قرار مجلس الأمن بشأن غزة.. بين التجـيـيش والمظاهر

وقائع التصويت على القرار

في 17/ 11/ 2025م، أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً يحمل الرقم (2803)، مكوناً من 20 نقطة، يحوي مشروع القرار الأمريكي المتمثل في خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لإنهاء الحرب في غزة، وقد صوت لصالحه 13 عضواً، فيما امتنعت روسيا والصين عن التصويت.

ويمنح المشروع تفويضاً بتشكيل قوة دولية مؤقتة، بقيادة موحدة تشارك فيها دول عدة، لمدة أولية تمتد لعامين، هدفها تحقيق الاستقرار (ISF) في قطاع غزة، من خلال إنشاء «مجلس السلام» كهيئة انتقالية ذات صفة دولية، ومن مهامها:

أولاً: إدارة مرحلة ما بعد الحرب.

ثانياً: تنسيق إعادة إعمار غزة وتنميتها، إلى حين استكمال إصلاحات السلطة الفلسطينية.

ثالثاً: تتولى تأمين الحدود.

رابعاً: تتولى حماية المدنيين.

خامساً: تقوم بتسهيل تدفق المساعدات.

سادساً: دعم تدريب قوة شرطة فلسطينية جديدة.

سابعاً: الإشراف على التفكيك الدائم لسلاح «حماس» والفصائل المسلحة وتدمير بنيتها التحتية العسكرية، مقابل انسحاب قوات الاحتلال من غزة عند استلام القوة الدولية السيطرة الأمنية الكاملة.

ثامناً: العمل بالتنسيق مع مصر و«تل أبيب»، والتشاور معهما مع استخدام كل التدابير اللازمة لتنفيذ ولايتها بما يتفق مع القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني.

ويضع المشروع مساراً سياسياً مشروطاً يؤدي –عند استيفاء إصلاحات الحوكمة وتقدم الإعمار– إلى تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية في نهاية المطاف.

ويرتكز القرار على خطة ترمب التي صدرت في 29/ 9/ 2025م مع مقترحات دولية سابقة تدعو لوقف إطلاق النار، والإفراج عن الأسرى، ونزع السلاح، وإعادة الإعمار بقيادة مؤسسات فلسطينية مُعاد إصلاحها.

انتقادات وجيهة لمضمون القرار

خلال المداولات، داخل مجلس الأمن، برزت مخاوف لدى بعض الأعضاء في تساؤلات، وما زالت هذه المحاذير مطروحة بشأن عدة نقاط:

أولاً: خطر الوصاية الخارجية:

بعض السيناريوهات تفترض أن هدفها منع تصعيد عسكري ومنع الكيان الاحتلالي من شن حروب جديدة، وتهيئة الظروف لإعادة الإعمار.

لكن هنا سيناريوهان في طبيعة هذه المراقبة الأممية؛ أحدها: أن تكون قوة بموافقة الأطراف الفلسطينية، وبدولة واضحة، وولاية محددة زمنياً، فعلى هذا قد تكون خطوة نحو الاستقرار.

الآخر: أن تكون قوة فرض أمر واقع دون موافقة الفلسطينيين أو لصالح طرف واحد، وهنا توصف بأنها شكل من أشكال الوصاية الدولية التي قد تُعيق حق تقرير المصير.

ثانياً: طبيعة القيادة العملياتية:

غالب المراقبين يتساءل: هل هذا احتلال أمريكي-صهيوني بلباس الأمم المتحدة؟

إن الأمم المتحدة لا تمتلك جيشاً خاصاً، وإن قوات «حفظ السلام» تُرسل بموافقة الدول المساهمة، وتحت سلطة الأمين العام، لكن تحت تفويض من مجلس الأمن، وإذا كان القرار صادراً بدعم أمريكا وبريطانيا وفرنسا، فمن المرجّح أن تكون القوات المشاركة غربية أو عربية موالية للغرب، وعلى هذا فإنها «ذراع أمريكية».

والحل هنا، أنه قد تُقبل فكرة مراقبين مدنيين -مثل بعثات المراقبة التابعة للأمم المتحدة- لكن ليس قوات حفظ سلام مسلحة دون رضا الطرف الفلسطيني.

