كيف تنمي ثقافة طفلك بقصص السيرة النبوية؟

د. أشرف عيد

19 نوفمبر 2025

48

القصة لها تأثير كبير في تشكيل الوعي وبناء القيم الأخلاقية والسلوكية، وهي من أكثر الوسائل التي اعتمدها القرآن الكريم والسُّنة النبوية في بناء النواحي الإيمانية والسلوكية وترسيخ مكارم الأخلاق؛ (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) (يوسف: 111).

أهمية قصص السيرة النبوية للأطفال

1- إرساء القيم الأخلاقية والتربوية:

تُعدّ قصص السيرة النبوية من أهم مصادر التربية الأخلاقية والوجدانية للأطفال؛ لما تحمله من نماذج عملية مُلهِمة، وصور واقعية في غرس القيم الأخلاقية والسلوكيات، وتنمية مهارات التفكير التي تحمل مواقف يمكن محاكاتها.

فعندما يسمع الطفل قصة عن رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالحيوان، أو حلمه مع الأعداء، فإنه يُبقي أثرها في نفسه، فيسعى إلى محاكاته في سلوكه؛ فالطفل يتعلم بالقدوة أكثر مما يتعلم من التوجيه المباشر؛ ولذلك تمنح السيرة النبوية الأطفال نماذج حيّة للصدق، والأمانة، والرحمة، والشجاعة، والصبر، وحسن التعامل مع الآخرين، والتعامل مع الأخطاء التي لا يخلو منها بشر.

ويمكن أن نقدم نماذج من موضوعات السيرة التي يمكن أن يتعلم منها الطفل الأخلاق ويتعامل مع المواقف الحياتية:

  • يتعلم الطفل من قصة الهجرة التخطيط والتنظيم وتوزيع الأدوار، فيرتب جدوله الدراسي وينظم وقته.
  • يتعلم من غزوة «بدر» إتقان العمل والتوكل على الله واللجوء إليه.
  • يتعلم من غزوة «أُحد» الصبر والتحمل في مواجهة المشكلات والبحث عن حلول، وأن الحياة لا تسير دائمًا وفق ما يريده الإنسان.
  • يتعلم من «فتح مكة» الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في العفو والتسامح.
  • يتعلم من النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة «حُنين» الثبات والشجاعة.
  • يتعلم من «حجة الوداع» العدل والمساواة بين الناس وتحريم الظلم؛ ما يعزز لديهم مفهوم أن الجميع متساوون بغض النظر عن المكانة الاجتماعية والغنى والفقر.

2- تنمية المهارات اللغوية:

تساهم قصص السيرة في تحسين مهارات اللغة لدى الأطفال سواء كانت مهارات لغوية كالاستماع والقراءة والكتابة؛ فيتعلم مفردات جديدة، مثل كلمات: الإيمان، والصبر وتحمل المشاق، والشجاعة، والثقة بالله، وإتقان العمل، والنظافة.. إلخ، وينمي قدراته في استخدام تلك الكلمات في حديثه الشفهي والكتابي أو عند مناقشته في أحداث القصة.

والسرد القصصي لأحداث السيرة النبوية وسيلة مثلى لخيال الطفل وتنمية قدراته الفكرية وإبداء الرأي وحسن الاختيار عندما يتم تقديم القصص بشكل مشوق وجذاب يعزز فضول الطفل ورغبته في اكتشاف المزيد من الحقائق والأحداث، وهذا الفضول يمكن أن يتحول إلى عادة شغف بالبحث والتعلم، وتقوي انتماءه لدينه وثقافته، وتحفزه على حب القراءة والإبداع عندما يتم التركز على العبر والدروس المستفادة؛ ما يساعد الطفل على ربط القصة بواقعه ومدى إدراكه.

وسائل عرض قصص السيرة للأطفال

ينبغي لكي تؤدي قصص السيرة ثمارها في نفوس الأطفال أن يكون لها أهداف تناسب ميوله وعمره؛ وتُعرض بوسيلة جذابة، بحيث تكون مناسبة للسلوك المطلوب غرسه، ويتفاعل معها بما ينطبع أثرها على سلوكه ومهارته الحياتية.

إن عرض قصص السيرة للأطفال لم تعد محصورة في السرد التقليدي، بل أصبحت تشمل تقنيات حديثة وأساليب تفاعلية تعزز الفهم والارتباط العاطفي بالقيمة الأخلاقية أو السلوكية في القصة.

ويظل الهدف الأسمى بناء جيل يتمثل الأخلاق النبوية في حياته اليومية؛ لذا، فإن اختيار الوسيلة المناسبة لكل مرحلة عمرية مع ربط القصة بالواقع أساس نجاح تعليم السيرة للأطفال، وتحويلها من نصوص إلى سلوك.

والطريقة التي تُقدَّم بها قصص السيرة للأطفال لها أهمية كبيرة، ومن هنا تتضح الحاجة إلى تنويع الوسائل لتناسب الفروق الفردية بين الأطفال وقدراتهم الإدراكية، فيمكن أن يختار من الوسائل ما يتناسب مع الطفل في عرض قصص السيرة.

السرد الشفهي

يُعد السرد الشفهي من أقدم الوسائل التقليدية، وهو فعّال مع الأطفال الصغار (3 – 5 سنوات)، وهذه السِّن لها قصص تناسبها، ولغة مبسّطة تتناسب مع عمره، فيعتمد الطفل على الحكي السماعي التفاعلي والحوار والمناقشة، خصوصًا إذا تضمن تغيير نبرة صوت بما يتناسب مع شخصية القصة للتشويق بما ينمّي الخيال والمهارات اللغوية، لكنه يعتمد كليًّا على مهارة المعلّم أو الأم في السرد، ومراعاة العناصر الفنية للقصة والإطار الزمني والمكاني، ونوع القيمة الأخلاقية التي تحتويها.

الكتب المصوّرة

يتفاعل الطفل مع الصور والألوان والصوتيات أكثر من النصوص المكتوبة أو الشرح المباشر؛ لذا، فاختيار وسيلة العرض الملائمة يسهم في تعميق الفهم والحفظ، وهي الأكثر شيوعًا وتتناسب مع عمر الطفل:

1- الأطفال (3 – 5 سنوات): يُفضل لهم أن تكون القصة قصيرة تحتوي على حدث واحد بها صور ملونة لا كتابة فيها، وتعتمد على الحكاية، وينبغي أن تكون قصص السيرة في تلك السن حول قيمة واحدة في كل قصة ليسهل فهمها والتركيز معها بأسلوب يثير فضول الطفل للنقاش والتفاعل.

2- الأطفال (6 – 8 سنوات): تكون القصص ذات نصوص قليلة وصور كثيرة؛ حيث يعتمد الطفل على الحكاية وقراءة بعض الجمل التي تمكنه من الربط بين أحداث القصة.

3- الأطفال (9 – 12 سنة): تحتوي قصصهم على نصوص أكثر ورسومات أقل للأطفال، وتساعد هذه الكتب في الربط بين النص والصورة، كما تُعد مدخلًا فعالًا لتعويد الطفل على القراءة الذاتية.

الوسائل المعاصرة والتقنية

أصبحت الرسوم المتحركة من أهم الوسائل التي تجذب الأطفال خاصة مع انتشار الأجهزة الذكية، وتتميز بقدرتها على تجسيد الأحداث التاريخية بصورة بصرية قريبة لفهم الطفل، وتقديم القيم الأخلاقية لقصص السيرة بشكل عملي ومؤثر يحرك وجدان الطفل.

وتحتوي تلك الأجهزة الذكية على تطبيقات القصص الرقمية التفاعلية التي تُتيح للطفل مشاهدة القصة مصحوبة بالرسومات، ويقوم الطفل بالضغط على عناصر تفاعلية تظهر معلومات إضافية، ويمكن أن يقوم بحلّ أنشطة أو ألعاب تربوية ضمن القصة.

وهذه الوسائل مناسبة للجيل الحالي الذي يتعامل مع الأجهزة الذكية منذ سنواته الأولى، ويمكن أن يقدم تطبيقات الذكاء الاصطناعي مشاهد تمثيلية لقصص محددة من السيرة بما يتناسب مع ميول الأطفال.

الأنشطة التفاعلية

يأتي دور المعلّم والأم في دمج قصص السيرة في الحياة اليومية للطفل عبر الحوار والمناقشة بعد عرض القصة، واسترجاعها في مواقف الحياة اليومية، ومكافأة الطفل عند محاكاته السلوك المرتبط بالقصة، فمثلًا بعد قصة عن الصدق يمكن تشجيع الطفل على قول الحقيقة في مواقف بسيطة، وتذكيره بما ورد في القصة.

وإذا أردنا الاستفادة من قصص السيرة في سلوك الطفل فلا ينبغي أن تنتهي القصة بانتهائها، بل تعاد عليه من حين لآخر على مدار الشهر بحيث يتذكر نفسه بعض أحداثها، ثم يقوم الطفل باختيار إحدى شخصيات القصة ويقوم بمحاكاتها أو يرسمها أو يبدي رأيه فيها.

ويمكن ربط القصة بأنشطة تعليمية تفاعلية مثل المسابقات والتمثيل، وهذه الأنشطة تساعد الأطفال على فهم القصة بشكل أعمق، وتدفعهم للمشاركة الفعالة حيث يُعد التمثيل من أكثر الوسائل التفاعلية تأثيرًا عندما يقوم الأطفال بأدوار شخصيات السيرة فينمي لديه الشجاعة والثقة بالنفس، واستيعاب أعمق لأحداث القصة بما يحقق أهدافها.

ويتم ربط القصّة بحياة الطفل اليومية، ولا تخلو القصّة من أن تُترجَم إلى سلوك عملي، ولنأخذ قصة عبدالله بن الزبير نموذجاً، وهو طفل يلعب مع أصحابه الذين هربوا عندما رأوا عمر بن الخطاب، وبقي عبدالله واقفًا، فسأله عمر: لِمَ لمْ تهرب مثل أصحابك؟ فقال له عبدالله: لم أُخطئ فأخافك، ولم يكن الطريق ضيقًا فأفسحه لك! فمدحه عمر لشجاعته وصدقه.

ويمكن مناقشة الطفل في تلك القصّة: ما رأيك في موقف عبدالله؟ ماذا تفعل لو كنت مكانه؟ وماذا تستفيد من تلك القصة؟ ويتم تذكير الطفل بموقف عبدالله بن الزبير عند تعرضه لمواقف مشابهة.

وهكذا نستطيع القول: إن قصص السيرة النبوية ليست مجرد روايات تاريخية مجردة، وإنما منهج تربوي متكامل يمكن أن يُشكِّل وعي الطفل، وينمّي فكره، ويوجّه سلوكه عندما تُقدَّم بوسائل جذابة تراعي خصائص كل مرحلة عمرية فتغرس فيه الأخلاق، ويصبح الطفل أكثر قدرة على محاكاة النماذج النبوية في حياته.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة