هل يعرقل تطور النووي الإيراني لمراحل متقدمة التوصل لاتفاق مع أمريكا؟

رغم التصريحات الإيجابية حول سير المفاوضات غير المباشرة بين أمريكا
وإيران، بشأن البرنامج النووي، أكدت تقارير غربية أن هناك مخاوف حقيقية من أن يعوق
تطور هذا البرنامج لمراحل متقدمة التوصل لاتفاق مع أمريكا.
صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية أكدت، في 8 أبريل 2025م، أن التطورات
المتسارعة في البرنامج النووي الإيراني تُصعب التوصل إلى اتفاق هذه المرة؛ لأن
طهران منذ الاتفاق النووي لعام 2015م، اقتربت من القدرة على صنع سلاح نووي،
واكتسبت خبرة يصعُب التراجع عنها.
وذكرت أن الولايات المتحدة تسعى للتفاوض على قيود جديدة على طموحات إيران
النووية، لكنها ستواجه تحديًا قد يجعل التوصل إلى اتفاق أكثر صعوبة هذه المرة إذ
سيكون من الصعب عكس الكثير من التقدم الذي أحرزته إيران في عملها النووي منذ
الاتفاق النووي الأخير.
دفع هذا محللين «إسرائيليين»، منهم عاموس هارئيل، بصحيفة «هاآرتس»، للحديث،
في 14 أبريل الماضي، عن قلق «إسرائيل» من اتفاق أمريكي متواضع مع طهران لا يلبي
أهداف الدولة العبرية.
«وول ستريت جورنال» ذكرت أن التغيير الأبرز في البرنامج النووي الإيراني
منذ العام 2015م، يتمثل في مدى اقترابها من القدرة على بناء نوع من الأسلحة
النووية الأساسية، وأن مسؤولي الاستخبارات الأمريكية يرون أن طهران قد سدت الثغرات
في معرفتها ببناء الأسلحة، مع أنهم لا يعتقدون أنه قد اتُّخذ قرار بصنع قنبلة.
وفي العام الماضي، أفادت الاستخبارات الأمريكية بأن إيران تُجري تجارب على
النمذجة الحاسوبية وعلم المعادن من شأنها مساعدتها في صنع أسلحة نووية، ويقول
مسؤولون وخبراء أمريكيون: إن إيران ستستغرق بضعة أشهر لبناء سلاح نووي أساسي، وهو
سلاح سيكون ضخمًا جدًا بحيث لا يمكن إطلاقه بالصواريخ الباليستية، ولكنه قد يمتلك
قوة تفجيرية مماثلة للقنابل الأمريكية الأصلية التي أُلقيت على اليابان.
وهذا يعني أن أي اتفاق جديد سيتطلب صلاحيات أكبر بكثير للمفتشين لزيارة
المواقع التي يُشتبه في إجراء أعمال متعلقة بالأسلحة فيها، وقد يشمل ذلك الوصول
إلى المعامل التي يُعتقد أنها أُجريت فيها أبحاث في السنوات الأخيرة، وهو ما عارضت
إيران بشدة السماح به.
ويُعد إصرار إيران على حقها في التخصيب بموجب القانون الدولي من أشدّ
الخطوط الحمراء التي وضعتها طهران حول برنامجها النووي، وقد سمحت لها إدارة الرئيس
الأسبق باراك أوباما عام 2013م، بتخصيب اليورانيوم مستقبلًا، وكان هذا تنازلًا
رئيسًا ساهم في إبرام الاتفاق النووي عام 2015م، الذي هدمه ترمب لاحقًا.
ومنذ العام 2021م، تُنتج إيران يورانيوم عالي التخصيب لأول مرة، حيث
تُراكِم الآن 60% من المواد بمعدل يُعادل تقريبًا ما يُعادل سلاحًا نوويًا واحدًا
شهريًا.
تقترب من إنتاج القنابل النووية
وكانت شبكة «فوكس نيوز» ذكرت، في 10 أبريل الماضي، أن مركزًا أمريكيًا
رائدًا للأبحاث ومتخصصًا في مراقبة البرنامج النووي الإيراني نشر تقريراً تحذيرياً
قبيل أيام فقط على انعقاد مباحثات بين واشنطن وطهران بشأن برنامجها النووي،
متحدثاً عن كون منظومة الأسلحة الذرية الإيرانية وصلت إلى مرحلة شديدة الخطورة.
وأضافت أن معهد العلوم والأمن الدولي في العاصمة واشنطن نشر تقريراً جديداً
صادماً تحت عنوان عداد غايغر للتهديد الإيراني: تصاعد الخطر الشديد.
وذكرت «فوكس نيوز» أن الدراسة التي أجراها المعهد جاء فيها: منذ فبراير
2024م -تاريخ تقريرها الأخير- استفحل بشكل واضح التهديد الذي يشكله البرنامج
النووي الإيراني، ولفتت إلى أن العوامل السلبية الرئيسة تشمل قدرات إيران الكبرى
للأسلحة النووية، وتراجع المدد الزمنية لبناء برنامجها النووي، وتصاعد التطبيع على
صعيد المناقشات الإيرانية الداخلية مع فكرة تفضيل الحصول على أسلحة نووية.
ومطلع مارس 2023م، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها عثرت على
جزيئات من اليورانيوم خصبت إلى درجة 83.7%، وهي قريبة جداً من التخصيب اللازم
لصناعة أسلحة نووية، في مفاعل فوردو النووي تحت الأرض في إيران، وفق شبكة «بي بي
سي».
ويقدر الخبراء أن طهران لن تستغرق سوى أسبوع أو أسبوعين لتحويل ما يكفي من
هذه المواد بنسبة 60% إلى وقود صالح للأسلحة بنسبة 90% لصنع قنبلة واحدة.
وقد توافق طهران على تقليص تخصيبها في المفاوضات الحالية مع أمريكا والتخلص
من بعض مخزونها من المواد الانشطارية كما فعلت العام 2015م شريطة أن تحظى بمكافآت.
لكن كل هذا التطور يعني أن الجدول الزمني الأساسي الذي يُشكل جوهر اتفاق
العام 2015م، الذي يُبقي إيران على بُعد 12 شهرًا من القدرة على إنتاج ما يكفي من
المواد الانشطارية لسلاح نووي واحد، سيكون من الصعب جدًا تكراره ما لم يتم تفكيك
جميع منشآت التخصيب لديها بالكامل، وفق الصحف الأمريكية.
الحرب كارثة
وكان الرئيس الأمريكي ترمب هدد أن العمل العسكري ضد إيران خيار وارد، و«إسرائيل»
شريك رئيس إذا لزم الأمر؛ ما دفع طهران للتحذير من أن الحل العسكري ليس نزهة،
وسترد ليس فقط عسكريًا، بل وبطرد مفتشي الوكالة الدولية وفعل ما يحلو لها في
البرنامج النووي.
وكشف ترمب، في مارس الماضي، أنه بعث برسالة إلى طهران يعرض عليها فيها
إجراء مفاوضات، لكنه لوّح بعمل عسكري ضدها في حال عدم التوصل لاتفاق.
وحذر علي شمخاني، مستشار المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي من أن طهران قد
تتخذ إجراءات رادعة، تبلغ حد طرد مفتّشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في حال
تواصل التهديدات بحق إيران، وقال: إن تواصُل التهديدات الخارجية، ووضع إيران في
حالة هجوم عسكري، قد يؤدي إلى اتخاذ إجراءات رادعة، مثل طرد مفتشي الوكالة الدولية
للطاقة الذرية، ووقف التعاون معها، وحذرت وزارة الخارجية الأمريكية بأن طرد إيران
مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية سيكون تصعيدًا وخطأ في الحسابات.
وقد نشرت مجلة «ناشونال إنترست» (المصلحة الوطنية) الأمريكية تقريرًا لمحرر
الشؤون الأمنية لديها براندون ج ويتشرت، أكد فيه أن أي صراع مع إيران سيزيد بشكل
كبير من احتمال تعرض حاملات طائرات أمريكية لأضرار بالغة أو غرقها، مشيرًا إلى أن
وفرة القوات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط تضعفها بدلًا من أن تكون مصدر قوة
لها.
ولفت الكاتب إلى ما قاله له قائد القوات الجوية في الحرس الثوري الإيراني
أمير علي حاجي زاده، أثناء لقاء في طهران، بعد وقت قصير من تهديد الرئيس الأمريكي
دونالد ترمب لإيران بعواقب وخيمة إذا لم تتخل عن سعيها لامتلاك أسلحة نووية، إن لدى
الأمريكيين ما لا يقل عن 10 قواعد عسكرية في المنطقة المحيطة بإيران، تضم حوالي 50
ألف جندي.
وأكد الكاتب أن حاجي زاده يرى أن وفرة القوات الأمريكية في المنطقة نقطة
ضعف، وهي تعني أنهم يجلسون داخل غرفة زجاجية، ومن يجلس في غرفة زجاجية ينبغي له
ألا يرمي الآخرين بالحجارة.
وقال: إن الهيمنة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط كانت مضمونة قبل 20
عامًا، لكن الحوثيين وحلفاءهم الإيرانيين أصبحت لديهم قدرة كافية تمكنهم من إبقاء
حاملات الطائرات الأمريكية بعيدة؛ ما يحد كثيرًا من فعاليتها، وهم قادرون، إذا
تجرأت على الاقتراب من منطقة القتال، من إغراقها بكل تأكيد.
وحذر الكاتب من أن خسارة كهذه تشكل ضربة قاصمة للروح الأمريكية، التي تعتبر
حاملات الطائرات الرمز الأبرز لقوتها، لأن هذه المنصات متطورة للغاية وباهظة الثمن؛
ما يعني أن تدمير واحدة منها أو إخراجها من ساحة القتال بسبب هجمات إيرانية سيكون
ضربة قاصمة لأمريكا.