5 أدوار للمرأة في بناء هوية الأمة

محرر الأسرة

22 أكتوبر 2025

61

يعبر مفهوم الهوية الدينية عن الوعي الجمعي للأمة بالقيم العقدية والأخلاقية والسلوكية التي تميز المجتمع المسلم، وفي القلب من صناعة هذه الهوية نجد المرأة المسلمة شريكة الرجل؛ قال تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) (آل عمران: 195)؛ فالإسلام كلف المرأة كما كلف الرجل وساوى بينهما في العمل والجزاء، وأثبت لها دوراً محورياً في بناء الأمة؛ دينياً وثقافياً.

مظاهر دور المرأة في صناعة هوية الأمة

1- المرأة مربية الأجيال وصانعة الوعي الإيماني الأسري:

الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء أي مجتمع، فإذا صلحت هذه اللبنة صلح البناء وتماسك، والهوية الإسلامية للمجتمع تبدأ من التأسيس لهوية الأسرة.

فمن الأم تبدأ صناعة الهوية في أسرتها الصغيرة، وهي المدرسة الأولى للقيم والعقيدة والأخلاق والسلوك؛ قال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) (الأحزاب: 34)؛ يقول ابن كثير: «أمرهنّ الله أن يلزمن بيوتهنّ ليتفرغن للعلم والعمل، وليُعلّمن الناس ما يُتلى في بيوتهن من آيات الله»(1).

فالتفرغ لتعلم الدين، ثم الدعوة إليه في نطاق الأسرة مهمة جليلة، يقول ابن القيم: «الأم هي أول معلم في الحياة، وبصلاحها تصلح فطرة الولد ودينه»(2)، ومن ثم فإن التربية الإيمانية التي تغرسها الأم تعتبر اللبنة الأولى في تشكيل الهوية الدينية للأسرة والمجتمع.

إن من أسمى بناء الإنسان المسلم، ولن يقوم بهذه المهمة إلا أُم واعية متفقهة وربما متفرغة لها.

2- المرأة ناقلة للعلم الشرعي وحافظة للسُّنة:

ومن تمام دور المرأة التربوي والثقافي طلبها للعلم خاصة الشرعي، ونقله لأبنائها وبنات جنسها، وقد كان بيت النبوة خير شاهد على ذلك، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء» (رواه الحاكم في المستدرك)، وقال الذهبي: «كانت عائشة من أفقه الناس وأحسنهم رأياً، يرجع إليها كبار الصحابة في الفتيا»(3).

كما أشار ابن حجر في الإصابة» إلى أن عدد النساء اللاتي روين الحديث تجاوز الألف، وهو ما يؤكد مساهمتهن في حفظ السُّنة وتفسيرها، وبذلك أسهمت المرأة المسلمة منذ فجر الرسالة في بناء المرجعية الشرعية التي تستمد منها الأمة هويتها.

3- المرأة قدوة في العبادة والورع:

تشكل القدوة أهم العناصر المؤثرة في تلقي المربي عن مربيه، وقد ضربت نساء الإسلام عبر التاريخ في الطاعة والورع والعلم وحمل الدعوة أروع الأمثلة، وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على نساء قريش فقال: «خير نساء ركبن الإبل نساء قريش، أحناه على طفل، وأرعاه على زوج» (رواه البخاري).

ويرى الغزالي أن صلاح الأمة أساسه صلاح نسائها فيقول: «به تتجدد أخلاق النبوة ويقتبس الناس الورع والتقوى»(4).

وقد قدمت المرأة نماذج مشرفة في طلب العلم ثم تبليغه، وصارت من المحدثين ومن العلماء، وقد أثبتت التجارب أن المرأة المتعلمة هي الأكثر قدرة على القيام بواجباتها الأسرية والتربوية والثقافية، ولذلك دعتها النصوص للعلم والعمل في نطاق أنوثتها ودورها الحضاري ومكانتها ومراعاة طبيعتها الفطرية.

4- المرأة صوت إصلاحي في المجال العام الديني:

تؤكد أحداث التاريخ الإسلامي أن النساء شاركن بقوة في المهام الدينية المتعلقة بالدعوة وتبليغها سيما في المراحل الأولى، فقد نشطت السيدة خديجة رضي الله عنها في حمل الدعوة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وتحملت عنه أعباء دنيوية كثيرة ليتفرغ لمهمته، وحملت عنه مهمة تربية الأولاد، وكفته مؤنة تلك المهام.

وقد أقر النص القرآني بأحقية المرأة في البيعة للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ۙ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (الممتحنة: 12)؛ وهو إقرار لمبايعة النساء للنبي صلى الله عليه وسلم، وإثبات لدورهن في نصرة الدين(5)، ومن أوائل النساء اللاتي علمت المسلمات الكتابة في المدينة، الشفاء بنت عبدالله(6).

5- المرأة حافظة للقيم الأخلاقية والهوية السلوكية:

القيم الأخلاقية تمثل جوهر الهوية الدينية، والمرأة المسلمة هي الحارس الأبرز لهذه المنظومة، يقول تعالى: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) (النساء: 34)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة» (رواه مسلم)، يقول ابن عاشور: «صلاح المرأة في بيتها أصل لصلاح الأمة، إذ به تحفظ المقاصد العليا للدين في العِرض والأخلاق»(7).

لقد منح الإسلام المرأة مقومات المشاركة الإيمانية العملية وقدر مهمتها لتكون شريكة كاملة في صياغة الضمير الديني للأمة.




________________

(1) تفسير ابن كثير، ج6، ص409.

(2) تحفة المودود، ص22.

(3) سير أعلام النبلاء، ج2، ص139.

(4) إحياء علوم الدين، ج2، ص44.

(5) تفسير الطبري، ج28، ص73.

(6) الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبدالبر، ج4، ص1850.

(7) التحرير والتنوير، ج4، ص289.  

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة