«تيك توك» يربي أبناءنا!

لم يعُد الطفل على الفطرة التي ولد بها، بل يُسحب منها قبل أن يُفطم، عيناه لا تفتح على صدر أمه، بل على شاشة هاتف تُرضعه صورًا وتغذّيه تحديات يستهويه تقليدها.

ليس في الأمر مبالغة؛ فطفلك –الذي تراه وديعًا– قد يقفز غدًا من شرفة أو يخنق زميله أو يُمارس إيحاءات جنسية لا تناسب سنه ولا تخطر على بالك، فقط لأنه يتعلّم من معلم اسمه «تيك توك».

لم تعد القضية ترفًا تربويًا أو نقاشًا بين المحافظين والليبراليين، بل أصبحت مسألة نجاة جيل من براثن وحش مخيف، وما يجري في المدارس، وفي غرف الأطفال، وفي ذاكرة أبنائك، يثير الذعر لا الجدل.

تسأل نفسك: كيف وصلنا إلى هنا؟ والإجابة مؤلمة: نحن سمحنا لشاشات صغيرة أن تُربي عقولًا أصغر، ثم انشغلنا عنهم، فربّاهم «تيك توك».

أرقام واحتجاجات

وكانت دراسات ميدانية، أبرزها مرصد الإعلام الخليجي قد كشفت أن 68% من الأطفال في الخليج تعرضوا لمحتوى غير مناسب على «تيك توك» مرة واحدة على الأقل خلال العام الأخير، في حين ذكرت نسبة كبيرة من الأهالي أنهم أصبحوا يرون التطبيق وكأنه المربي الفعلي لأولادهم.

وفي تقرير نشرته منظمة «سايف ذي تشيلدرن» (Save the Children) العام الماضي، وُجد أن 68% من الأطفال في الخليج يقضون أكثر من 4 ساعات يوميًا أمام الشاشات، وأغلب هذا الوقت مخصص للألعاب وتطبيقات التواصل، وليس للتعلم أو البحث.

ووفقاً لدراسة أجرتها جامعة الكويت بالتعاون مع وزارة التربية، تبيّن أن 33% من الأطفال في المرحلة الابتدائية تعرضوا لمحتوى غير لائق أثناء استخدام ألعاب الهاتف أو مقاطع «يوتيوب» القصيرة، بعضهم بدأ بتقليد الألفاظ، والبعض الآخر تأثر بسلوكيات عدوانية أو انسحابية.

وفي الإمارات، حذّرت هيئة تنظيم الاتصالات من انتشار لعبة خطيرة تعتمد على تحديات جسدية بين الأطفال، تسبب بعضها في إصابات بالغة، وهو ما تكرر في السعودية والكويت والبحرين، تحت أسماء مختلفة مثل «تحدي كتم النفس»، و«قفزة الموت»، و«سحب الكرسي».

وفي الأردن أيضًا، حذّر تنظيم الاتصالات صراحة من ترك الأطفال يستخدمون تطبيقات تعتمد الفيديو مثل «تيك توك» و«سناب شات» من دون رقابة، مطالبًا بالمتابعة الفورية من أولياء الأمور.

هذه الأرقام وتلك التحذيرات أدت إلى تحركات شعبية حاولت بث الوعي لدى الأسر العربية والخليجية، فمثلاً وبعد إصابة أحد طلاب المدارس في مصر بإصابة في العمود الفقري أثناء ممارسة تحدٍّ انتشر على «تيك توك» داخل المدرسة، قام ائتلاف أولياء الأمور في مصر بإصدار بيان رسمي طالب فيه بتشريع خاص يحظر المحتوى الرقمي غير المناسب داخل المدارس والمنصات الاجتماعية الرسمية.

وفي الخليج، تصاعدت وسوم، مثل: «#أنقذوا_أطفالنا»، و«#أوقفوا_التيك_توك»، بعد تناقل قصص مشابهة عن أطفال يقلدون تحديات خطيرة، وألفاظاً خارجة، وسط ارتفاع في معدلات قلق الأهالي حول تأثير محتوى التطبيق على الأبناء.

كل هذه الحملات والمطالبات في الخليج ومصر وغيرها ليست احتجاجًا عابرًا، وإنما صوت مجتمع واعٍ يطالب بالإصلاح الرقمي والتربوي في بيئة أشبه بالميدان الحر.


10 مفاتيح دعوية للتأثير في الجيل الرقمي | مجلة المجتمع
10 مفاتيح دعوية للتأثير في الجيل الرقمي | مجلة المجتمع
مجلة المجتمع الكويتية: منصة إعلامية رائدة تُعنى بالشأن الإسلامي وتقدم تقارير ومقالات تعزز الوعي الحضاري للأمة الإسلامية انطلاقاً من مرجعية إسلامية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وهي تابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي بدولة الكويت، وترفع شعار "مجلة المسلمين حول العالم".
mugtama.com
×


ماذا يشاهد أطفالنا ومن يربيهم؟

تحليل محتوى «تيك توك» في الخارج أشار إلى وجود نسبة كبيرة من المقاطع الموجهة إلى الأطفال تحمل إيحاءات جسدية، مثل ملابس كاشفة أو تعليقات على المظهر.

وهناك محتوى مخصص للأطفال بنسبة تتراوح بين 1921% نشر مشاهد غير مناسبة لأعمارهم.

أما المحتوى الذي يتعلق بالعنف أو التحدّيات الخطرة، فكثيرًا ما يتم تداوله في المناطق الخليجية دون رقابة، وفق شهادات الأهالي، وحالات كثيرة انتشرت كحوادث تقلّد تحديات النار والثلج، أو سقوط من أماكن مرتفعة تسبّب إصابات حقيقية.

لقد تحول «تيك توك» في بعض البيوت إلى وسائل ترفيه أو تهدئة للأطفال، نتيجة انشغال الوالدين أو انصياعهم للضغط الاجتماعي.

من واقع مجتمعي وعلى منصات النقاش في السعودية والكويت، لوحظ أن بعض الأهالي باتوا يعتمدون على التطبيق لشغل الأطفال، بلا رقابة أو توجيه؛ الأمر الذي جعل هؤلاء الأطفال عرضة لتلقي رسائل سلوكية تحمل أخطاراً بشعة من دون اطّلاع الأهل، وبدون تدخل تربوي مباشر؛ ما جعل التطبيق هو الموجه الفعلي لأطفالنا، غير آبه بقيمنا وأعرافنا.


تجارب عربية وعالمية في التصدّي لـ«التيك توك» الهابط | مجلة المجتمع
تجارب عربية وعالمية في التصدّي لـ«التيك توك» الهابط | مجلة المجتمع
مجلة المجتمع الكويتية: منصة إعلامية رائدة تُعنى بالشأن الإسلامي وتقدم تقارير ومقالات تعزز الوعي الحضاري للأمة الإسلامية انطلاقاً من مرجعية إسلامية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وهي تابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي بدولة الكويت، وترفع شعار "مجلة المسلمين حول العالم".
mugtama.com
×


دور المنصات ومبادراتها

بعض تلك المنصات وفي محاولة منها لاستيعاب هذا الغضب المتنامي، قدمت مبادرات، منها ما أعلنه تطبيق «تيك توك» عن حملات في الخليج والمناطق المحيطة، مثل حملة «#FamilyFirst» بالتعاون مع جمعيات سلامة الإنترنت في الإمارات، لإرشاد الأهالي بكيفية استخدام أدوات الرقابة الأبوية، مثل «Family Pairing»، ووقت الاستخدام وما إلى ذلك.

وفي عام 2025م أقام «تيك توك» «Family Academy» بحضور مؤثرين وجمعيات أهلية في القاهرة، لتدريب الأسر على التعامل مع التحديات الرقمية مثل التنمّر الإلكتروني وإساءة الاستخدام، وأطلقت أكثر من 15 ميزة تحكم لزيادة الأمان الرقمي.

لكن النجاح الحقيقي لهذه البرامج يرتبط بمدى تفاعل الأسر معها، ومدى التزام المدارس والنظام القانوني في تعزيزه كأداة تربوية فعالة، لا مجرد حملة دعائية.


طفلي وقيم «تيك توك»! | مجلة المجتمع

طفلي وقيم «تيك توك»! | مجلة المجتمع
مجلة المجتمع الكويتية: منصة إعلامية رائدة تُعنى بالشأن الإسلامي وتقدم تقارير ومقالات تعزز الوعي الحضاري للأمة الإسلامية انطلاقاً من مرجعية إسلامية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وهي تابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي بدولة الكويت، وترفع شعار "مجلة المسلمين حول العالم".
mugtama.com
×


خارطة إنقاذ تربوية واقعية

خبراء تربويون واختصاصيون في علم الاجتماع حاولوا تقديم خارطة إنقاذ يتم من خلالها تفعيل الأدوار المختلفة، بداية من الأسرة والمجتمع والمنصات، تضمنت:

- تفعيل الرقابة الأسرية فعليًا، وذلك عن طريق استخدام أدوات مثل «Family Pairing» لتحديد المحتوى، وفتح الحسابات وقت الاستخدام، وكذلك شرح للأطفال كيف يُحددون بأنفسهم المحتوى غير المناسب.

- توعية الآباء أولاً، مقترحين أن يتم ذلك من خلال حملات تثقيفية رقمية ومباشرة، مثل مبادرة سلامة العائلة في الفضاء الرقمي التي أطلقتها الإمارات، وتوثيق ذلك في إعلام رسمي فعال يتوجه نحو الأسرة مباشرة.

- الشراكة مع المدارس، حيث يتم وضع قوانين أو تعليمات تمنع تنفيذ تحديات خطرة في المدارس، خاصة بعد تكرار بعض الحوادث التي أدت لمشكلات جسدية عديدة لأطفال مارسوا تلك التحديات، مشددين على ضرورة محاسبة المسؤولين الذين سمحوا للأحداث بالتكرار في البيئة التعليمية.

- بدائل تعليمية وترفيهية؛ حيث اقترح الخبراء تطبيقات مخصصة للأطفال مثل «YouTube Kids»، أو تطبيقات مدققة تربوياً، بديلًا عن «تيك توك» المفتوح، مع تشجيع الأهل على تخصيص ساعات ترفيهية بدون شاشات.

وفي النهاية، إذا لم ندرك أن «تيك توك» يكاد يصبح مربي الظِلّ للأطفال، ولم نضع ضوابط فعلية، ليست فقط تقنية، بل تربوية وقانونية وثقافية؛ فسوف نواجه أزمة جيل تربى على محتوى لا يعكس قيمه.

وبالتالي، فإن المطلوب اليوم أن نعيد أصحاب الحق في التربية (الأهل والمدرسة) إلى مركز التأثير بدلاً من الخضوع لمنصة رقمية تبني عقولًا على طريقتها.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة