتقار النفس

للإصابة بالهزيمة النفسية أسباب تؤدي إليها، وبواعث توقع فيها، من أهم هذه الأسباب، وتلك البواعث:

1- حرمان المرء من التعود على المسؤولية، ومن التشجيع على تحملها: ذلك أن المرء إذا لم يتعود على تحمل المسؤولية، وحُرِم من التشجيع عليها، يوسوس له الشيطان، وتسول له نفسه أنه ما حُرِم من ذلك إلا لأنه لا يحسن ولا يجيد شيئاً، فيفقد الثقة بنفسه.  

2- انتقاص الآخرين وتحقيرهم للمرء على الدوام: ذلك أن المرء إذا رأى كل من حوله لا يستحسنون منه شيئاً، بل يلاحقونه على الدوام بالانتقاص، والاحتقار، والفشل، فإنه غالباً ما يتأثر بذلك، لا سيما إذا كان في المراحل الأولى من حياته أو كان مكلفاً بالأمر لأول مرة، وتكون العاقبة أن يصاب بالإحباط، وانهزام النفس.

3- العيش في بيئة تطبعت بالانهزام واحتقار النفس: حيث إن المرء شديد التأثر بالبيئة التي يعيش فيها، وعليه فإذا كانت هذه البيئة محتقرة لنفسها وانتشرت فيها الهزيمة النفسية تأثر بمن حوله وأصيب بما أصابهم.

4- الاستبداد والكبت: ذلك أن المرء إذا حيل بينه وبين التعبير عما بداخله، وفرض عليه على سبيل الاستبداد والقهر ما لا يقره ولا يرضاه، واستمرت الحال هكذا دون انفراج أو تنفيس أصابه اليأس والقنوط ثم الإحباط والاحتقار والانهزام النفسي.

5- الغفلة عن عواقب الهزيمة النفسية واحتكار النفس: ذلك أن المرء حينما يغفل عن العواقب الضارة، والآثار المهلكة لأمر ما وقع فيه؛ ولهذا جاءت معظم المنهيات والمحظورات مقرونة بعواقبها وآثارها، حتى يخاف الناس، ويحذروا الوقوع فيها.

6- التلوث بالمعاصي والسيئات: ذلك أن للمعصية مع الإصرار عليها وإهمال التوبة عواقب ضارة في الدنيا والآخرة، ولعل من أبرز العواقب الدنيوية الابتلاء بالاحتقار أو الانهزام النفسي، وصدق الله تعالى إذ يقول: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) (الشورى: 30)، (ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ) (الحج: 10).

عواقب الهزيمة النفسية واحتقار النفس

للهزيمة النفسية واحتقار النفس عواقب ضارة وآثار مهلكة على الفرد، والعمل الإسلامي، فعلى مستوى الفرد تؤدي إلى:

1- منافقة الظالمين والارتماء في حظيرتهم: ذلك أن من ابتلى بالهزيمة النفسية يظن أن أمره بيد الظالمين فينافقهم ويسير في ركابهم، على النحو الذي نشهده في عالم المسلمين اليوم.

2- غزو النفس والحُرمات: ذلك أن الهزيمة النفسية تفتح الطريق أمام الأعداء لغزو أصحابها نفسيًا، وتشجعهم على الاعتداء على حرمات الفرد ومقدساته من دين، ونسل، وعرض، ومال، وأوطان.

3- مضاعفة الآثام: وذلك أن الفرد بانهزامه النفسي قد فتح الباب أمام غيره ليصنعوا مثله لا سيما إذا كان في موقع الأسوة فيتحمل إثمه، وإثم هؤلاء جميعًا انطلاقاً من قوله صلى الله عليه وسلم: «.. ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً) (رواه مسلم).  

4- الخسران المبين في الآخرة: إذ هو بتضييعه لنفسه ولغيره، قد حمل وزراً وإثماً عظيماً يلقى به ربه، وهذا هو الخسران المبين، قال تعالى: (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) (الزمر: 15).

أما على مستوى العمل الإسلامي، فتؤدي الهزيمة النفسية إلى:

1- قلة الأنصار والمؤيدين: ذلك أن الناس يتأثرون ويقتدون بالأقوياء الواثقين بربهم ثم بأنفسهم ومناهجهم، أما المحتقرون أو المنهزمون نفسياً فإن الناس لا يهتمون بهم، ولا يستجيبون لهم.  

2- الفرقة والتمزق: فوجود الانهزام النفسي داخل الصف يُحدث انقساماً في هذا الصف ما بين مؤيد، ومعارض؛ الأمر الذي يفتح الباب أمام الأعداء للتسلل، والإطباق والتطويق.  

3- كثرة التكاليف وطول الطريق: وهذا شيء بدهي ونتيجة حتمية طبيعية لقلة كسب الأنصار والمؤيدين، ولشيوع الفرقة والتمزق.

علاج الهزيمة النفسية واحتقار النفس

على كل من أراد أن يحفظ نفسه من الوقوع في الهزيمة النفسية أن يتبع الخطوات التالية: 

1- شغل أوقات الفراغ، والقضاء على البطالة بكل ما هو نافع ومفيد، وميادين الحياة كثيرة، فمن لا يصلح لهذا العمل يصلح لذاك، وهكذا كانت سيرته صلى الله عليه وسلم مع أصحابه.  

2 - تجنب انتقاص الآخرين، وتحقيرهم ما أمكن، كي نغلق الباب بذلك في وجه من يسولون أو يزينون للمرء الاحتقار أو الانهزام النفسي.

3 – الابتعاد عن الوسط المعروف بالاحتقار والانهزام النفسي، ثم الارتماء بين الوسط المعروف عنه الثقة بالله وبمنهجه، واتصف بالجرأة والشجاعة.  

4- الاحتراز من المعاصي والسيئات صغيرها وكبيرها، مع الحرص على الإنابة، والتوبة عند اقتراف شيء منها، فإن هذا من شأنه أن يطهر النفس، ويزكيها، ويمنحها الثقة والقوة.

5- معرفة العواقب المترتبة على الهزيمة النفسية، الدنيوية والأخروية، الفردية والجماعية، فإن لذلك دور كبير في القضاء عليها(2).





___________________

(1) المعجم الوسيط (2/ 985)، مادة «هزم»، بتصرف.

(2) آفات على الطريق، أ.د. السيد محمد نوح (4/ 356)، بتصرف.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة