اترك أثرا في دنياك

اترك أثراً في دنياك

محمد قائد

22 أبريل 2025

114

يمر العمر وتذهب الأيام والسنون ونجد أنفسنا بين عشية وضحاها وقد تقادم بنا العمر وبلغت منا الأيام مبلغها، وبتنا نترقب الرحيل لحظة بلحظة، وكأننا نشاهده أمامنا وهو قادم ليصطدم بنا، وحينها تبدأ التساؤلات التي لا نهاية لها: أين وصلنا؟ وما الذي حققناه؟ وكيف كانت حياتنا؟ وهل ثمة إنجاز ينفعننا بعد مماتنا؟ أو أثر يبقى لنا ذكراً حسناً يمكن أن يتذكرنا به أحباؤنا أولاً ثم غيرهم من الناس بعد ذلك؟

وفي خضم الحياة وزحمتها، يظل المرء يسعى ويجري ويجد ويجتهد ليكون ناجحاً، ولتكون أعماله كاملة، سواء كان عملاً خاصاً به أي مقتصراً عليه وعلى منفعته الشخصية، أو كان عملاً متعدياً إلى غيره من الناس، وهذا هو العمل الأكثر نفعاً الذي يمتد أثره وخيره إلى غيره من الناس في حياته وبعد مماته أيضاً.

ولنا في سُنة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أبلغ الأثر وأفضل السلوك، فقد عاشوا جل حياتهم إن لم تكن كلها لترك بصمات وآثار في أقوامهم؛ دعوة وإرشاداً وتصحيحاً وتقويماً، ويهدفون من وراء ذلك كله مرضاة الله أولاً، ثم هداية أقوامهم وتبصيرهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور، فكانت آثارهم ومآثرهم تستحق الخلود فخلدها الله تعالى في كتابه الكريم إلى يوم يبعثون.

ثم إن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم خير البشرية بعد الأنبياء كانت حياتهم مكرسة أيضاً لهذا الغرض وهذا الهدف النبيل، وكانوا يتسابقون في فعل الخيرات عامة والمتعدية نفعها إلى الآخرين بشكل خاص، فهذا عمر بن الخطاب كان يحرص على التسابق مع أبي بكر رضي الله عنهما في كل فعل؛ حيث جاء في غزوة «العسرة» بنصف ماله ظاناً أنه قد سبق أخاه أبا بكر، فإذا به يأتي بماله كله، وحينها أدرك عمر أنه لن يستطيع ذلك، وهو يسمع أبا بكر يجيب النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله: «ماذا أبقيت لأهلك؟»، قال: الله ورسوله.

وترك الأثر الجميل ليس بالأمر الهين هو المهمة الأكثر صعوبة على النفس في الحياة ولو كان ذلك الفعل يسيراً، مع العلم أننا جميعنا نحلم بأن نكون ذلك الرجل وذلك الشخص الذي يذكره الناس بالخير نتيجة مآثره الجميلة والطيبة التي تركها في نفوسهم، وإن جلس أحدنا يوماً مع نفسه يراجع شريط حياته وذكرياته فبلا شك سيحضر أمامه عدد كثير من المواقف والآثار الجميلة التي تركها في حياته؛ أخاً أو صديقاً أو معلماً أو مسافراً أو نحوه، أو ربما يكون هو من ترك ذلك الأثر في نفس أياً ممن سبق ذكرهم أو غيرهم.

ترك الأثر قد يكون في وقف يتركه الموسرون يبقى عطاؤه للناس بعد موته، فسيتمر معه أجره، وتستمر معه أيضاً دعوات الناس له وثناؤهم عليه وذكرهم بالخير، وقد يكون في إنتاج علمي يستفيد منه الناس في حياتك وبعد مماتك، أو في تعليم وتدريس أحد ما أو أكثر من ذلك آية من كتاب الله أو حديث أو مهنة أو صنعة تكون له دخلاً ولأسرته ستراً، أو في تربية لابنك تربية صالحة يكون في حسن أدبه وأخلاقه وتعامله مع خلق الله دعوات تزورك عند ربك يزداد معها رصيدك وتنال بها ما لم ينله غيرك.

ويمكن أن يكون هذا الأثر بسيطاً وبدون تكلفة، لكنه يترك وراءه ما هو أثمن حتى من كنوز الأرض، فحين يأتي إليك أخٌ أو صديق تراه في محنة يعيشها أو مصيبة نزلت به فتمد له يد العون بما يمكنك فعله، أو تبتسم في وجه شخص أعطته الحياة ظهرها فتفتح له آفاقاً من الأمل تزيح عنه بذلك هماً أو تنفس عنه كرباً، وقد يكون هذا الأثر في توسعة لأخيك في مجلس ضاق من كثرة الحاضرين فتحافظ بفعلك على ماء وجهه، وتقيه نظرات الناس الباعثة على الإحراج.

نحن لم نخلق في هذه الحياة لنبقى أو نخلد، وجميعنا منذ وعى نفسه في هذه الحياة وهو يدرك أنه يوماً ما سيموت طال انتظار ذلك اليوم أم قصر، وهي الحقيقة الأكثر حضوراً في حياة الناس مسلمهم وكافرهم، وهي تحتم علينا أن نعمل بكل جهد لنترك أثراً جميلاً في نفوس من حولنا أو من نجدهم أو يجمعنا بهم ولو لحظة عابرة، فالأثر الجميل هو ما سيبقينا ويطيل أعمارنا ويمد في أجور أعمالنا بعد أن نرحل عن هذه الحياة.

وأختم بما قاله سيد البرية والبشرية صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث؛ صدقة جارية، أو علم ينُتفع به، أو ولد صالح يدعو له بعد موته».






________________

كاتب وباحث يمني.

benqaed@gmail.com


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة