حاخامات الاحتلال في قلب مشروع تهويد «الأقصى»

علي إبراهيم

14 مايو 2025

270

لم تعد الأخطار المحدقة بالمسجد الأقصى مقتصرة على الاقتحامات بشكلٍ شبه يوميّ، إذ فاقم ما تشهده هذه الاقتحامات من تدنيسٍ وعدوان هذه الأخطار، خاصة أنها ترافقت مع تصاعدٍ في فرض الطقوس اليهوديّة العلنية، ومحاولات زيادة أعداد المقتحمين بالتزامن مع الأعياد اليهوديّة، وما يتصل بمطالب «منظمات المعبد» إلى المستوى السياسي الرامية إلى فتح المجال أمام اقتحامات «الأقصى» طيلة ساعات اليوم، وإدخال الأدوات المقدسة الخاصة بأداء الطقوس العلنية، وغيرها.

ولا شكّ في أن فاعلًا أساسيّا يقف أمام هذه المخططات، وهو الذي يسعى إلى ربطها مع أفكار الخلاص واستجلاب النصر الإلهي، وغيرهم، وهم حاخامات الجماعات المتطرفة، ونسلط الضوء في هذا المقال على دور هؤلاء في نشر فكرة «المعبد» في مستويات الاحتلال، وربطها بالنبوءات الدينية التوراتية، وما يقومون به من عدوان مباشر داخل «الأقصى».

هل بدأت المعركة الأخيرة للسيطرة على المسجد الأقصى؟ |  Mugtama
هل بدأت المعركة الأخيرة للسيطرة على المسجد الأقصى؟ | Mugtama
لم يكن بإمكان أي وسيلة إعلامية تجاهل الأعداد المهو...
mugtama.com
×

الحاخامات.. وإنشاء المنظمات المتطرفة

أدى الحاخامات دورًا بارزًا في إنشاء هذه المنظمات المتطرفة، ولم يكن هذا الدور مرتبطًا بالمنظمات الحالية فقط، بل ارتبط بالجذور الفكرية لهذه المنظمات، إذ تعود هذه الجذور إلى جماعة بريت هاشاشونيم(1)، التي أسسها الحاخام موشيه تسفي سيغال عام 1937م.

وتُشير المصادر إلى ارتباط العديد من منظمات المعبد بمنظمة غوش إيمونيم الاستيطانية، التي تأسست بعد احتلال القدس عام 1967م، وأسسها الحاخام موشي ليفنجر، وبعد إيقاف المنظمة في عام 1984م(2)، بقيت أفكارها ماثلة في مجلس بيشع الذي كان يضم المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة حينها، وحركة شبيبة التلال التي تأسست على إثر انسحاب الاحتلال من قطاع غزة(3).

إضافةً إلى أن عددًا من الأحزاب «الإسرائيلية» حملت أفكار هذه المنظمة على غرار حزب البيت اليهودي، وكانت أولى المؤسسات المتخصصة في تأسيس معهد «المعبد» الذي أسسه الحاخام يسرائيل أرييل.

وتُشير المصادر العبرية إلى أن معظم مسؤولي «منظمات المعبد» من حاخامات الإشكناز الأرثوذكس، ضمن ما يُعرف بالتيار الصهيوني الديني، ومن أبرز هؤلاء الحاخام حاييم ريشمان، مدير الإدارة الدولية لـ«معهد المعبد»، إضافةً إلى الحاخاميْن المتطرفيْن يهودا عتصيون، ويهودا جليك، وغيرهما.

طبيعة المشروع الصهيوني في القدس وأهدافه |  Mugtama
طبيعة المشروع الصهيوني في القدس وأهدافه | Mugtama
يقول د. عبدالوهاب المسيري عن المشروع الصهيونيّ: إن...
mugtama.com
×

برلمان حاخامي يسعى إلى بناء للمعبد

بحسب موسوعة «اليهود واليهوديّة» للراحل د. عبدالوهاب المسيري، فإن «السنهدرين» هو الهيئة القضائية العليا المختصة بالنظر في القضايا السياسية والجنائيّة والدينيّة في المناطق التي كان يعيش فيها اليهود، وهو أعلى سلطة قضائية في الزمن القديم، وله الرأي النهائي في تفسير القوانين وإصدارها، ويتكون المجلس من 71 عضوًا(4).

ومع تصاعد أجندات «المعبد» لدى الاحتلال، أعاد 71 زعيمًا دينيًا يهوديًا في 13/ 10/ 2004م تأسيس «السنهدرين»، ومع غياب أي صلاحيات للنظر في القضايا السياسية أو الدينيّة، فإن المجلس الجديد يعرّف نفسه بأنه البرلمان اليهوديّ الحاخاميّ، ويركز جهوده على تحديد موقع قدس الأقداس، وإعادة العبادات اليهوديّة وطقوسهم إلى المعبد، وخاصة تقديم القرابين الحيوانيّة، والبحث عن حيوانات تطالق شروط القربان، ويُسهم المجلس في تدريب المستوطنين على هذه الطقوس، وإحياء طبقة كهنة المعبد(5).

ويعدّ بعض الباحثين أن «السنهدرين» الجديد أصبح المرجعية الحاخامية للمنظمات المتطرفة، فهو يمثل تجمعًا لما يُعرف بـ«الصهيونية الدينية»، إلى جانب عمله الحثيث لدعم أطروحات «منظمات المعبد»، ومن أعماله مشاركة حاخاماته في اقتحام «الأقصى»، وإرسال رسائل إلى قيادات الاحتلال لإقامة «المعبد»، وصولًا إلى صنع الأدوات الخاصة بالطقوس اليهودية ومن بينها ما حصل في 9/ 9/ 2022م حين أعلن قيادي في «السنهدرين» الجديد أنهم أنهوا صنع «بوق شوفار»(6) يطابق الشروط التوراتيّة(7).

«السنهدرين» يجيز اقتحام «الأقصى»

من أبرز القضايا التي يعمل عليها «السنهدرين» الجديد، تغيير الفتوى الحاخامية الرسمية، فما زالت المرجعية الحاخامية الرسمية تحظر على اليهود المشاركة في اقتحام «الأقصى»، لغياب شرط التطهر، ولاعتبارات دينيّة أخرى، لذلك تحشد الصهيونية الدينية عددًا كبيرًا من الحاخامات غير التقليديين ومن غير الأرثوذكس، لتحقيق اختراق في الفتوى الرسمية الدينية، وإقرار رأي دينيّ يسمح باقتحام «الأقصى» من جهة، ومن جهة أخرى تعمل على تحقيق شروط الطهارة عبر طقوس «البقرة الحمراء»(8).

ويجدد «السنهدرين» كل مدة الفتاوى المتعلقة بجواز اقتحام «الأقصى»، ومن أواخر ما نشرته منظمات المعبد رسالة تؤكد إباحة اقتحام «الأقصى» في 9/ 7/ 2020م، وتضمنت الرسالة توقيعات لنحو 60 حاخامًا، تُجيز استباحة «الأقصى» وتحثّ على اقتحامه، وكان من بين الموقعين عليها الحاخام ناحوم رابينوفيتش، رئيس مدرسة بركات موسى الدينية الاستيطانية في معاليه أدوميم(9)، ووقعها عددٌ من تلاميذ الحاخام زفي كوك، والحاخام يسرائيل أريئيل(10)، والحاخام إليعازر والدمان، وغيرهم.

وشهد عام 2024م تطورًا لافتًا تمثل بمحاولة «منظمات المعبد» الوصول إلى رأس هرم الحاخامية الرسمية، والدفع بأعضاء مركزيين ليصبحوا أعضاء في المجالس الحاخامية الرسمية العليا، فقد عملت على ترشيح الحاخامين مائير كاهانا مرشحًا للحاخامية الأشكينازية، ويهودا حايك مرشحًا للحاخامية السفاردية، ولكن نتائج الانتخابات أظهرت فشل وصولهما إلى المنصب، مع وجود إشارات إلى وجود عضو أو أكثر يميل إلى رأي «السنهدرين» ويدعم اقتحامات «الأقصى» قبل تحقيق الطهارة.

7 سياسات صهيونية لتهويد المسجد الأقصى |  Mugtama
7 سياسات صهيونية لتهويد المسجد الأقصى | Mugtama
منذ أن احتل الكيان الصهيوني القدس عام 1967، تصاعدت...
mugtama.com
×

مشاركة الحاخامات في العدوان على «الأقصى»

على الرغم من كل الجهود التي يقوم بها الحاخامات في سياق تحقيق أهدافهم، فإنّ لهم مشاركة فاعلة في تدنيس المسجد الأقصى واقتحام ساحاته، إذ يقومون بقيادة أفواج المقتحمين، ويقدمون الشروحات التلمودية، ويقودون أداء الطقوس اليهوديّة العلنية في ساحات «الأقصى» الشرقية، وصولًا إلى عقد ما يُشبه القمة الحاخامية.

ففي 3/ 4/ 2022م، شارك في اقتحام المسجد الأقصى مجموعةٌ من كبار حاخامات الاحتلال، وتضمن الاقتحام مناقشة تحضيرات اقتحامات عيد الفصح، وشارك في الاقتحام حاخامات من مختلف المنظمات المتطرفة والمستوطنات والمعاهد الدينية، إضافة إلى «السنهدرين» الجديد، وكان من أبرز المشاركين: يسرائيل أريئيل، الزعيم الروحي لمنظمات المعبد ومؤسس معهد المعبد الثالث ورئيس مدرسة جبل المعبد، والحاخام يعقوب هايمن، رئيس ائتلاف منظمات المعبد، وعدد من قيادات المنظمات المتطرفة الحاخامية.

وفي 13/ 10/ 2022م، شهد «الأقصى» قمة ثانية، شارك فيها الحاخام شاؤول بوخيكو، حاخام مستوطنة كوخاف ياكوف، والحاخام شلومو ويلك، رئيس مدرسة حجر التوراة، والحاخام يهودا شَلوش من نتانيا، أحد كبار حاخامات «السنهدرين» الجديد.

وفي الأسابيع الماضية، شهد المسجد الأقصى قيادة الحاخام المتطرف يهودا غليك أفواجًا من السياح الأجانب، ورافقهم خلال تدنيس عدد من المواضع في «الأقصى»، ومع استمرار قيادة الحاخامات لأداء الطقوس العلنية، ومرافقة الشخصيات السياسية خلال الاقتحامات، شهد المسجد في الأشهر الماضية اقتحام حاخامات متقدمين في السن، ويتعمدون الجلوس في أماكن متعددة من «الأقصى».

ففي 18/ 2/ 2025م، اقتحم «الأقصى» الحاخام المتطرف دانييل شيلو (87 عامًا)، وجلس على مصطبة المنطقة الشرقية، وأدى صلاته فيها برفقة أتباعه.

وفي 5/ 5/ 2025م، تعمّد حاخام صهيوني أن يسترخي على أرض «الأقصى»، قرب باب القطانين، خلال اقتحامه مع بعض أتباعه، حيث أحاطت به شرطة الاحتلال لحراسته.



"هل ينجو الحرم الإبراهيمي من قبضة الاحتلال؟ | القصة كاملة"
منذ مجزرة باروخ غولدشتاين... والحرم الإبراهيمي يتعرض لعملية تهويد ممنهجة ومعلنة.تقسيمٌ وقيود، وسقفٌ يعلو في الساحات تمهيدًا للهيمنة الكاملة.والآن، الاحتلال ي...
www.youtube.com
×





______________________

(1) حركة يهوديّة عملت من خلال تعاليم يائير شتيرن، واسمه الحقيقي أبراهام شتيرن (23/ 12/ 1907 – 12/ 2/ 1942م)، مؤسس منظمة شتيرن المتطرفة خلال حقبة الاحتلال البريطاني لفلسطين، وعرفت منظمته باختصار «ليهي» (lehi)؛ أي المقاتلون من أجل حرية «إسرائيل».

(2) بسبب محاولة عددٍ من أعضائها تفجير مصلى قبة الصخرة.

(3) إنعام حامد، مركز القدس، 13/ 7/ 2022م، https://bit.ly/3yxFe1N.

(4) عبدالوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، نسخة إلكترونية، https://tinyurl.com/yc7jre38.

(5) ريتمير، 17/ 3/ 2007م، https://tinyurl.com/352nnma6 Louis vega, the nascent Sanhedrin, p 7

(6) هو البوق الذي يستخدم لإعلان العام العبري الجديد، ويتم نفخه بحسب المعتقدات اليهودية داخل المعبد، ويحمل نفخه دلالات رمزية كثيرة، منها فرض السيادة اليهودية، وإعلان النصر، وغير ذلك.

(7) موقع مدينة القدس، 14/ 9/ 2022م، https://qii.media/items/1794.

(8) تناولناها في المقال الآتي: https://tinyurl.com/ywdrynfs.

(9) وقع عليها قبل وفاته في شهر مايو 2020.

(10) أحد الحاخامات الأساسيين القائمين على إعادة إحياء «السنهدرين».

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة