الإبادة المعرفية.. كيف تُفرَّغ المجتمعات الإسلامية والعربية من علمائها؟
بعض من الناس
يعتقدون أن مصطلح الإبادة المعرفية ما هو إلا قضاء على العلماء والمفكرين باغتيال
عقولهم أو التخلص منهم، إلا أن هذا المصطلح يشير إلى إستراتيجية طويلة المدى تُضعف
قدرة المجتمع على إنتاج العلم والمعرفة والحفاظ عليهما، ويكون ذلك بتهجير العقول،
وتهميش المؤسسات العلمية، وإقصاء العلماء والمؤثرين المعرفيين، وربما استهدافهم
بطرق مباشرة كالقتل أو غير مباشرة كوضع العقبات في طريقهم.
ما الإبادة المعرفية؟ وما طرقها؟
الإبادة
المعرفية عبارة عن عملية مركبة تتضمن فقدان الموارد البشرية المعرفية كهجرة
الكفاءات، ومن ثم ابتلاع الإنتاج المعرفي المحلي (العربي والإسلامي) عبر قنوات
ثقافية وأكاديمية وسياسية، كما يعد استقطاب العقول من خلال هجرة العلماء والمبدعين
من الدول الإسلامية والعربية إلى المجتمع الغربي واحدة من أبرز طرق الإبادة
المعرفية، وفي حالة فشل هذه الطرق يتم الاتجاه نحو الطريقة النهائية؛ حيث يتم
اغتيال العقول والقضاء عليها تمامًا كما حدث في الحرب الإيرانية الأخيرة مع الكيان
الصهيوني الذي طبق النهج ذاته في إبادته في قطاع غزة، فوضع العلماء والمفكرين على
رأس قائمة المستهدفين.
ما أدوات وأساليب الإبادة المعرفية؟
تتعدد أساليب
الإبادة المعرفية، ومن أشهر هذه الأساليب ما يُعرف بـ«القوة الناعمة» التي تقع
ضحاياها الجامعات والمؤسسات العلمية؛ كأن يتم استخدامها كمنصات وأدوات لبث رؤى
وأطر وقيم بحثية تبني تبعية معرفية ممنهجة مثل لغات النشر، ومعايير الاعتماد التي
تفرضها المؤسسات وسلاسل النشر الغربية، أو التمويل الخارجي وغيرها من الأمور التي
تكسر الاستقلالية المعرفية، وتصعب إنتاج معرفة محلية من واقع الهوية الإسلامية.
ومن أدوات
الإبادة المعرفية البعثات والمنح الدراسية والرواتب المبالغ فيها التي توضع لجذب
العلماء والمفكرين إلى المؤسسات الغربية، هذا إلى جانب سيطرة دور النشر وتمويل
الأبحاث التي تتيح للأجندات الغربية والصهيونية الهيمنة على المشهد المعرفي حول
العالم العربي والإسلامي.
نضف إلى ذلك،
عمليات القمع السياسي وتشديد الضوابط على الجامعات، ومن ثم تضييق هامش البحث
والنقاشات العلمية؛ الأمر الذي يدفع العلماء إما للصمت أو للهجرة، وقد ينتهي
المشهد بمحاولات استهداف واغتيال مباشر للعلماء المتخصصين في بعض المجالات الحساسة
كالعلوم النووية.
ما النتائج المترتبة على الإبادة المعرفية؟
يوجد العديد من
التأثيرات السلبية الناتجة عن الإبادة المعرفية ومنها فقدان القدرات المؤسسية على
إنتاج أبحاث تخدم المجتمع الإسلامي والعربي؛ الأمر الذي يؤدي إلى سيادة الأطر
والمناهج الأجنبية وتهميش وجهات النظر المحلية، ومن ثم تباطؤ ابتكار التكنولوجيا والسياسات الفعّالة، وضعف أو انعدام قدرة المجتمع على النقد والتقدم والمساءلة،
وهذا في حد ذاته سبب رئيس لما آلات إليه الأوضاع في المجتمع الإسلامي والعربي
اليوم؛ بعد تام عن الإنتاج والصناعة، اعتماد شبه كامل على الصادرات الخارجية
والأجنبية، ابتعاد التعليم عن دائرة المنافسة العالمية، وتبعية عمياء عاجزة عن
الاستقلال.
كيف نعالج الإبادة المعرفية؟
رغم خطورة
الإبادة المعرفية، فإن هناك بعض الطرق التي تمكننا من مواجهة هذه الإبادة والتغلب
عليها، ومنها العمل على تحسين بيئة البحث العلمي، وتقديم رواتب تنافسية للعلماء
والباحثين تمكنهم من مواصلة هذه المهمة، إلى جانب إنشاء صناديق تمويل وطنية
وإقليمية تضمن استقلالية الأبحاث عن التدخلات والأجندات الخارجية، كما يجب حماية
حرية الأبحاث من القمع السياسي أو التجريم العشوائي، والعمل على خلق تعاون مشترك
بين الجامعات العربية والإسلامية لتبادل المعرفة وبناء دور ومنصات نشر محلية
إقليمية، وتبني إستراتيجية فعالة تضمن حماية العلماء وتوثيق أي استهداف لردع
الممارسات الخطيرة التي قد تمارس ضدهم.
من هنا يتبين أن الإبادة المعرفية ما هي إلا نتيجة تفاعل العديد من العوامل، منها: سياسة الاستقطاب العالمي للعلماء، وبيئات العمل الضعيفة، وأدوات القوة الناعمة التي تمارس في المؤسسات العملية، إلى جانب الممارسات العدائية التي تستهدف العلماء والشخصيات البارزة في مجال معين.
يمكنك الاطلاع على: الإبادة الثقافية.. الجريمة الصامتة