ثالثاً: ضبابية ملامح «الوضع النهائي» للبعثة الدولية:

ذلك أنه قد تُستخدم هذه الوصاية الخارجية كغطاء لتصفية المقاومة وفرض التطبيع، وهو ما يتوجس بشأنه كثيرون، خصوصاً في ظل الحديث عن «صفقة القرن» أو «رؤية ترمب».

وهناك مخاوف بتحول وجود القوة الدولية إلى نوع من احتلال متجدد تحت غطاء الأمم المتحدة، أو احتلال أمريكي غير مباشر، وهو ما ترفضه الفصائل المقاومة.

رابعاً: ضبابية استمرارية الدعم الدولي:

نجاح المهمة يعتمد على الالتزام الدولي طويل الأمد، وإن فشل هذه المهمة مرهون بغياب الوضوح التام في الأمر، والوقوع في النزاع والتغييرات السياسية وتركيز المصالح.

خامساً: حق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية:

القرار لا يعترف صراحة بحق تقرير المصير وفق أراضي عام 1948م وما قبل الاحتلال البريطاني، أو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة الكاملة السيادة بطريقة كاملة؛ إذ يعزل قطاع غزة عن بقية الأراضي الفلسطينية من خلال إدارة انتقالية دولية مؤقتة، ويركز على المرحلة الاستعجالية للسلام دون معالجة جذور الصراع.

سادساً: موقع السلطة الفلسطينية ودورها في هذه العملية:

فهل القرار وسيلة لفرض سلام من طرف واحد؟ إذا كان القرار يسلّم بإشراف دولي دون وجود سلطة فلسطينية موحدة -كحكومة وحدة فلسطينية، مثلاً- فإن المقاومة والفلسطينيين ينظرون إليه كاحتلال جديد بلباس أممي، كما حدث في كوسوفو أو جنوب السودان جزئياً.

وفي هذا السياق، قد يُستخدم القرار لإضعاف «حماس» والمقاومة، وفرض سلطة فلسطينية تابعة، ومنع هذه المقاومة من العودة إلى غزة.

سابعاً: مصير «حماس» ومقاتلي المقاومة وأسلحتهم:

هذا أحد المحاور المركزية لأي عملية سياسية، تاريخياً، تشترط عمليات نزع السلاح:

1- إدماج المقاتلين في أجهزة الدولة الفلسطينية المستقبلية، وهو أمر بعيد المنال جداً في ظل هذه الظروف الراهنة.

2- تحويل المقاومة المسلحة إلى عمل سياسي في إطار دولة ذات سيادة، فأين هي الدولة الفلسطينية ذات السيادة؟

3- نزع السلاح لا يكون إلا جزءاً من صفقة سياسية شاملة، وهذا لا يكون إلا بصفقة تضمن أمن فلسطين وإزالة الاحتلال وآثاره.

وإن مصير «حماس» والمقاومة وأسلحتهما ومقاتليهما يعتمد على طبيعة القرار، ومن ينفّذه، وشروطه؛ وإن هذا القرار لم يُلزم جميع الأطراف بنزع السلاح، بل ركز على «حماس» والمقاومة.

وعلى هذا، فإنه استهداف للمقاومة الفلسطينية، خصوصاً أن الكيان الصهيوني لن يخضع للمعايير نفسها، فإن صعّدت المقاومة الأمور مستقبلاً، فإن هذا القرار الأممي يمكنه تصنيفها قانونياً على يد الأمم المتحدة أو قوى غربية أخرى كمعوّق للقرار الدولي (obstruction).

موقف «حماس» وفصائل المقاومة

أعلنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، على ألسنة جمع من مسؤوليها، أنها ترفض هذا القرار الأمني الأممي، ولم تدقق «حماس» بعد موقفها، أهو رفض كلي أم جزئي، وأبقته معلّقاً بين القبول الجزئي أو الرفض الكامل والتصعيد، وذلك تحسباً وترقباً للجديد في الأمر -كما في تجارب سابقة مع وقف إطلاق النار- وكان خليل الحيّة قد التقى ويتكوف في إسطنبول يوم 19/ 11/ 2025م.

وترى الحركة أن هذا القرار يحمل في طيّاته عدة أخطار، منها:

أولاً: لا يرتقي إلى مستوى حقوق ومطالب الشعب الفلسطيني السياسية والإنسانية، وهو إلهاء عن الحلول السياسية الجذرية للدولة المستقلة.

ثانياً: لا يعكس حجم الكارثة التي عاشها القطاع.

ثالثاً: إنه محاولة لإعادة إنتاج فرض آلية وصاية دولية على قطاع غزة.

رابعاً: يفصل غزة عن عمقها الفلسطيني، وينزع القطاع عن باقي الجغرافيا الفلسطينية.

خامساً: يفرض وصاية دولية على غزة، ونزع لحياد القوة الدولية، وتحويلها لطرف في الصراع لصالح الاحتلال.

سادساً: يفرض وقائع تخدم الاحتلال بعد فشله في تحقيق أهدافه عسكرياً خلال عامين من حرب الإبادة.

سابعاً: يمهد لفرض وقائع سياسية جديدة بعيداً عن الثوابت الوطنية، بما يمس حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس.

وجملت رؤيتها في الآتي:

1- ملف السلاح يجب أن يبقى شأناً وطنياً داخلياً مرتبطاً بمسار سياسي يضمن إنهاء الاحتلال؛ ذلك أن مقاومة الاحتلال بكل الوسائل حق مشروع كفلته القوانين الدولية، وأن تكليف قوة دولية بنزع سلاح المقاومة يُسقط عنها صفة الحياد ويحوّلها إلى طرف يخدم الاحتلال، وأنه يجب على أي قوة دولية –في حال إنشائها- أن تقتصر مهامها على مراقبة وقف إطلاق النار وحماية الحدود تحت إشراف الأمم المتحدة، وبالتنسيق الكامل مع المؤسسات الفلسطينية.

2- المساعدات الإنسانية وفتح المعابر حق أساس لشعب غزة، وأنه يجب وقف التسييس والابتزاز في إدخال الإغاثة والاعتماد على مؤسسات الأمم المتحدة، وفي مقدمتها «الأونروا»، علما أن «الأونروا» عانت معاناة شديدة على أيدي الاحتلال وأمريكا لتحييدها حتى لا تكون حجر عثرة في طريق مشاريعهم الإبادية.

3- رفض أي وجود عسكري أجنبي ومنع إقامة أي قواعد دولية داخل القطاع.

4- على المجتمع الدولي ومجلس الأمن أن يعيد الاعتبار للقانون الدولي، ووقف حرب الإبادة، ودعم إعادة الإعمار، وإنهاء الاحتلال، وتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة وفي مقدمتها تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة.

آفاق سياسية على الرغم من العسكرة

لعل أحلاماً بعيدة المدى تراود ترمب فجعلته يغامر بقرار لا خطام له ولا ناقة:

أولاً: الحصول على مظهريات يرضي بها غروره، ومجده البوليتيكي، ويخدم بها أهدافاً شكلية يقنع بها أتباعه ومناصريه.

ثانياً: الحصول على جائزة «نوبل للسلام»، مثلما حصل عليها صهاينة الاحتلال من قبل: مناحيم بيجن (1978م)، وإسحاق رابين مع شمعون بيريز (1994م).

وقد كشف هذا القرار الأمني الأممي الشبَحُ جديداً من زوايا نظام عربي أخطأ طريق أبطال من سابقيه، وهو النظام الجزائري، لقد صوّت في أول مرة من تاريخه ضد المقاومة، دون أعذار مقبولة وواضحة، وكانت طعنة في ظهر الفصائل المقاومة التي نبهته إلى المزلق، مع سبق الإصرار والترصد، وهذا ما صدم كثيراً من محبيه؛ فأطار عنهم النعاس وأحيا ليلهم، وهم قادة وساسة ومحللون ومتابعون، أولهم الشعب الفلسطيني البطل المكلوم.

وهناك مؤشرات وعلامات كثيرة تدل على مستقبل فشل هذا القرار الأمريكي، كفشل مشاريع ترمب السابقة، على الرغم من تلفّعه بخطورة مجلس الأمن، أهم هذه المحددات انحيازه العسكري، وتلويحه الاحتلالي، واضطرابه القانوني، وضبابيته التقنية، وضيق أفقه السياسي.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة