غزة انتصرت ومقاومتها لم تستسلم

هل استسلمت غزة؟! سؤال راود البعض وخاصة المذبذبين
الذين ينظرون بعين عوراء إلى أن الجلوس على طاولة المفاوضات للتوصل إلى وقف إطلاق النار
ووقف الحرب فيه هزيمة واستسلام للمقاومة.
قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد أن يقف كل
مسلم مع نفسه من جديد ويراجع نفسه: أين كان يقف والآن أين يقف؟! فلا مجال للتذبذب كما
قال الله تعالى: (مُّذَبْذَبِينَ
بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ
فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا) (النساء: 143).
لا مجال لاختيار اللون الرمادي، فإن لم تكن
مع الحق وتناصره وتدعمه فأنت مع الباطل.
غزة ليست مجرد أرض وطين، بل هي عقيدة ودين
فهي قضية مقدسة لا مجال للوقوف في خط الوسط، لأنه بالأصل لا وسط بينهما مطلقاً.
غزة انتصرت
بكل لغات العالم غزة انتصرت، لا ترفع حاجبيك
عالياً بالاستغراب وسرد أعداد الشهداء والجرحى والدمار الهائل.. اعلم ذلك جيداً.
اعلم أن الشهداء زاد عددهم عن 65 ألفاً، وأكثر
من 250 ألف جريح بينهم أعداد كبيرة من مبتوري الأطراف.
اعلم أن الدمار أكبر من كلمة هائل طال البيوت
والمستشفيات والمدارس والجامعات وحتى أقسام حضانات المواليد في المستشفيات.
اعلم أن الدمار طال جمال غزة وحدائقها وأزهارها
وشجر البرتقال والزيتون وزهر الياسمين.. لكن رغم ذلك فما زالت جميلة.
كيف انتصرت غزة؟
ما زلت تكابر وتشكك وتسأل كيف انتصرت رغم
كل الذي حدث؟! سنعود لليوم السابع من أكتوبر وبالتحديد قبل عامين، كانت «طوفان الأقصى»
لشباب بعمر الزهور اقتحموا عقر الاحتلال، ذلك العدو الذي روج في أذهان العالم بأنه
الجيش الذي لا يهزم.
لقد مرغت المقاومة بجيشه تحت نعاليها، وصلت
صلاة الفتح على أرض فلسطين المسلوبة، وتم أسر أعداد كبيرة من جنوده، من فعل ذلك من
قبل؟! لا تصمت كثيراً وتدور في ناظريك هرباً من الإجابة، فأنت تعلم لم يسبق أحد بذلك
فرجال المقاومة أول من فعلها.
السابع من أكتوبر لم يكن يوماً عادياً؛ بل
غيّر معادلة القوى في العالم، المقاومة قادت أشرس عدوان استمر لعامين بإمكانات بسيطة
جداً مقارنة بالإمكانيات المادية للعدو الصهيوني، لكن الإيمان العميق بعقيدتهم ذات
البوصلة الصحيحة عملاً بقوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ
تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ
اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ
وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) (الأنفال : 60).
المقاومة صبرت وما زالت تدك العدو بصواريخ
صناعة يدوية لعامين، ولم ترفع أبداً راية الاستسلام، مقاومة تطلق صواريخها بأيد طاهرة
متوضئة تسأل الله تعالى السداد والتوفيق، مستذكرة قوله عز وجل: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ
قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ ۚ وَلِيُبْلِيَ
الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأنفال:
17).
أتعلم أن رجال المقاومة كانت تمر عليهم أيام
لا يجدون طعاماً، فقد عانوا الجوع وعاشوا المجاعة، واستشهد العديد من أهلهم ومن بينهم
أبنائهم وأمهاتهم ولم يستطيعوا ترك ميدان الجهاد، لوداعهم ودفنهم؟!
أتعلم أنهم كانوا في غياب قسري عن رؤية أبنائهم؟!
أتعلم أن بيوتهم قصفت وعاشوا فصول البرد الشديد والحر الأشد، ولم يجدوا شيئاً يشربونه؟!
أتعلم أن أقدامهم ترتدي النعال والصندل لا البسطار؟!
أتذكر المقاوم الذي بقي يطلق رصاصه لآخر أنفاسه
في مواجهة دبابة استشهاد بعد أن دهسته الدبابة؟! هل تعلم أن عدداً من رجال المقاومة
قد بترت أقدامهم ولا يزالون في ميدان الجهاد؟!
دماء غالية
دماء الشهداء غالية جداً، وكل شهيد ليس مجرد
رقم يسرد؛ بل هو حكاية بتفاصيل كثيرة لطموحات وإنجازات وعائلة والكثير من الأشياء،
لكن هذه الشهادة اصطفاء من الله تعالى، فهم أحياء عند ربهم يرزقون: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا
فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ
(169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ
لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
(170) ۞ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ
أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران).
هذه الدماء أفشلت مخططات العدو الصهيوني في
القضاء على المقاومة والقضاء على أهالي غزة الصامدين الصابرين المحتسبين، أفشلت مخططات
التهجير، كما أفشلت مخطط الاحتلال بـ«إسرائيل الكبرى»، فما زالت غزة ومقاومتها رأس الحربة في الدفاع ليس عن غزة وعن فلسطين فحسب؛
بل عن الأمة جميعاً.
أتعلم أن أرحام أمهات غزة هن اللاتي أنجبن
المقاومة التي حدثتك عنها؛ أي أن علاقة أهل غزة بمقاومتها علاقة الأم بالابن، وبذلك
مستحيل أن تنتزع هذه العلاقة المتينة، وهذا مصدر من مصادر القوة للمقاومة فالشعب حاضنها
فهي منه وهم منها.
ما زال السلاح مشهراً
من قال: إن المقاومة ألقت سلاحها؟! هذه معلومات
مضللة زعمها الاحتلال، وطبل لزعمها أعوانه من الإعلام المسموم وغيره، المقاومة أكدت
أن سلاحها باق راسخ ووجوده مقرون بوجود الاحتلال؛ (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ
طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا
مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ
وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ
عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً)
(النساء: 102).
لا أعلم حقيقة ما المطلوب أكثر أن أخبرك به
لتيقن انتصار غزة، وأنه لم تستسلم والحرب جولات والمعركة الكبرى معركة التحرير بإذن
الله تعالى ستكون قريبة.
حقيقة لو رأيت النصر بعينك فلن تراه كذلك،
أتعلم لماذا لأنك مذبذب، وفي قضيتنا لا مجال للوقوف بالوسط، فإما أن تقف مع راية «لا
إله إلا الله محمد رسول الله» أو إنك مع الباطل لا مجال للرمادي.
ورغم وجع غزة الغائر، فإنها انتصرت وصمدت
مقاومتها ولم ترفع الراية البيضاء، وتيقن أن جلوس الاحتلال للتفاوض ما كان يأتي بإرادته
إنما رغماً عنه.