«فالله خيرٌ حافظاً».. وقفة لغوية

د. رمضان فوزي

28 سبتمبر 2025

53

هل هناك فرق بين «فالله خيرٌ حافظًا» بنصب «حافظاً»، و«الله خيرُ حافظٍ» بجرِّها؟ وأيهما أولى في سياق الآية الكريمة: (قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (يوسف: 64) التي وردت على لسان نبي الله يعقوب في قصة يوسف، عليهما السلام.

وإجابة هذا السؤال تندرج ضمن الفرق بين التمييز والإضافة بعد أفعل التفضيل؛ حيث إن «خير» في هذه الآية الكريمة أفعل تفضيل، و«حافظاً» -وفي قراءة أخرى «حفظاً»- تمييز على أرجح الأقوال، وذهب بعضهم إلى أنها حال (وسنشير لهذا الرأي في نهاية الموضوع).

أما الفرق بين وقوع ما بعد أفعل التفضيل تمييزاً أو مضافاً إليه؛ ففيه تفصيل كبير في كتب النحو، يقصر المقام عن تتبعها هنا، لكن نكتفي منها بما يفيد في هذه المسألة، وهو أن تمييز أفعل التفضيل إذا كان من جنس ما قبله جُرَّ بالإضافة نحو «زيد أفضلُ رجلٍ»، وإن لم يكن من جنس ما قبله نُصب على التمييز نحو «زيد أكثرُ مالاً».

كما أن التمييز يفيد المقارنة بين طرفين؛ ففي المثالين السابقين نجد أن أولهما (زيد أفضل رجل) أفاد الإخبار عن أفضلية زيد بصورة عامة، أم في ثانيهما (زيد أكثر مالاً) ففيه معنى المقارنة بـ«من» بين طرفين؛ أي: مال زيد أكثر من مالك.

وهناك فرق ثالث بين الإضافة والتمييز مهم هنا، وهو أن التمييز يكون فاعلاً في المعنى، وهذا ليس في حالة الجر بالإضافة؛ وبالتطبيق على المثالين السابقين، نجد أن أولهما (زيد أفضل رجل) ليست فيه فاعلية معنوية لـ«رجل»، عكس ثانيهما (زيد أكثر مالاً)؛ حيث أثبتت فاعلية للمال؛ إذ المعنى: مال زيد كثُرَ عن مالك (والفاعلية هنا لا تعني أن التمييز محول عن الفاعل؛ بل تعني أن التمييز منسوب إليه هذا المعنى، كما ذكر صاحب حاشية الصبان).

وبالعودة للآية الكريمة موضع البحث وهي «فالله خير حافظاً» نجد أن بعض معربي القرآن جوّز في الآية الكريمة النصب على التمييز والجر على الإضافة؛ حيث نسب بعض المفسرين للإمام الأعمش أنه قرأ: «فاللهُ خيرُ حافظٍ» بالجر، وقال صاحب «حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي»: «فهو –أي النصب- والجر -أي خير حافظٍ- سواء».

لكن نرى –والله أعلم- أنه بالتدقيق في سياق الآية الكريمة نجد أن التمييز هو الأنسب لها، بناء على ما ذُكر من فروق بين التمييز والإضافة فيما سبق، وذلك لما يلي:

أولاً: الآية الكريمة في سياق الحديث عن إخوة يوسف وتوسلهم إلى أبيهم أن يرسل معهم أخاهم كما حكى عنهم القرآن: (فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (يوسف: 63)، فرد أبوهم: (قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ) (يوسف: 64)، ثم عقب قائلاً: (فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)؛ فالسياق هنا يناسبه نفي أن يكون ما بعد أفعل التفضيل (خير) –وهو حفظ الله عز وجل- من جنس ما قبله، وهو حفظ إخوة يوسف (الذين فرطوا في أخيهم يوسف من قبل وهو ما ينفي عنهم أن يكونوا حافظين أصلاً).

ثانياً: أن التمييز هنا أنسب لما فيه من المقارنة بين حفظهم وحفظ الله تعالى.

ثالثاً: التمييز هنا أنسب لما فيه من فاعلية في المعنى لحفظ الله تعالى (فحفظ الله تعالى زاد خيره عن حفظهم)، وهو ما لا يتحقق في الإضافة.

تبقى نقطة أخرى مهمة في حالة النصب، وهي أيهما أولى أن تكون «حافظاً» تمييزاً –كما ذهب إليه جمهور معربي القرآن- أم أن تكون حالاً كما قال به بعضهم؟

نرى –والله أعلم- أنها تمييز فقط؛ لأن الحالية قيدٌ لعاملها؛ أي أنه تعالى خيرٌ حالة الحفظ فقط، وقد تنتفي هذه الخيرية في غير الحفظ، وهو ما لا يجوز في حق الله تعالى؛ فهو سبحانه له الخيرية المطلقة في كل الأحوال والأفعال، كما أن التمييز يقويه القراءة الأخرى في الآية وهي «فالله خيرٌ حِفظاً»؛ وهو ما لا تستقيم معه الحالية.

والله أعلم.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة