في مواجهة زلزال نتنياهو عن «إسرائيل الكبرى».. هل تكفي بيانات الشجب؟

د. السنوسي محمد

15 سبتمبر 2025

153

في منتصف أغسطس الماضي، أدلى رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو بتصريحات لقناة محلية، ومرَّت هذه التصريحات بشيء من الهدوء لم يعكره إلا بيانات الشجب والاستنكار، التي لا يمكن أن نعدها قد عكرت هذا الهدوء!

وأما تصريحات نتنياهو، فأقل ما كان يمكن أن توصف به، أنها «زلزال سياسي»، لو صدرت هذه التصريحات في بيئة غير تلك البيئة السياسية والإستراتيجية التي يحياها العالم العربي الآن.

تصريحات نتنياهو للقناة المحلية كشفت عن تمسكه بما يسمى رؤية «إسرائيل الكبرى»، وعندما أهداه المذيع علبة بها تميمة تحمل خريطة «إسرائيل الكبرى»، سأله عمّا إذا كان يشعر بارتباط بهذه الرؤية؛ فأجاب نتنياهو: بالتأكيد!

ولا شك أن الحديث الصهيوني عما يسمى «إسرائيل الكبرى» لم ينقطع، خاصة بعد عدوان عام 1967م؛ الذي شهد اعتداءً على الدول العربية المحيطة بفلسطين واحتلال أراض مهمة منها؛ بما رسّخ من وجود الكيان بالمنطقة وضاعف مساحته.

لكن خطورة تصريحات نتنياهو هذه المرة عن «إسرائيل الكبرى»، تأتي من أمرين أساسين:

الأول: أنها تأتي من مسؤول رسمي، ويقف على هرم السلطة التنفيذية؛ وليس من محلل سياسي، أو حتى من حزب يمكن وصفه بـ«التطرف» حتى يتم التنصل أو التخفف من تصريحاته.

الثاني: أنها تأتي في سياق حرب قائمة وعدوان لم يتوقف طيلة سنتين على قطاع غزة، وأيضًا بالتزامن مع سلسلة اعتداءات صهيونية على دول عربية وإسلامية، شملت لبنان وسورية واليمن وإيران.

وهذان الأمران يؤشران إلى أن الحديث عن «إسرائيل الكبرى» ليس زلة لسان، ولا تعبيرًا عن أوهام أو أمنيات؛ وإنما هو حديث يندرج ضمن سياسات تنفيذية حقيقية يتبناها الكيان، وضمن خطوات تجري على الأرض وتتوسع رقعتها يومًا بعد آخر، وأصبحت جزءًا من الحاضر لا من المستقبل البعيد!

سياسات وبيانات.. هل يستويان!

أمام هذه التصريحات المتغطرسة من نتنياهو، التي هي، كما قلنا، تعبيرٌ عن سياسات قائمة بالفعل، وعن عدوان ما زالت تجري وقائعه ويتضاعف ضحاياه كل لحظة وتمتد رقعته كل يوم.. ماذا كان رد الفعل العربي؟

لم يتخذ العرب، مجتمعين أو منفردين، أي خطوة فعلية، واكتفوا ببيانات الشجب والاستنكار؛ وكأن البيانات من شأنها أن تكافئ التصريحات التي هي تعبير عن سياسات قائمة بالفعل.. تكافئها في القوة والردع والوزن الإستراتيجي!

فقد أدانت جامعة الدول العربية التصريحات، واعتبرتها «استباحةً لسيادة دول عربية، ومحاولةً لتقويض الأمن والاستقرار في المنطقة»، وأشارت إلى أنها «تمثل تهديدًا خطيرًا للأمن القومي العربي الجماعي، وتحديًا سافرًا للقانون الدولي ومبادئ الشرعية الدولية».

وأضاف بيان جامعة الدول العربية أن التصريحات «تعكس نوايا توسعية وعدوانية لا يمكن القبول بها أو التسامح معها، وتكشف العقلية المتطرفة الغارقة في أوهام استعمارية».

من جانبها، طالبت مصر بإيضاحات بشأن ما أُثير ببعض وسائل الإعلام «الإسرائيلية» حول «إسرائيل الكبرى»! وأشار بيان وزارة الخارجية المصرية إلى أن ما نُشر بشأن «إسرائيل الكبرى» قد تكون له انعكاسات تتمثل في إثارة عدم الاستقرار، والتوجه الرافض لخيار السلام، والإصرار على التصعيد.

أما الأردن، فقد أدان التصريحات واعتبرها تصعيدًا استفزازيًّا وتهديدًا لسيادة الدول، ومخالفة للقانون الدولي، وأوضح بيان وزارة الخارجية الأردنية أن تصريحات المسؤولين «الإسرائيليين» تعكس أوهامًا عبثية، والوضع المأزوم للحكومة «الإسرائيلية».

من ناحيتها، عبّرت منظمة التعاون الإسلامي، في دورتها الاستثنائية الحادية والعشرين، التي انعقدت بجدة في 25 أغسطس الماضي، عن إدانتها ورفضها للتصريحات غير المسؤولة والمتغطرسة لرئيس وزراء الاحتلال «الإسرائيلي» بشأن ما يسمى رؤية «إسرائيل الكبرى»، باعتبارها امتدادًا لخطاب التطرف والتحريض والعدوان على سيادة الدول وانتهاك القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.

المواجهة الضرورية لأطماع «إسرائيل»

لا شك أن ما هو مطلوب كثيرٌ وممكن، للرد على تصريحات نتنياهو، التي هي تصريحات تندرج ضمن سياسات قائمة بالفعل وآخذة في التوسع، وليست تصريحات كلامية في الهواء.

وأهم ما هو مطلوب للرد على الكيان بشأن سياساته العدوانية والتوسعية 3 أمور، هي:

أولاً: يجب مراجعة السياق برمته الذي يربط الدول العربية، أو أكثرها، بالكيان الآن؛ أي مراجعة سياسات التطبيع، ما حصل منها وما هو في الطريق، فهذا الكيان تثبت عليه قولاً وفعلاً أنه غير قابل للترويض، وليس من مفرداته السلام والتعايش والاحترام المتبادل.

ثانيًا: عدم الدخول في شراكات اقتصادية مع الكيان؛ فهو له أطماع اقتصادية بالمنطقة بجانب سياساته التوسعية، وقد رأينا أنه يوظف شراكاته الاقتصادية للضغط سياسيًّا على الدول التي يتعامل معها، كما حدث في ملف المياه مع الأردن، والغاز مع مصر؛ وكأنه لا يكتفي بعائدات هذه الشراكات الاقتصادية واستفاداته هو منها بالدرجة الأولى، حتى يوظّفها في الضغوط والمساومات!

ثالثًا: مناصرة غزة، واستدراك ما فات الدولَ العربية في هذا الصدد، والتكفير عن الخذلان الحاصل على مدار عامين؛ إدراكًا بأن غزة هي خط الدفاع الأخير عن الدول العربية، الذي في حال انهياره، لا قدّر الله، ستنفتح على العرب أبواب الجحيم بعد أن انفتحت على غزة، وستتواصل أطماع الكيان ضد العرب، دولةً بعد أخرى، وهي الأطماع التي لم تتوقف حتى من قبل الوصول للنهاية في ملف غزة!

وفي المجمل، يجب أن يكون رد الفعل العربي مكافئًا للفعل الصهيوني؛ حتى يمكن مواجهة سياساته العدوانية وأطماعه التوسعية، لا أن نقابل السياسات بالبيانات.

ولئن كان مفهوم «إسرائيل الكبرى» يعني حتى الآن التوسع أو السيطرة على حساب ومساحات دول عربية محيطة، فإن أطماع الكيان لن تقف عند حد، ولن يقنع الكيان الغاصب إلا أن يفرض سيطرته على سائر الدول العربية؛ سواء بالاستيلاء على الأرض أو استنزاف الثروات، ولن نكون حينئذ أمام «إسرائيل الكبرى» فحسب، وإنما «إسرائيل المهيمنة» أيضًا.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة