أمة بلا هُوية.. المخاطر والعلاج

أحمد جمال

04 مايو 2025

121

ما بين "صراع الأديان والحضارات"، و"نهاية التاريخ"، و"الفوضى الخلاقة"، و"إسرائيل الكبرى"، تقف أمتنا العربية والإسلامية أمام تحد خطير يتعلق بهويتها وشخصيتها، فهل تستطيع تجاوز ذلك، وكيف يمكن تحصينها، وما وسائل النهوض لتقود مستقبل البشرية؟

يقول الدكتور عبد الحميد مدكور، الأمين العام لاتحاد المجامع اللغوية العربية لـ"المجتمع"، إن الحرب الشاملة على الهوية العربية والإسلامية واضحة للعيان، مستشهدا بما جاء فيما يطلق عليه "الإستراتيجية المشتركة للاتحاد الأوروبي في المتوسط" الصادرة عن قمة الاتحاد الأوروبي سنة 2000م، وتؤكد السعي الدائم للاتحاد لتغيير القيم الدينية في الدول العربية والإسلامية المطلة على البحر المتوسط لتتوافق مع القيم الأوروبية الحديثة.

يستعيد "مدكور" ما قاله جورج بوش الابن عند غزو العراق بقوله: "أنا أقود حربا صليبية ضد المسلمين"، وقال الصهيوني مجرم الحرب بنيامين نتنياهو مؤخرا خلال زيارته للمجر "تخوض الحضارتان اليهودية والمسيحية حربا ضد الإسلام والمسلمين".

سلاح الوعي:

يرى "مدكور" أهمية بث الوعي لدى الأسر ووسائل الإعلام والتعليم بكل مراحلها، وكذلك وسائل الثقافة بما تتضمنه من فنون وآداب وغيرها لتعزيز الاعتزاز بهويتنا العربية والإسلامية، وعدم السقوط فريسة أمام الهزيمة النفسية والإحباط والتبعية والإحساس بالدونية وتقليد الغرب، والتأثر بأبواقه التغريبية، والتضييق على الحجاب، وتشجيع التبرج السافر، ومنع تعدد الزوجات، والتضييق على المساجد،  والمساواة بين الجنسين في الإرث والشهادة، وغيرها من الأمور التي تطعن في الهوية، انطلاقا من المقولة الشهيرة للعلامة عبد الرحمن بن خلدون: "المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده".

الهوية.. أسئلة حول الدلالات والتحديات |  Mugtama
الهوية.. أسئلة حول الدلالات والتحديات | Mugtama
لكل أمة من الأمم هوية، ولكل هوية خصائص تتميز بها،...
www.mugtama.com
×

تعزيز الهوية:

ويوضح الدكتور محمد حسن، رئيس قسم علم النفس – جامعة حلوان، في حديثه لـ"المجتمع"، أن توثيق هوية الشعوب يتم من خلال تجاربها وتاريخها وقيمها، مما يعزز الانتماء، وفي نفس الوقت يعد سلاحا لمواجهة الغزو الثقافي والتغريب بكل صوره وأشكاله، وهذا لن يتم إلا من خلال تعزيز مكانة بناة الهوية والمبدعين في مختلف المجالات، فهم جنودها في الحفاظ على هويتها الحضارية، وأمنها الفكري ضد كل محاولات الغزو الثقافي الأجنبي الذي يهدد الهوية الحضارية.

يضيف أن وجود "هُوِيَّةُ " جامعة لكل أبناء الدولة يعد وضعا مثاليا، وهذا لا ينفى ايجابية وجود هويات فرعية مما يعد "نعمة" وثراء فكريا وحضاريا له خصوصية، ولكن إذا كانت الهويات متناحرة متصارعة فإن تنوع وتعدد الهوية يعد "نقمة".

الهوية في العصر الرقمي |  Mugtama
الهوية في العصر الرقمي | Mugtama
لم تعد السلطة ولا المجتمع ولا سطوة التاريخ والأيدو...
www.mugtama.com
×

تجنب التقليد:

ويحذر الدكتور عبد المنعم سلطان، رئيس قسم الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق- جامعة المنوفية، من أن نكون "إمعة" نقلد غيرنا تقليد القردة؛ لأننا أمة ذات هوية متميزة سواء فيما يتعلق بالتعاليم الدينية أو النظرة إلى الدنيا باعتبارها مزرعة للآخرة، وقد دعانا رسولنا صلى الله عليه وسلم إلى الاعتزاز بهويتنا التي تميزنا عن غيرنا من الأمم، فقال: "لا تَكُونُوا ‌إِمَّعَةً، تَقولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تحْسِنُوا، وَإنْ أَسَاءُوا فَلا تَظْلِمُوا" (رواه الترمذي)، فهو دين الوسطية والخيرية، يرفض الرهبنة والعزلة عن أمور الدنيا، قال سبحانه وتعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (القصص:77)، وكذلك يرفض أن نكون ممن جعلوا الدنيا في قلوبهم، ونسوا أن هناك آخرة وحسابا ربانيا على ما قدمناه في حياتنا، قال الله تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) (البقرة:281).

ويشير "سلطان" إلى أن رسولنا صلى الله عليه وسلم حذرنا من التبعية وفقدان الهوية واتباع الضالين الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وللأسف فإن ضعاف الإيمان من المسلمين وقعوا فريسة لتلك الأفكار الضالة التي تستهدف اقتلاعهم من هويتهم الإسلامية والعربية، فقال سبحانه وتعالى: (وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) (البقرة:120).

يتابع: سيظل تربص أهل الكتاب -خاصة اليهود- بهويتنا الإسلامية مستمرا إلى يوم القيامة لأنهم أشد الناس عداوة لنا، ولهذا قال الله تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ)، وحذرنا صلى الله عليه وسلم من التبعية لهم فقال: "لتتَّبعنَّ سَننَ من كانَ قبلَكم حذو القُذَّةِ بالقُذَّةِ حتَّى لو دخلوا جحرَ ضبٍّ لدخلتُموه. قالوا: اليَهودُ والنَّصارى؟ قالَ: فمَن" (رواه البخاري). وتوعد بالهلاك والخسران والضلال من يتنازل عن دينه وهويته تبعية لغير المسلمين فقال: "من تشبَّهَ بقومٍ فَهوَ منْهم" (رواه أحمد).

وأنهى "سلطان" كلامه لـ"المجتمع" مؤكدا أن أمتنا تتصف هويتها بصفتين أساسيتين تميزها عن بقية الأمم، جاء قوله تعالى في الصفة الأولى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (آل عمران:110)، وجاء في الصفة الثانية قوله تعالى: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة:143)، ولن تقوم للأمة قائمة من كبوتها إلا بالعودة لدينها واعتزازها بهويتها ربانية المصدر الصالحة لكل زمان ومكان.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة