«إسرائيل».. دولتان في واحدة!

كشفت الضربات الإيرانية في عمق الكيان الصهيوني حقيقة دولة «إسرائيل» وهشاشتها الأمنية، حيث لجأ عدد من كبار المسؤولين السياسيين إلى المخابئ والملاجئ المحصنة تحت الأرض فراراً من القصف الجوي، بينهم نتنياهو نفسه الذي أرغمه القصف على الاختباء وسط المدنيين؛ ما أثار ضده عاصفة من الانتقادات بسبب خوف المدنيين من تعرضهم للاستهداف جراء وجوده بينهم.

وفي الواقع، لا يتعلق الأمر بوجود دولة صهيونية واحدة في فلسطين بل بدولتين، على خلاف الظاهر الذي يفهمه الكثيرون في العالم، هناك من جهة تلك الدولة الواقعة على سطح أرض فلسطين التي تعترف بها منظمة الأمم المتحدة، وهناك من جهة ثانية دولة أخرى في باطن الأرض، وما إن تتعرض «إسرائيل» لضربات جوية حتى تنتقل الدولة السطحية إلى المخابئ والملاجئ التي تملأ المدن الصهيونية وتشكل أماكن موازية للمساكن والعمارات والمنشآت.

يمنح هذا الواقع تفرداً للمجتمع الصهيوني بين جميع المجتمعات البشرية، فهو المجتمع الوحيد في العالم الذي لا يثق في المحيط الذي يعيش فيه، وما إن يشعر بالخطر حتى يفضل الاختباء تحت الأرض كملاذ أخير، لأنه يعتبر الملاجئ السفلية أكثر تحصيناً والأوفر حماية.

وقد اعتقد الصهاينة أن بناء الجدار الأمني الذي يعزلهم عن الشعب الفلسطيني سيضمن لهم الحصانة والأمن، ولكن عملية السابع من أكتوبر 2023م أظهرت أن الجدار ليس بتلك القوة التي كانوا يتصورونها، على الرغم من التمجيد الذي أحيط بمشروع الجدار وقتها، والشعور بالثقة بعد الانتهاء منه.

ومنذ عملية «طوفان الأقصى»، زادت الثقة أكثر في الحصون الأرضية والملاجئ، وانتقلت الثقة من الجدار الأمني إلى تلك الحصون التي صارت أكثر أهمية بالنسبة للصهاينة.

وفي ديسمبر 2024م، ظهر تقرير في الكيان الصهيوني يقول: إن هناك عدداً كبيراً من «الإسرائيليين» لا يتوفرون على ملاجئ كافية، أو يتوفرون على ملاجئ غير صالحة وتحتاج إلى إصلاحات.

وأوضح التقرير أن السكان في بعض المناطق لا يتوفرون إلا على مهلة 15 ثانية للالتحاق بالملاجئ في حال الخطر، بينما ترتفع تلك المهلة في المناطق النائية إلى 90 ثانية، كشف بأن تلك المهلة غير كافية للالتحاق بالمخابئ بسبب بطء أجهزة الإنذار والتأخر في إبلاغ السكان بالأخطار الوشيكة.

وينص القانون في الكيان الصهيوني منذ العام 1992م على إلزامية بناء الملاجئ تحت الدور السكنية والعمارات وجميع المنشآت العامة، ويشترط أن يكون أي مشروع للبناء مصحوباً بإنشاء مخبأ تحت أرضي للحصول على رخصة البناء، غير أن الكلفة العالية لبناء مخبأ بمختلف التجهيزات من تحصين وتهوية وغيرها، التي تتراوح ما بين 30 ألفاً إلى 50 ألف دولار، تمثل عبئاً على الفئات الفقيرة؛ ما يرفع من وتيرة الضغوط والاحتجاجات ضد الحكومة من أجل تحمل تكلفة البناء أو تقديم المساعدات للناس.

ويظهر المجتمع الصهيوني مجتمعاً يعيش ازدواجية مقلقة ما بين واقعه داخل فلسطين والحلم الصهيوني بإنشاء وطني قومي يحميه من الاضطهاد العالمي، وفقدان الثقة في هذا الحلم بحيث يشعر بأن هذا الكيان الذي أنشأه لم يخلصه من الشعور بالاضطهاد، ما احتاج معه إلى كيان مواز في باطن الأرض.

ويمكننا أن نفسر هذا الأمر اعتماداً على نظرية عالم النفس اليهودي سيغموند فرويد الذي استوحى التوراة في وضع مقولاته في علم النفس، حول العقل الباطن أو العقل اللاواعي.

بالنسبة لفرويد، فإن العقل الباطن هو مستودع الأحلام والأمنيات، وهو الخزان الذي تقيم فيه المشاعر المكبوتة في الواقع، إذ كل ما يفشل العقل الواعي في تحقيقه على صعيد الواقع يتم تصديره إلى العقل الباطن أو اللاواعي.

ومن هذه الزاوية، نرى بأن الملجأ والمخبأ في العقلية الصهيونية هو بمثابة المستودع الذي يصدر إليه الفرد شعوره بالأمن والطمأنينة، فالازدواجية في المجتمع الصهيوني هي نفسها الازدواجية التي وصفها فرويد بين العقل الواعي والعقل اللاواعي.

تخترن الذاكرة اليهودية ذكرى تاريخية لم تغادر الوعي الصهيوني، وهي ذكرى قلعة «مصادا» على البحر الميت في العقد السابع من القرن الميلادي الأول في عهد الرومان، عندما حاصر القائد الروماني لوسيوس فلافيوس سيلفا اليهود بداخلها لمدة 7 أشهر، بعدما كانوا يعتقدون بأن القلعة ستكون حصناً لهم أمام هجمات الرومان، ففضلوا الانتحار الجماعي على الاستسلام للقائد الروماني والموت على يديه.


كلمات دلالية

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة