نجل الشيخ أحمد ياسين لـ«المجتمع»: الصلاة بـ«الأقصى» قريبة جداً

محمد العبدالله

05 نوفمبر 2025

117

كابد الأحداث، وعايش الحروب، ورأى الأهوال، حياته ليست كبقية الحيوات، فقد رأى الموت عياناً، ونجا منه بأعجوبة؛ قذف به صاروخ «إسرائيلي» 50 متراً في عملية اغتيال والده الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة «حماس» والأب الروحي لها، عقب صلاة الفجر في مارس 2004م، في حي الصبرة وسط مدينة غزة، ولم يستفق إلا بعد يومين من استشهاد والده.

استفاق عبدالغني النجل الأصغر للشيخ ياسين على فاجعة اغتيال والده، لكنه غالب اليأس واستقرت نفسه وبُعث فيها الأمل من جديد ليَحيا به ويُحيي معه آخرون، حيث قام مع أشقائه بإعادة منزل والده وترميمه، ليكون متحفاً ومزاراً عاماً يتردد عليه الجميع ليعرفوا بساطة الشيخ وزهده ومقتنياته ومكتبته.

لكنه أكد لـ«المجتمع» خلال حديثه لها، أنه عندما وصل لمنزل والده عقب معركة «طوفان الأقصى»، وجده قد تحوّل كغيره إلى ركام عبر روبوت متفجر، ولم يبقَ من مقتنيات الشيخ إلا النذر اليسير.


ومن خلال الصور التي حصلت عليها «المجتمع»، تظهر بقايا مقتنيات الشيخ ياسين مبعثرة ومقبورة تحت الركام، وقد بقي كرسي الشيخ المتحرك شاهداً على عجز أمة همدت تحت ركام الخوف، ومن تحت أنقاض الهلع تنظر بعين مرتجفة، تشاهد أطلال منزل الشيخ ياسين وغيره، ليكون شاهداً على سباتها وطول نومها.



وبقيت بعض كتبه التراثية والثقافية، حيث ظهر منها «المدونة الكبرى» لتدوّن هذه المرة ليس مسائل فقهية، لكن جرائم ارتكبت على مرأى من العالم، تدوّن خذلاناً وعالماً لا يرحم، ومنظمات حقوقية تكتفي بالمشاهدة فقط!

ظهر من بين الكتب «المجموع»؛ الذي شهد هذه المرة على تفرق وتشرذم وعي أمة نسيت قضيتها؛ التي كانت تتفاخر بمقاومة المحتلّ، وحينما جاءت «طوفان الأقصى» غرقت في أمواج المشاهدة والجدل والتنظير، ليتفرق وعيها من جديد بعد أن فاجأتها المعركة وكشفت زيف وضعف عدوها.

  • بداية، أنت عايشت الموت مراراً ونجوت من موت محقق أثناء عملية اغتيال والدك، لكن معركة «طوفان الأقصى» ليست كغيرها، فكيف عشتموها؟ وما انعكاسها عليكم؟

- نعم، نحمد الله على النجاة، لكن أصبت بإصابة بالغة وأجريت لي عدة عمليات، وبدأت في التحسن.

وعن معركة «طوفان الأقصى»، فالتأكيد ليس كغيرها من الحروب؛ هي الأشرس، فقد أخذت منا كل ما نملك؛ بيتي 3 طوابق، وبيت نجليّ أحمد ومحمود، وبيت الوالدة ومتحف الشيخ؛ الذي كان معلماً تراثياً وثقافياً لكل الناس.

كما دمرت سياراتنا وأموالنا، وآخر شيء فقدت أغلى ما نملك ابني الثاني أحمد؛ الذي استشهد في المعركة، أما ابني الثالث محمود مصاب وما زال بالمستشفى ينتظر خروجه من غزة للعلاج والحمد لله على كل حال.

  • من خلال معايشتك لغزة وواقعها، صف لنا عن قرب نبض الشارع الغزاوي بعد إعلان وقف الحرب، وما يحدث من خروقات من قبل جيش الاحتلال.

- الشعب الفلسطيني كله في حيرة، يترقب بخوف وحذر عودة الحرب، لكن يعيش في يقين وعلى أمل عودة فتح المعابر وإخراج الجرحى، وإدخال المعدات الثقيلة والمساعدات، لحاجة الجميع إلى إعادة بناء منازلهم قبل توغل فصل الشتاء علينا ببرده القارس الذي لا يرحم أحداً.

منزل الشيخ تم تفجيره بالكامل لهذا السبب

  • بعد كل قصف وغارة صهيونية تترد عبارة «تصعيد وانتهى»، لكن ماذا يعني ذلك على الأرض من خسائر لأهالي غزة؟

- الغارة والقصف كخبر، ليس كدمار على الأرض، فالناس يتلقونه خبراً وحدثاً يومياً، أما أهالي غزة فيعني جرحاً جديداً وفقد حبيب، وعائلة جديدة تمحى من السجل المدني، وحتى اللحظة ما زالت العائلات تخرج جثامين أولادها من تحت الركام.

  • قدمتم شهداء كُثُراً بداية من الوالد مروراً بابنك حسام في «العصف المأكول»، ماذا عن بقية العائلة؟ وكيف انعكس ذلك على مسارها داخل القطاع؟

- تم نزوح العائلة وجلوسها بالخيام وتدهورت حالة أولادي الصحية كثيراً، وبعد معاناة كبيرة، تم خروج زوجتي وبناتي للعلاج في مصر.

وبقيت أنا وابني أحمد، ومحمود، لكن قدّر الله أن يتم اصطفاء ابني الثاني أحمد مقبلاً غير مدبر شهيداً، وابني الثالث مصاب وهو ما زال بغزة ينتظر الخروج للعلاج بمصر أو أي دولة.

كما فقدنا من أولاد إخوتي أكثر من 8 شهداء، وهم أحفاد الشيخ، وطبعاً كل بيوتهم تم استهدافها وتدميرها.

  • ربما يسأل سائل في ظل ما حدث في المعركة: أين منزل الشيخ أحمد ياسين؟ وماذا حدث له؟ وكيف انعكس ذلك على نفوس أهل غزة؟

- منزل الشيخ مثله مثل أي منزل في غزة، فقد تم زرع روبوت وتفجيره بالكامل، طبعاً أصابنا الحزن الشديد؛ لأن منزله كان بمثابة متحف ومعلم أثري لكل العالم، لكنه تم نسفه بالكامل ولم يبقَ أي ذكرى للشيخ ياسين.

  • هل متعلقات ومقتنيات الشيخ ياسين ما زالت باقية، أم دمرها الاحتلال في قصفه الغاشم؟ وهل تعمّد ذلك أثناء المعركة؟

- منزل الشيخ أحمد ياسين تعرض للقصف مرتين خلال هذه الحرب، ففي المرة الأولى تم قصفه قصفاً جزئياً، لكن تم ترميمه.

فقدنا من أولاد إخوتي 8 شهداء وهم أحفاد الشيخ ياسين

وفى الثانية خلال اجتياح حي الصبرة؛ تم استهدافه بالكامل، ولم يبقَ أي ذكرى من مقتنيات الشيخ.

ولكي تكتمل الصورة في ذهن القارئ، فإن منزل الشيخ ياسين كان يتكون من 3 حجرات:

الأولى: كانت بمثابة مكتب الشيخ وخصصت لاستقبال الضيوف، وهي تلي مدخل المنزل مباشرة، وزينت جدرانها ببعض الصور القديمة للشيخ مع عدد من الشخصيات الوطنية الفلسطينية كالرئيس الراحل ياسر عرفات وغيره.

الثانية: تضم سرير الشيخ وما تبقى من كرسيه المتحرك؛ الذي استشهد على متنه، وحاملاً حديدياً كان يستخدمه بمساعدة أحد أبنائه لقراءة القرآن.

الثالثة: وتضم مئات الكتب الدينية والثقافية التي كان يمتلكها الشيخ قبل أن يودع سجون الاحتلال نهاية الثمانينيات.

المقاومة فكرة.. والفكرة لا تتجزأ في أي زمان أو مكان

ويفصل بين الحجرتين ممر صغير استغلّ لوضع الهدايا والدروع؛ التي تسلمها الشيخ من المؤسسات العربية والفلسطينية، ولكن كل ذلك انتهى بسبب ما اقترفه الاحتلال من جرائم.

  • من خلال خبرتك في القطاع الزراعي، هل يوجد قطع أرض صالحة للزراعة في غزة بعد «طوفان الأقصى»؟ وما التحديات التي تواجهكم حالياً؟

- لا يوجد أي أرض صالحة للزراعة في جميع القطاع؛ بسبب المواد الكيميائية المتفجرة التي استخدمها الاحتلال وأدى إلى فساد الأرض وأهلكت الحرث والنسل، فعلى مدار عامين لم ترَ الأرض ولم تروَ إلا بالدماء، ولم يزرع فيها إلا الألغام والمتفجرات وعظام الموتى.

  • قضية تحرير الأسرى قضية معقدة وموجعة، حدثنا عمن عادوا للقطاع بعد تحريرهم، ولم يجدوا منازلهم ولا عوائلهم. 

- المشهد أكبر من أن يوصف، فالشعور بالصدمة والقهر وتدمير غزة، أفقد الأحبة فرحتهم، وغطّى على فرحة الخروج من الأسر، بسبب فقد عوائلهم وأحبائهم ومنازلهم، كل شيء قد تغيّر.

  • أخيراً، ومن خلال معايشتك لوالدك، ماذا كنت تتوقع من نصائح صادقة لو كان حيّاً بيننا الآن وشهد «طوفان الأقصى» بكل أهوالها؟

- بالتأكيد كان سيؤكد عدم تسليم سلاح المقاومة، وأن الاحتلال إلى زوال، وسوف يتم تبييض السجون؛ لأن المقاومة فكرة، والفكرة لا تتجزأ في أي زمان أو مكان، ويقيناً بالله الصلاة بـ«الأقصى» قريبة جداً وهو محرر يقيناً من دنس الصهاينة.


اقرأ أيضاً:

كيف هز الشيخ أحمد ياسين بكرسيه عرش الاحتلال؟

أحمد ياسين.. الشيخ القعيد الذي تنبأ بزوال «إسرائيل»

الشيخ أحمد ياسين.. قائد استثنائي وملهم الأجيال

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة