رسالة إلى بني صهيون: التوراة التي بين أيديكم تنكر ما تفعلون!

كثيرًا ما يدعي الصهاينة التزامهم بالتوراة فيما يأتون من منكرات الأخلاق، ومن عدوان وطغيان! وفي هذا المقال ندحض دعواهم مبينين أن مسلكهم الإجرامي واللاأخلاقي ترفضه التوراة نفسها في كثير من نصوصها:

أولًا: حرمت التوراة الاعتداء على الآخرين:

مما جاء في التوراة: الوصايا العشر التي أوصاهم الله عز وجل بها: «17 لاَ تَقْتُلْ، 18 وَلاَ تَزْنِ، 19 وَلاَ تَسْرِقْ، 20 وَلاَ تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ، 21 وَلاَ تَشْتَهِ امْرَأَةَ قَرِيبِكَ، وَلاَ تَشْتَهِ بَيْتَ قَرِيبِكَ وَلاَ حَقْلَهُ وَلاَ عَبْدَهُ وَلاَ أَمَتَهُ وَلاَ ثَوْرَهُ وَلاَ حِمَارَهُ وَلاَ كُلَّ مَا لِقَرِيبِكَ(1).

يتبين من هذه الوصايا:

1- تحريم التوراة للاعتداء على النفس الإنسانية (لا تقتل).

2- تحريم التوراة للاعتداء على الأعراض (لا تزن).

3- تحريم التوراة للاعتداء على الأموال (لا تسرق).

4- تحريم التوراة للاعتداء على الحقوق عامة (لا تشهد شهادة زور).

5- تحريم التوراة لحسد الآخرين (لا تشته شيئاً مما لصاحبك).

هذه نصوص واضحة تحرم استباحة الآخرين، وهي تفيد العموم بحسب ظاهرها ومنطوقها، ولا يقبل تَمَحُّل اليهود وتأويلهم لها على أن المراد بها اليهود فقط وأن تحريم القتل والزنى والسرقة.. إنما هو في حق اليهود فقط! ولكن: من أين التخصيص؟ واللفظ على ظاهره وعمومه ما لم يرد مخصص.

وأما اختصاص النهي عن شهادة الزور على القريب واشتهاء بيته وامرأته وعبده وأمته وثوره وحماره، وعن أخذ الربا من العبراني، فهو إما أنه محرف عن نهي مطلق لأن هذا هو اللائق بعدل الله تعالى وما يصدر عنه من أوامر ونواه، وإما أنه متأثر بما كان عليه المجتمع «الإسرائيلي» من انغلاق حيث لم يكد يكون بينهم وبين غيرهم معاملات وصلات(2).

وبأي مبرر يستبيحون الرذائل من القتل والزنى والربا والحسد واحتقار الآخرين وإفساد مالهم؟! أليست رذائل ونقائص أخلاقية يجب التنزه عنها؟

إن الإنسان الصالح هو الذي لا يظلم إنسانًا؛ أي إنسان، هكذا أعلنت التوراة:

ففي سفر حزقيال: «وَالإنسَانُ الذِي كانَ بَارًا وَفَعَل حَقًا وَعَدلًا وَلَم يَظلِم إنسَانًا بَل رَدَّ لِلمَديُونِ رَهنَهُ وَلَم يَغتَصِب اغتصَابًا بَل بَذَل خُبزَهُ للجَوعَانِ وَكَسَا العُريَانَ ثَوبًا، وَلَم يُعطِ بِالرِّبَا وَلَم يَأخُذ مُرِابَحَةً وَكَفَّ يَدَهُ عَنِ الجَورِ وَأَجرَى العَدلَ وَالحَقَ بَينَ الإنسَانِ والإنسَانِ، وَسَلَك فِي فَرَائِضِي وَحَفِظَ أَحكَامِي لِيَعمَلَ بِالحَقِ فَهُو بَارٌ حَيَاةً يَحيَا يَقُولُ السَّيِدُ الرَّبُّ»(3).

ونهت التوراة أمة يهود عن كل صور العدوان، التي منها:

- ضرب إنسان بحديدة أو خشبة أو حجر.

- ضرب أي إنسان والاعتداء عليه باليد.

- أذية أي إنسان بإلقاء شيء عليه.

فقد جاء في سفر العدد: «إِنْ ضَرَبَهُ بِأَدَاةِ حَدِيدٍ فَمَاتَ، فَهُوَ قَاتِلٌ، إِنَّ الْقَاتِلَ يُقْتَلُ، وَإِنْ ضَرَبَهُ بِحَجَرِ يَدٍ مِمَّا يُقْتَلُ بِهِ فَمَاتَ، فَهُوَ قَاتِلٌ، إِنَّ الْقَاتِلَ يُقْتَلُ، أَوْ ضَرَبَهُ بِأَدَاةِ يَدٍ مِنْ خَشَبٍ مِمَّا يُقْتَلُ بِهِ، فَهُوَ قَاتِلٌ، إِنَّ الْقَاتِلَ يُقْتَلُ، وَلِيُّ الدَّمِ يَقْتُلُ الْقَاتِلَ، حِينَ يُصَادِفُهُ يَقْتُلُهُ، وَإِنْ دَفَعَهُ بِبُغْضَةٍ أَوْ أَلْقَى عَلَيْهِ شَيْئًا بِتَعَمُّدٍ فَمَاتَ، أَوْ ضَرَبَهُ بِيَدِهِ بِعَدَاوَةٍ فَمَاتَ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ الضَّارِبُ لأَنَّهُ قَاتِلٌ، وَلِيُّ الدَّمِ يَقْتُلُ الْقَاتِلَ حِينَ يُصَادِفُهُ»(4).

وكذلك تقضي التوراة على من ضرب إنسانًا ما أن يدفع له تعويضًا، ويتحمل نفقات علاجه: «وَإِذَا تَخَاصَمَ رَجُلاَنِ فَضَرَبَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ بِحَجَرٍ أَوْ بِلَكْمَةٍ وَلَمْ يُقْتَلْ بَلْ سَقَطَ فِي الْفِرَاشِ، فَإِنْ قَامَ وَتَمَشَّى خَارِجًا عَلَى عُكَّازِهِ يَكُونُ الضَّارِبُ بَرِيئًا، إِلاَّ أَنَّهُ يُعَوِّضُ عُطْلَتَهُ، وَيُنْفِقُ عَلَى شِفَائِهِ»(5).

فأين اليهود من هذه النصوص التي تحرم العدوان وتدعو إلى الرأفة والرحمة؟ لقد تركوها وهجروا العمل بها، وتمسكوا بما وضعوه بأيديهم من تحريفات باطلة، التي أصبحت المحرك لسلوكياتهم.

وإذا كان اليهود يباشرون قتل المخالف وتشريده مدعين أن هذا هو الموافق لما في شريعتهم، فإن في توراتهم نصوصًا تدمغ هذا الادعاء، وهي النصوص التي تأمر بالرحمة والعطف على المخالفين والرفق بهم وعدم مضايقتهم، ففي سفر الخروج: «وَلاَ تَضْطَهِدِ الْغَرِيبَ وَلاَ تُضَايِقْهُ، لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ فِي أَرْضِ مِصْرَ»(6)، فهذا نهي عن اضطهاد الغرباء وظلمهم، واشتمل النهي على: تذكير اليهود بأنهم كانوا غرباء في وقت ما في مصر؛ فليرحموا الغرباء.

التوراة تحرم الزنى

وجاء تحريم الزنى في أكثر أسفار التوراة كسفر اللاويين والخروج والعدد والتثنية وغيرها من الأسفار الأخرى(7)، ففي سفر التثنية: «إذا وجد رجل مضطجعًا مع امرأة متزوجة يقتل الاثنان الرجل المضطجع مع المرأة والمرأة، وإذا زنى رجل بعذراء لم تخطب فإنه يتزوجها ولا يقام عليه الحد ولا يطلقها إلى الأبد»(8).

وفي التثنية أيضًا: «إذا زنى رجل مع امرأة فإذا زنى مع امرأة قريبه فإنه يقتل الزاني والزانية، وإذا اضطجع مع امرأة أبيه فقد كشف عورة أبيه أنهما يقتلان كلاهما دمها عليهما»(9)، وفي سفر اللاويين: «ومن زنا بامرأة لها رجل فليقتل الزاني والزانية»(10).

كما تدعو التوراة اليهود -بصفة عامة- لعدم انتهاك حرمات الآخرين كي يرحمهم الله، ففي سفر التثنية: «وَلاَ يَلْتَصِقْ بِيَدِكَ شَيْءٌ مِنَ الْمُحَرَّمِ، لِكَيْ يَرْجعَ الرَّبُّ مِنْ حُمُوِّ غَضَبِهِ، وَيُعْطِيَكَ رَحْمَةً، يَرْحَمُكَ وَيُكَثِّرُكَ كَمَا حَلَفَ لآبَائِكَ»(11).

كما تنهى التوراة عن الحقد والحسد والكراهية للآخرين، فقد جاء في سفر الأمثال: «لاَ يَحْسِدَنَّ قَلْبُكَ الْخَاطِئِينَ، بَلْ كُنْ فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ الْيَوْمَ كُلَّهُ»(12)، وفي سفر الأمثال أيضًا: «لاَ تَحْسِدْ أَهْلَ الشَّرِّ، وَلاَ تَشْتَهِ أَنْ تَكُونَ مَعَهُمْ»(13).

فأين هذه المبادئ من حقد اليهود وحسدهم للناس على ما آتاهم الله من فضله؟!

وجاء في التوراة النهي عن ظلم الآخرين صراحة، ففي سفر زكريا: «هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ قَائِلًا: اقْضُوا قَضَاءَ الْحَقِّ، وَاعْمَلُوا إِحْسَانًا وَرَحْمَةً، كُلُّ إِنْسَانٍ مَعَ أَخِيهِ، وَلاَ تَظْلِمُوا الأَرْمَلَةَ وَلاَ الْيَتِيمَ وَلاَ الْغَرِيبَ وَلاَ الْفَقِيرَ، وَلاَ يُفَكِّرْ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَرًّا عَلَى أَخِيهِ فِي قَلْبِكُمْ»(14)، وفي سفر الجامعة: «لأَنَّ الظُّلْمَ يُحَمِّقُ الْحَكِيمَ، وَالْعَطِيَّةَ تُفْسِدُ الْقَلْبَ»(15).

كما أن التوراة اشتملت على نهي قاطع عن الكبر والكذب، وشتى الأخلاق الفاسدة، جاء في سفر الأمثال: «هذِهِ السِّتَّةُ يُبْغِضُهَا الرَّبُّ، وَسَبْعَةٌ هِيَ مَكْرُهَةُ نَفْسِهِ: 17 عُيُونٌ مُتَعَالِيَةٌ، لِسَانٌ كَاذِبٌ، أَيْدٍ سَافِكَةٌ دَمًا بَرِيئًا، 18 قَلْبٌ يُنْشِئُ أَفْكَارًا رَدِيئَةً، أَرْجُلٌ سَرِيعَةُ الْجَرَيَانِ إِلَى السُّوءِ، 19 شَاهِدُ زُورٍ يَفُوهُ بِالأَكَاذِيبِ، وَزَارِعُ خُصُومَاتٍ بَيْنَ إِخْوَةٍ»(16).

وفي المزامير كذلك نهي عن التكبر: «انْتَهَرْتَ الْمُتَكَبِّرِينَ الْمَلاَعِينَ الضَّالِّينَ عَنْ وَصَايَاكَ»(17).

فهذه النصوص تحرم على اليهود ممارسة الأخلاق الفاسدة من الكبر، والكذب، وسفك الدماء، وخبث النفس، والمسارعة للخطايا، وشهادة الزور، والوقيعة بين الناس بالشر، فكيف يستحل اليهود هذه المحرمات مع غيرهم؟ فالمؤكد أن روح الحقد والتعصب الأعمى ضد المخالفين روح وافدة على التوراة، غيرت كثيرًا من معالم التوراة: معالم الرحمة والنور.

ثانيًا: التوراة تدعو إلى العدل والإحسان:

ولأن الرب عدل فهو يُحب العدل ويكره الظلم، جاء في سفر المزامير: «لأَنَّ الرَّبَّ عَادِلٌ وَيُحِبُّ الْعَدْلَ، الْمُسْتَقِيمُ يُبْصِرُ وَجْهَهُ."(18)، كما يأمر باتباع العدل، يقول في التثنية:" الْعَدْلَ الْعَدْلَ تَتَّبعُ، لِكَيْ تَحْيَا وَتَمْتَلِكَ الأَرْضَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ»(19).

ومن النصوص التي تدعو للعدل، والتعامل بالحسني مع الغرباء، وأن الجميع سواء أمام القوانين الإلهية، فلا تمييز لأحد على أحد ما جاء في سفر العدد: «أَيَّتُهَا الْجَمَاعَةُ، لَكُمْ وَلِلْغَرِيبِ النَّازِلِ عِنْدَكُمْ فَرِيضَةٌ وَاحِدَةٌ دَهْرِيَّةٌ فِي أَجْيَالِكُمْ، مَثَلُكُمْ يَكُونُ مَثَلَ الْغَرِيبِ أَمَامَ الرَّبِّ، شَرِيعَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُكْمٌ وَاحِدٌ يَكُونُ لَكُمْ وَلِلْغَرِيبِ النَّازِلِ عِنْدَكُمْ»(20).

وفي التوراة دعوة لمحبة الآخرين، ففي سفر اللاويين: «كَالْوَطَنِيِّ مِنْكُمْ يَكُونُ لَكُمُ الْغَرِيبُ النَّازِلُ عِنْدَكُمْ، وَتُحِبُّهُ كَنَفْسِكَ، لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ فِي أَرْضِ مِصْرَ، أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ»(21).

كما تدعو التوراة إلى مواساة الغريب، والمحتاج والفقير؛ ففي سفر التثنية: «فِي آخِرِ ثَلاَثِ سِنِينَ تُخْرِجُ كُلَّ عُشْرِ مَحْصُولِكَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَتَضَعُهُ فِي أَبْوَابِكَ، فَيَأْتِي اللاَّوِيُّ، لأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قِسْمٌ وَلاَ نَصِيبٌ مَعَكَ، وَالْغَرِيبُ وَالْيَتِيمُ وَالأَرْمَلَةُ الَّذِينَ فِي أَبْوَابِكَ، وَيَأْكُلُونَ وَيَشْبَعُونَ، لِكَيْ يُبَارِكَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ فِي كُلِّ عَمَلِ يَدِكَ الَّذِي تَعْمَلُ»(22).

فهذا أمر موجه لليهود بإخراج عُشر محصولهم كل ثلاث سنوات، ويضعونه بالأبواب لأجل الغريب، والمسكين، فهي دعوة لإطعام الطعام للغرباء والمحتاجين، فكيف يستبيح اليهود أموال الآخرين وممتلكاتهم بعد هذا؟!

فهذه النصوص اشتملت على وصايا إنسانية عظيمة تشعر النفس أنها من بقايا الوحي الإلهي المنزل على سيدنا موسى عليه السلام، وهي تتناقض مع سلوك اليهود مع المخالفين، وتؤكد أن تعاملهم الدموي العنصري لا علاقة له بالشريعة اليهودية الحقة التي أوحاها الله إلى نبيه موسى عليه السلام، وتدل دلالة واضحة على تحريف اليهود وكذبهم وباطلهم، فأي النصين أولى بالقبول: الذي يأمر بالرحمة والإحسان والمساواة بين اليهود وغيرهم، أم الذي يأمر بالوحشية والقتل والإجرام؟!





__________________

(1) سفر التثنية: 5: 17-21.

(2) تاريخ بني إسرائيل من أسفارهم، محمد عزة دروزة، ص73، ط المكتبة العصرية، بيروت، 1969م.

(3) سفر حزقيال: 18: 5-9.

(4) سفر العدد: 35: 16-21.

(5) سفر الخروج 21: 18-19.

(6) سفر الخروج: 22-21.

(7) ينظر: التوراة والقرآن أين يتفقان وأين يختلفان، د. حسن الباش، ص436، ط دار قتيبة، ط2، 1422هـ.

(8) سفر التثنية 22: 22-25.

(9) سفر التثنية 20: 10-11.

(10) سفر اللاويين 19: 20.

(11) سفر التثنية: 13/ 17.

(12) سفر الأمثال: 23/ 17.

(13) سفر الأمثال: 24/ 1.

(14) سفر زكريا: 7/ 9 -10.

(15) سفر الجامعة: 7/ 7.

(16) سفر الأمثال 4/ 16- 19.

(17) سفر المزامير: 119: 21.

(18) سفر المزامير: 11/ 7.

(19) سفر التثنية: 16/ 20.

(20) سفر العدد: 15: 15-16.

(21) سفر اللاويين: 19: 34.

(22) سفر التثنية: 14/ 29.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة