أهل غزة.. بين مطرقة الموت وسندان الجوع!

تمرّ غزة اليوم بمرحلة هي الأشدّ في تاريخها، مرحلة اجتمع فيها السيف والجوع، والحصار والقصف، واليُتم والفقر، حتى صار أهلها بين مطرقة الموت التي تحصد أرواحهم كل لحظة، وسندان الجوع الذي ينهش بطون أطفالهم ونسائهم وشيوخهم.

ومع هذه المحنة، تبرز أسئلة شرعية وإنسانية عميقة: ما حكم خذلان الجائعين؟ وهل يسوغ للأمة أن تصمت والناس تموت جوعًا وقصفًا؟ وكيف يواسي الإسلام أهل غزة في هذا الظرف العصيب؟

أولًا: غزة لا تجوع وحدها.. بل تُفضَح الأمة بصمتها:

غزة لا تُحاصر من البحر والبر فحسب، بل تُحاصر بالصمت العربي والدولي، وبالخذلان من القريب قبل البعيد، وقد جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره» (رواه مسلم).

فكل من استطاع نصرة غزة ولم ينصرها، أو إطعام جائع فيها ولم يُطعمه، فقد خذل إخوانه، وخالف أمر نبيّه صلى الله عليه وسلم، وعرّض نفسه للمساءلة يوم القيامة.

كارثة لا تُحتمل في غزة.. كفى! |  Mugtama
كارثة لا تُحتمل في غزة.. كفى! | Mugtama
تعيش غزة منذ أكثر من عشرين شهرًا أحلك فصول الحياة...
mugtama.com
×

ثانيًا: الجوع ليس مجرد بلاء.. بل رفعه فريضة على الأمة:

الإسلام لا يكتفي بالتعاطف، بل يُحمّل الأمة كلها مسؤولية رفع الجوع والظلم عن المظلومين، وخاصة إذا كانوا من المسلمين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم فقد آمن بي ما آمن» (رواه الطبراني، بسند حسن).

فكيف بمن بات شبعان، ويعلم أن أطفال غزة يموتون وهم يبحثون في القمامة عن شيء يسدّ رمقهم؟! أليس هذا إيذانًا بخطر عظيم على دين من خذلهم؟! بل أليس من علامات النفاق ألا يهتزّ قلب الإنسان لجوع إخوانه؟!

ثالثًا: غزة عنوان للثبات والكرامة رغم الجوع والموت:

ما زالت غزة تُدهشنا بثباتها، فمع القصف والجوع، لم يخرج أهلها عن دينهم، ولم يهنوا، ولم يتنازلوا، بل تفيض المساجد بالتكبير، وتبكي الأمهات صبرًا واحتسابًا، وقد قال الله تعالى: (إِن يَكُن مِّنكُم عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) (الأنفال: 65).

فأهل غزة اليوم هم الصابرون، الذين بثباتهم يُغيظون عدوهم، ويُعَلّمون الأمة معنى الكرامة، وإن فُقِدت الأغذية والأدوية، فإنهم ما زالوا يملكون ما هو أعز؛ الكرامة والإيمان والثبات.

رابعًا: الصمت عن جوع غزة مع القدرة خيانة للأمانة:

من يملك المال ولا يُنفقه، ومن يملك المنصة ولا ينصر بها، ومن يملك القرار ولا يتحرك، كلّهم في موضع إثم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من امرئ يخذل امرأً مسلمًا في موضع تُنتهك فيه حرمته ويُنتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يُحبّ فيه نصرته» (رواه أبو داود)؛ فخذلان غزة –لا سيما في جوعها– ليس موقفًا سياسيًا، وإنما ذنب شرعي يُسأل عنه صاحبه يوم القيامة.

خامسًا: أين فريضة التكافل في زمن الجوع؟

يقول الله تعالى: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (الذاريات: 19).

الحق هنا ليس تفضُّلًا أو إحسانًا، وإنما واجب شرعي، وأهل غزة اليوم ليسوا من «السائلين» فحسب، بل من «المحرومين» الذين لا يجدون الماء ولا الخبز، ولا حتى المستشفيات لعلاج جرحاهم، فهل أدّى المسلمون ما أوجبه الله عليهم تجاه هذا الحق؟ أين الجمعيات؟ وأين الزكوات؟ وأين أموال النفط والذهب؟!

سادسًا: الجوع في غزة معركة لها بعدان:

- الأول: دنيوي؛ يتمثل في المجاعة، وانعدام الموارد، وانهيار النظام الصحي، وهو ما يتطلب حراكًا إنسانيًا عاجلًا لإدخال المساعدات بكل الطرق.

- الثاني: إيماني؛ يتمثل في الصبر، والثبات، والاحتساب، وهو ما يعيشه أهل غزة بصدق، ويجب على الأمة أن تُحييه في قلوب أبنائها اقتداءً بهم.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا له» (رواه مسلم)؛ فأهل غزة اليوم يُضرب بهم المثل في الصبر على البلاء، وهم في عين الله، وتحت رحمة الله، وبإذن الله لهم النصر والعزّة.

سابعًا: نداء إلى الأمة: هلّا قمنا بواجبنا؟

أيها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، إن غزة لا تحتاج إلى دمعات ولا هاشتاجات، بل إلى مواقف وصدقات ودعاء وجهاد بالكلمة والمال والنية.

أعيدوا النظر في أموالكم، في زكواتكم، في أوقاتكم، وكونوا كما وصف الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات: 10)، (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة: 2).

غزة اليوم بين مطرقة القصف وسندان الجوع، ولكنها أيضًا بين يدي الله الرحيم، وبين ضمير الأمة الغائب، فإن خذلها الناس، فلن يخذلها رب الناس، وإن أغلقت المعابر، فباب السماء مفتوح لا يُغلق، فلنتقِ الله في إخواننا، ولنعلم أن نُصرتهم ليست خيارًا، وإنما واجب شرعي لا يسقط بالصمت.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة