تهويد مُمنهج..
كيف استغل الصهاينة انشغال العالم بحرب غزة لفرض سيادتهم على المسجد الأقصى؟

منع صلاة الجمعة
وصلاة الجماعة في المسجد الأقصى، وإقامة صلوات يهودية في الساحة الشرقية للمسجد
أمام قبة الصخرة مباشرة، وكسر منظمات «الهيكل» الرقم القياسي لمقتحمي المسجد
الأقصى (4 آلاف في ذكرى «خراب الهيكل» أغسطس 2025م بدلاً من 3 آلاف عام 2024م).
هذه الأمور حدثت، لأول مرة بالمسجد الأقصى، خلال الشهور القليلة الماضية، ضمن المحاولات «الإسرائيلية» المنظمة لـ«تهويده»، وتغيير الواقع التاريخي والديني للمسجد، ضمن مشروع استيطاني أوسع يُحاول فرض سيطرة كاملة على القدس المحتلة، عبر إجراءات تهدف إلى طمس الهوية الإسلامية والعربية للموقع، وتعزيز الرواية اليهودية بشأنه
هذه المظاهر
الجديدة للتهويد الممنهج للمسجد الأقصى أضيفت لسلسلة أخرى قديمة من عمليات
التهويد، منها: الحفر وبناء أنفاق بداخلها معابد يهودية أسفله والتنقيبات تحته
بدعوى البحث عن آثار «الهيكل» المزعوم؛ ما يُهدد أساسات المسجد ويُسبب تشققات في
هياكله، وبالتزامن، وقف أعمال الترميم الإسلامية في «الأقصى» بحجة تغيير المعالم
التاريخية.
من مظاهر التهويد التقسيم الزماني والمكاني عبر تحديد أوقات لاقتحامات المستوطنين وأماكن للصلاة
من مظاهر
التهويد أيضاً التقسيم الزماني والمكاني، عبر تحديد أوقات لاقتحامات المستوطنين
للمسجد وأماكن للصلاة مثل ساحة «الأقصى»، قبالة قبة الصخرة، وبالتزامن فرضت شرطة
الاحتلال قيوداً على دخول المسلمين إليه، خاصة في أيام الأعياد اليهودية أو
المناسبات السياسية.
ويهدف الاحتلال
لتكرار مؤامرة تقسيم الصلاة التي نفذها في المسجد الإبراهيمي بالخليل، لحد منع الأذان
والصلاة أيام أعياد اليهود، والتي ختمها الاحتلال بقرار يسلب الأوقاف الإسلامية
حقها في الإشراف على «الإبراهيمي» ونقله لمجلس مستوطنات كريات أربع، وذلك بالسعي
لتطبيقها في «الأقصى».
ومن وسائل
التهويد أيضاً الإعلامي والتعليمي، حيث يطمس الاحتلال أسماء الشوارع الإسلامية
ويغيرها بأسماء يهودية، وتُرويج «إسرائيل» لرواية مفادها أن المسجد الأقصى بُني
فوق «هيكل سليمان»، وتدريس هذه الرواية في المناهج «الإسرائيلية»، واستخدام
مصطلحات عبرية مثل «هار هابايت» (جبل الهيكل) بدلاً من الحرم القدسي الشريف في
الخرائط والوثائق الرسمية؛ إذ إن الهدف من تهويد «الأقصى» ليس مجرد سيطرة اليهود
عليه، ولكنه مشروع استعماري يهدف إلى طمس الهوية الفلسطينية والإسلامية تماماً.
استغلال الحرب
حين اندلعت
الحرب بين الاحتلال والمقاومة في غزة، استغلت المجموعات الصهيونية من جماعات
الهيكل ووزراء التيار الديني (الصهيونية الدينية) في حكومة بنيامين نتنياهو الحرب،
لفرض أمر واقع وزيادة اقتحام المستوطنين لـ«الأقصى» والصلاة فيه بالمخالفة بما
يسمى الوضع القائم المتبع منذ عام 1967م، وبموجبه يُسمح بالزيارة فقط لليهود دون
الصلاة داخل «الأقصى».
وحين تكرر الأمر
واندلعت الحرب مع إيران، استغلت سلطات الاحتلال ذلك لغلق أبواب المسجد الأقصى،
قبلة المسلمين الأولى، حيث منعت صلاة الجمعة 13 يونيو 2025م، ثم ظلت تغلقه بالكامل
طوال فترة الحرب وما بعدها، ومنعت كل أهالي القدس من دخوله، مع كل أذان للصلاة
تاركة باحاته فارغة، لا يصدح فيها إلا صوت المؤذن وبعض الحراس القلائل الذين سُمح
لهم بالتواجد فقط، بينما سمحت بتواجد المستوطنين للصلاة داخله.
.. والتهويد الإعلامي والتعليمي حيث يطمس الاحتلال أسماء الشوارع الإسلامية ويغيرها بأسماء يهودية
كان الهدف من هذا الانتهاك الصارخ لحرمة المسجد، والعدوان المتواصل على حق المسلمين في العبادة، استغلال حجة الحرب لفرض السيادة الصهيونية على المسجد، واستكمال خطط التهويد والسيطرة، حيث تعاملت سلطات الاحتلال مع «الأقصى» باعتباره جزءاً من الدولة اليهودية مثل «تل أبيب» برغم أنه من المقدسات الإسلامية المحتلة.
ويقول د. عبدالله
معروف، أستاذ دراسات بيت المقدس، مسؤول الإعلام والعلاقات العامة بالمسجد الأقصى
سابقاً: إن هذا التصرف «الإسرائيلي» يعني أنه يعتبر المسجد الأقصى جزءاً من «إسرائيل»،
ويتعامل معه كما يتعامل مع الأراضي «الإسرائيلية» التي يمتلك عليها السيادة
الكاملة، موضحاً أن الاحتلال لا يترك أي فرصة تفوته في ظل أوضاع الحرب الحالية،
ليُثبت أنه يمتلك السيادة الكاملة على المسجد الأقصى المبارك، ومن ذلك ما حدث مع
بداية الهجوم على إيران بغلقه ومنع المصلين.
ويصف ذلك بأنه أمر
في منتهى الخطورة؛ لأنه يعني أن الاحتلال لم يعد يعتبر المسجد الأقصى أراضي ذات
طبيعة خاصة من حيث السيادة أو الإدارة، وإنما بات يعتبره جزءاً أصيلاً من دولة
الاحتلال «الإسرائيلي»!
وقال د. معروف:
إن في ذلك رسالة يريد الاحتلال أن يرسلها للعالم الإسلامي كاملاً؛ مفادها أن
المسجد الأقصى عنده يتم التعامل معه كما يتعامل مع كامل الأراضي «الإسرائيلية»؛ أي
تحت سيادته الكاملة، تماماً كما «تل أبيب»!
د. معروف: الاحتلال بات يعتبر المسجد الأقصى جزءاً أصيلاً من دولة «إسرائيل» كامل السيادة عليه!
وقبل هذا التعدي
الصارخ على المسجد ومنع الصلاة والمصلين، كثف المستوطنون من جماعات «الهيكل»
اقتحامهم للمسجد لفرض واقع جديد وتقسيم الصلاة داخله، كما كثفوا محاولات إدخال
قرابين (ماعز) ضمن طقوس «الهيكل»، ضمن محاولاتها لتغيير الهوية الإسلامية للمكان،
باعتبارها مقدمة لتأسيس «الهيكل» مكان المسجد؛ حيث يزعم الصهاينة أن المسجد الأقصى
المبارك، ومنطقة قبة الصخرة تحديداً، يوجد أسفلها «الهيكل» المزعوم وفق الأسطورة
التوراتية!
التهويد الخبيث ببطء
وقد كشف الباحث
في شؤون «الأقصى» زياد أبحيص أن الاحتلال بدأ يتبع هذا العام (2025م) عمليات التهويد
بالخطى البطيئة، ونجح مع جماعات «الهيكل» ووزراء الحكومة المتطرفين ما بين أعوام
2008 و2025م، في مضاعفة المدة التي يفرضها الاحتلال على المسلمين لاقتحامات
المستوطنين للمسجد؛ وذلك ضمن محاولتهم تقسيم «الأقصى» مع اليهود زمانياً؛ أي تحديد
وقت لهم ووقت للمسلمين.
وأوضح أنه في
عام 2008م، بدأت شرطة الاحتلال بمحاولة فرض فترات للاقتحامات الصهيونية بتحديد
الساعات ما بين 7 - 10 صباحاً للمتطرفين الصهاينة، ومحاولة تقييد دخول المصلين
المسلمين إلى المسجد «الأقصى» وقتها، لكن الآن وبعد مرور 17 عاماً بات المقتحمون
يستحوذون على فترتين للاقتحام؛ الأولى: صباحية ما بين 7 - 11:30، والثانية مسائية
ما بين 1:30 - 3:00؛ أي جرى تمديد الاقتحامات بواقع نصف ساعة في كل فترة، حتى باتت
اليوم تشكل ضعف الوقت.
وأكد أبحيص أن
منظمات «الهيكل» لا تكتفي بذلك، بل وتطالب علناً بالوصول إلى أحد سقفين؛ إما أن
يُفتح «الأقصى» مناصفة بين المسلمين واليهود بحيث تتساوى ساعات الدخول والمنع
بينهما، وإما أن يسمح بالاقتحامات في كل الأوقات والأيام؛ ما يعني أن الهدف هو
تقسيم الصلاة داخل المسجد أيضاً مكانياً بتحديد الساحة الشرقية للمسجد التي
يحولونها إلى معبد خلال اقتحاماتهم المنتظمة، وما يزال التهويد البطيء يواصل
خطواته.
وقد تميّز هجوم
الصهيونية الدينية على المسجد الأقصى بمناسبة عيد الفصح اليهودي هذا العام (أبريل
2025م) بـ3 سمات غير مسبوقة، هي:
1- تجاوز عدد
المستوطنين الذين اقتحموا ساحات المسجد 7 آلاف؛ ما يماثل تقريباً ضعف عدد
المقتحمين في العام الماضي.
2- الأداء
الصريح والواضح والمتكرر للصلوات التلمودية داخل ساحات المسجد، بقيادة وزراء
وأعضاء كنيست شاركوا بأنفسهم في أداء الصلوات، وهذا لم يسبق أن سُمح به رسميّاً
طوال أعوام احتلال القدس والمسجد الأقصى منذ عام 1967م.
3- دعم الحكومة «الإسرائيلية»
الفاشية هذه الاقتحامات والصلوات التلمودية، وهو ما تفاخر به الوزير الفاشي سليل
حركة «كاخ كهانا» الفاشية، المستوطن إيتمار بن غفير.
وكان هدف الحركة
الصهيونية الدينية تنفيذ وتكرار ما جرى في الحرم الإبراهيمي؛ بفرض تقسيم زماني
ومكاني داخل المسجد الأقصى، وجعل أداء الصلوات اليهودية فيه أمراً معتاداً،
تمهيداً لتحقيق الحلم الصهيوني التلمودي بهدم المسجد الأقصى وبناء «الهيكل»
المزعوم فوق أنقاضه.
أبحيص: منظمات «الهيكل» تطالب بفتح «الأقصى» مناصفة بين المسلمين واليهود أو الاقتحامات بكل الأوقات!
ولا توجد علاقة
دينية بعد احتفال الصهاينة بعيد الفصح اليهودي، باقتحام المسجد الأقصى، ولكن
منظمات الهيكل التي تريد هدم المسجد وبناء الهيكل مكانه بدأت منذ عدة سنوات تربط
بين العيد واقتحام المسجد عبر ربط الاقتحام بمحاولة ذبح قرابين لـ«الهيكل» داخله
كنوع من التطهر ليدخله بقية اليهود المنقسمين حول هذا الطقس؛ إذ يصر اليهود
المتدينون المتطرفون من جماعات «الهيكل» خصوصاً على أن ذبيحة الفصح لا يمكن أن تتم
إلا هناك في باحة المسجد الأقصى حيث «الهيكل» المزعوم.
ويزعمون أن «جبل
الهيكل»، ومعبد «هيرود» الذي يقول اليهود: إنه بُنِيَ على أنقاض «هيكل سليمان»،
موجود مكان مسجد قبة الصخرة، وهناك يريدون بناء معبد جديد وهدم هذا المسجد.
وفي السنوات
الأخيرة، صعدت منظمات يهودية متطرفة، مثل «عائدون إلى جبل الهيكل» و«كهنة المعبد»،
من دعواتها العلنية لتقديم هذه القرابين داخل المسجد الأقصى، غير آبهة بمكانته
الدينية عند المسلمين.
إلغاء الوضع القائم
عقب احتلال
القدس عام 1967م، ولتفادي إغضاب المسلمين، فرض الاحتلال ما سُمي بـ«الوضع القائم»
الذي يسمح لليهود بدخول ساحة المسجد الأقصى للزيارة فقط دون أي صلاة، وكانت الشرطة
«الإسرائيلية» تقوم بإخراج المستوطنين اليهود من مجمع الحرم القدسي لو قاموا
بالصلاة داخله، وهو ما دأب الاحتلال على تكرار إعلان الالتزام به إعلامياً، ولكن
تم انتهاكه فعلياً على أرض الواقع.
وقد أصدرت محكمة
«إسرائيلية»، في 22 مايو 2022م، قراراً يجيز لليهود والمستوطنين أداء صلواتهم في
باحات «الأقصى» جهراً، وذلك بعد حكم سابق للمحكمة ذاتها، في أكتوبر 2021م، بالسماح
لليهود بالصلاة في باحات المسجد الأقصى في صمت، ولم يكن الحكم الجديد الذي يسمح
للمستوطنين بأداء صلواتهم التلمودية بصوت عال، والقيام بما يشبه الركوع على أرض
المسجد الأقصى (يصيحون باللغة العبرية «شيماع يسرائيل»؛ وتعني «اسمع يا إسرائيل»)
سوى خطة صهيونية عمادها التغيير التدريجي للوضع في «الأقصى» وفرض التقسيم المكاني،
بعد الزماني المعمول به حالياً.
ولأن الحكم يغير
سياسة الوضع الراهن المقررة من جانب موشي ديان عقب احتلاله القدس عام 1967م، فقد
ألغت محكمة الاستئناف «الإسرائيلية»، في 25 مايو 2022م، السماح لليهود المستوطنين
بأداء صلواتهم التلمودية بـ«صوت عالٍ» في المسجد الأقصى، لكنها أبقت الحكم السابق
بالسماح لهم بالصلاة داخل ساحة «الأقصى» بصوت منخفض، برغم أن هذا أيضاً يخالف الوضع
الراهن!
ومع مجيء حكومة
نتنياهو، قرر وزراء الحركة الصهيونية الدينية إلغاء هذا الوضع الراهن فعلياً، بحيث
أصبح يُسمح حالياً للمستوطنين ليس فقط بالصلاة في المسجد الأقصى وبصوت عالٍ، بل
وسمح لهم بالقيام بـ«السجود الملحمي» ضمن صلاة خاصة بـ«الهيكل» والاقتراب من قبة
الصخرة.