هل أنهى ترمب سياسة أمريكا بشأن تغيير الأنظمة بالفعل؟ ولماذا؟

محمد جمال عرفة

18 نوفمبر 2025

65

في تحول جوهري لافت في العقيدة السياسية الأمريكية، ألغت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب سياسة التدخل في شؤون العالم من أجل تغيير الأنظمة، بعد عقود من التدخلات العسكرية ومحاولات تغيير الأنظمة في الشرق الأوسط وآسيا وأمريكا اللاتينية.

من كشف ذلك هي مديرة الاستخبارات الأمريكية تولسي غابارد، خلال مشاركتها في حوار المنامة، 31 أكتوبر 2025م، وهو مؤتمر أمني سنوي ينظمه المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في البحرين.

وفي كلمتها، أكدت ما أعلنه ترمب خلال زيارته إلى الشرق الأوسط، فخلال القمة السعودية الأمريكية، في 13 مايو 2025م، قال ترمب: إن التدخل الغربي وتغيير الأنظمة كانا من أبرز أخطاء الإدارة الأمريكية الماضية.

ولكن، في 22 يونيو 2025م، بعد الضربات الجوية الأمريكية للمنشآت النووية الإيرانية، غرد بأنه إذا النظام الحالي في إيران غير قادر على جعل إيران عظيمة مجدداً، فلماذا لا يكون هناك تغيير في النظام؟ ما اعتبر تلميحاً مباشراً إلى تغيير النظام وتناقضاً مع ما قاله سابقاً عن عدم التدخل لتغيير الأنظمة!

وقد فسرت مديرة الاستخبارات الأمريكية ذلك بقولها: ظلت سياستنا الخارجية على مدى عقود عالقة في حلقة مفرغة وغير مجدية وتُطبق على الجميع من إسقاط الأنظمة، ومحاولة فرض نظام حكمنا على الآخرين، والتدخل في صراعات بالكاد نفهمها، ثم نغادر بعد أن نخلف وراءنا أعداء أكثر من الحلفاء.

وأضافت: أما النتائج فإنفاق تريليونات الدولارات، وفقدان عدد لا يحصى من الأرواح، وفي كثير من الحالات، خلق تهديدات أمنية أكبر.


x.com
x.com
×

https://x.com/ODNIgov/status/1984331585546580385

لكن مديرة الاستخبارات غابارد لم تذكر أو تُفسر نشر ترمب لسفن حربية قبالة سواحل أمريكا الجنوبية، والضربات القاتلة التي استهدفت قوارب يُزعم أنها تُهرب المخدرات في فنزويلا، وإصداره أوامره لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) بشن عمليات سرية تستهدف فنزويلا، والتكهنات بشأن الإطاحة برئيسها.

وبحسب تقرير سابق لـ«نيويورك تايمز»، انتقدت غابارد حروب تغيير النظام غير المنتجة التي تجعل أمريكا أقل أماناً، التي تودي بحياة المزيد من الناس وتكلف دافعي الضرائب تريليونات الدولارات، وعندما غادرت الكونغرس، بدأت اتخاذ مواقف أكثر تحفظاً وأعلنت في النهاية أنها ستترك الحزب الديمقراطي.

إنهاء تغيير الأنظمة لا يعني التخلي عن النفوذ

هدفُ ترمب التحول من السيطرة السياسية إلى السيطرة الاقتصادية، فهو لم يُلغِ فكرة النفوذ الأمريكي، بل غيّر أدواتها، فبدلًا من التدخل العسكري، استخدم العقوبات الاقتصادية والابتزاز التجاري؛ مثل فرض الرسوم على الصين وروسيا وإيران؛ أي أنه استبدل تغيير السلوك عبر الضغط المالي والدبلوماسي بتغيير الأنظمة.

وفي ولاية ترمب الثانية، استُبدلت الأهداف الأمريكية السابقة، المتمثلة في تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية في المنطقة، بالتركيز على الرخاء الاقتصادي والاستقرار الإقليمي، ويشمل ذلك تأمين وقف إطلاق النار الذي أوقف الحرب بين «إسرائيل» و«حماس» في قطاع غزة، واحتضان الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، وفرض إنهاء حرب «إسرائيل» على إيران التي استمرت 12 يومًا، بعد أن قام بإرسال قاذفات أمريكية لمهاجمة المواقع النووية الإيرانية.

ويبدو أن إنهاء سياسة تغيير الأنظمة لا يعني أن الولايات المتحدة تخلت عن نفوذها، أو سعيها لتغيير أنظمة، بل غيرت أدواته من التدخل العسكري إلى الضغط الاقتصادي والإعلامي والدبلوماسي؛ أي أن المبدأ الأمريكي تحول من نشر الديمقراطية الذي بشر به الرئيس الأسبق جورج بوش الأبن عقب هجمات 2001م، إلى إدارة النفوذ، ومن إسقاط الأنظمة إلى التفاوض مع الأمر الواقع، كما هي الحال في التعامل مع الوضع في غزة، والنظام السوري الجديد، والأفغاني وغيرها.

لماذا أوقف ترمب تغيير الأنظمة؟

ويُمثل إنهاء ترمب سياسة أمريكا بشأن تغيير الأنظمة تحولًا جوهريًا في العقيدة السياسية الأمريكية، ولكن لماذا فعل ذلك؟

منذ نهاية الحرب الباردة، تبنت الولايات المتحدة سياسة تقوم على تغيير الأنظمة غير الصديقة، سواء عبر الغزو العسكري (العراق 2003م) أو عبر دعم الثورات والانقلابات الناعمة (ليبيا، سورية، أوكرانيا).

لكن مع صعود ترمب إلى السلطة، تراجع هذا التوجه بشكل واضح، إذ أعلن منذ حملته الانتخابية عام 2016م أن حروب تغيير الأنظمة كانت خطأً فادحاً كلّف الولايات المتحدة تريليونات الدولارات وأرواح آلاف الجنود، وفي فترة ولايته الأولى (2020م) ثم الثانية (2025م)، اتضح أن ترمب يسعى إلى تحويل السياسة الخارجية الأمريكية من تغيير الأنظمة إلى حماية المصالح الأمريكية فقط.

دوافع سياسية وداخلية

أما دوافع ذلك، السياسية والداخلية، فهي:

أولاً: سياسة الانكفاء القومي، إذ ينتمي ترمب إلى تيار «ماغا» أو «أمريكا أولًا» (America First) الذي يرفض فكرة بناء الأمم أو تصدير الديمقراطية.

ففي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة (سبتمبر 2019م)، قال: مستقبل العالم لا يُبنى عبر الهيمنة أو التدخل في شؤون الآخرين، بل عبر احترام السيادة الوطنية لكل دولة، وفي هذا الخطاب عبر عن تحول من الهيمنة الليبرالية إلى الواقعية القومية، حيث لم تعد واشنطن ترى مصلحة في إسقاط الأنظمة ما لم تهدد أمنها المباشر.

أما السبب الثاني لتغيير ترمب سياسة تغيير الأنظمة فهو الغضب من تحول دور المؤسسة العسكرية، إذ اتهم ترمب أجهزة الاستخبارات ووزارة الدفاع بأنها تسببت في حروب بلا نهاية.

وفي مقابلة مع قناة «Fox News» (يونيو 2020م) قال: «سي آي إيه» والبنتاغون ظلّا يديران العالم كأنهما حكومة ظل وحان الوقت لإنهاء حروبهما بشأن تغيير الأنظمة، وبذلك وجه ضربة للنهج التقليدي الذي ساد منذ إدارة بوش الابن، حيث كانت الاستخبارات تقود عمليات هندسة سياسية في الخارج.

السبب الثالث اقتصادي؛ وهو تكلفة هذه الحروب الخارجية، حيث إن ترمب رجل أعمال يهمه المال، فقد بلغت تكلفة حربي العراق وأفغانستان أكثر من 6 تريليونات دولار، بحسب تقرير لجامعة براون عام 2023م، وهذه الكلفة دفعت ترمب إلى إعلان أن أولوية الإنفاق يجب أن تكون داخل الولايات المتحدة، خصوصاً في البنية التحتية والاقتصاد المحلي، وقال في خطاب ولاية أوهايو، عام 2024م: لن نُسقط نظامًا آخر باسم الديمقراطية بينما طرقنا وجسورنا تنهار.

إنهاء سياسة تغيير الأنظمة لا يعني بالتالي أن الولايات المتحدة تخلت عن نفوذها، بل غيّرت أدواته من التدخل العسكري إلى الضغط الاقتصادي والإعلامي والدبلوماسي، وترمب ليس انعزالياً كما يُقال، وإنما انتقائي لا يتدخل إلا حين تكون المصالح الأمريكية المباشرة على المحك.






_____________________

1- US national intelligence director says former American strategy of ‘regime change’ is over

2- https://apnews.com/article/gabbard-trump-foreign-policy-bahrain-manama-dialogue-f06d1bcfb12c054ded2298e1ad07f78c

3- SCOOP: Tulsi Gabbard touts Donald Trump's record as a peacemaker to Manama Dialogue in Bahrain

4- https://washingtonreporter.news/p/scoop-tulsi-gabbard-touts-donald

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة