لماذا يبتلي الله العباد؟ أهم 10 أسباب للابتلاء

د. رمضان أبو علي

18 ديسمبر 2025

271

قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ {155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ {156} أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة)، في الآيات الكريمة تأكيد أن الابتلاء شيء معلوم، وقدر محتوم، ورزق مقسوم، ولم يترك القرآن الكريم المؤمن في مواجهة هذه الآلام من غير إرشاد وتوجيه، فدله على ما يقوله ويفعله، ووعده على ذلك الثواب الجزيل والجزاء الجميل.

مفهوم الابتلاء

الابتلاء في اللغة: الاختبار والامتحان، ويكون في الخير والشر(1)، قال تعالى: (‌وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (الأنبياء: 35)، وفي الاصطلاح: الاختبار والامتحان من الله تعالى للعبد، ليتبين مدى صبره وإيمانه(2).

أنواع الابتلاءات

شملت الآية الكريمة أنواعاً من الابتلاءات التي يتعرض لها المؤمن، حيث قال عز وجل: (‌وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)؛ أي: لا بد أن يبتلى المؤمن في شيء من ماله أو نفسه أو ولده أو أهله(3).

ففي الآية حديث عن الابتلاء بالخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات، قال ابن عباس: الخوف يعني خوف العدو، والجوع يعني: القحط، ونقص من الأموال: بالخسران والهلاك، والأنفس يعني: بالقتل والموت، وقيل: بالمرض والشيب، والثمرات يعني: بالجوائح في الثمار.

وحكي عن الشافعي أنه قال: الخوف خوف الله تعالى، والجوع: صيام رمضان، ونقص من الأموال أداء الزكاة والصدقات، والأنفس الأمراض، والثمرات موت الأولاد، لأن ولد الرجل ثمرة قلبه(4).

ما الحكمة من الابتلاء؟

1- اختبار صدق الإيمان وتمحيص المؤمنين:

قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ {2} وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (العنكبوت)، وقال عز وجل: (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {140}‏ وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) (آل عمران)، وقال أيضاً: (وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ ‌وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (آل عمران: 154)، وقال سبحانه: (‌وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) (محمد: 31).

2- تقوية الإيمان بالقضاء والقدر:

قال تعالى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا ‌كَتَبَ ‌اللَّهُ ‌لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (التوبة: 51)، وقال عز وجل: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا ‌فِي ‌كِتَابٍ ‌مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (الحديد: 22).

3- عظم الجزاء:

روى ابن ماجه، والترمذي، بسند حسنه الألباني عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «‌عِظَمُ ‌الْجَزَاءِ ‌مَعَ ‌عِظَمِ ‌الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ».

4- بلوغ الكمال:

قال ابن القيم: وَإِذا تَأَمَّلت حكمته سُبْحَانَهُ فِيمَا ابتلى بِهِ عباده وصفوته بِمَا ‌ساقهم بِهِ إلى أجلّ ‌الغايات وأكمل النهايات الَّتِي لم يكونوا يعبرون إليها إِلَّا على جسر من الِابْتِلَاء والامتحان، وَكَانَ ذَلِك الجسر لكماله كالجسر الَّذِي لَا سَبِيل إلى عبورهم إلى الْجنَّة إِلَّا عَلَيْهِ وَكَانَ ذَلِك الِابْتِلَاء ولامتحان عين الْمنْهَج فِي حَقهم والكرامة فصورته صُورَة ابتلاء وامتحان وباطنه فِيهِ الرَّحْمَة وَالنعْمَة، فكم لله من نعْمَة جسيمة وَمِنْه عَظِيمَة تجنى من قطوف الِابْتِلَاء والامتحان(5)!

5- التعرض لرحمة الله وهدايته:

قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ {155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ {156} أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).

6- الدفع إلى التسابق في الخيرات:

قال تعالى: (وَلَكِنْ ‌لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) (المائدة: 48).

7- التمكين في الأرض:

سئل الإمام الشافعي: أيما أفضل للرجل، أن يمكن أو يبتلى؟ فقال: ‌لا ‌يمكن ‌حتى ‌يبتلى، والله تعالى ابتلى أولي العزم من الرسل، فلما صبروا مكنهم(6).

8- الرحمة بالعصاة والتخفيف عنهم يوم القيامة:

روى أبو يعلى، والحاكم عَنْ أَبِي سُخَيْلَةَ، قَالَ: قَالَ لَنَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلِ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَخْبَرَنِي نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ومَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى: 30)، «فَاللَّهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُثَنِّيَ عَلَيْهِمُ الْعُقُوبَةَ ‌وَمَا ‌عَفَا ‌اللَّهُ ‌عَنْهُ ‌فِي ‌الدُّنْيَا فَاللَّهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَعُودَ فِي عَفْوِهِ»، وفي سنن الترمذي بسند حسنه الألباني عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الخَيْرَ ‌عَجَّلَ ‌لَهُ ‌العُقُوبَةَ ‌فِي ‌الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ».

9- تكفير السيئات:

في مسند أحمد عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ: «الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الصَّالِحُونَ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ، فَالْأَمْثَلُ مِنَ النَّاسِ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلابَةٌ زِيدَ فِي بَلائِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ، ‌وَمَا ‌يَزَالُ ‌الْبَلاءُ ‌بِالْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ لَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ».

10- رفع الدرجات:

قال تعالى: (أَمْ ‌حَسِبْتُمْ ‌أَنْ ‌تَدْخُلُوا ‌الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة: 214)، وفي صحيح الجامع عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ لَهُ المَنْزِلَةُ عِنْدَ اللَّهِ فَما يَبْلُغُها بِعَمَلٍ ‌فَلَا ‌يَزَالُ ‌اللَّهُ ‌يَبْتَلِيهِ ‌بِما ‌يَكْرَهُ حَتَّى يُبْلّغَهُ إِيَّاهَا».

واجب المسلم تجاه الابتلاءات

‌‌1- التسليم واليقين والرضا بما قدره الله:

قال تعالى: (‌وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ‌وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة: 216)، وقال عز وجل: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ ‌يَهْدِ ‌قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (التغابن: 11)، قال علقمة في تفسير هذه الآية: هُوَ الرَّجُلُ تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ ‌فَيَعْلَمُ ‌أَنَّهَا ‌مِنْ ‌عِنْدِ ‌اللَّهِ ‌فَيَرْضَى ‌وَيُسَلِّمُ(7).

2- الصبر والاحتساب:

قال تعالى: (‌فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) (الأحقاف: 35).

وفي ختام آية الابتلاء أمر الله عز وجل بالصبر قائلاً: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)، وفي صحيح مسلم عَنْ ‌صُهَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجَبًا ‌لِأَمْرِ ‌الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ».

3- محاسبة للنفس تعقبها التوبة والاستغفار:

على المسلم إذا ابتلي بالضراء أن يتأمل حياته الحالية والماضية، وينظر أيضاً في نواياه المستقبلية، وأن يعلم أن ما أصابه من حسنة فمن الله تعالى، وما أصابه من سيئة فمن نفسه، كما قال تعالى: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ ‌فَمِنَ ‌اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) (النساء: 79)؛ لذا فعليه المبادرة بالتوبة والاستغفار.

4- الاستقامة والتقوى:

قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ‌فَلَا ‌خَوْفٌ ‌عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الأحقاف: 13)، وقال أيضاً: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً {2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) (الطلاق)، وقال أيضاً: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً {4} ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً) (الطلاق).

5- الدعاء والتضرع والتوكل على الله:

قال تعالى: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ {83} فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ) (الأنبياء)، وقد استغاث النبي صلّى الله عليه وسلّم والصحابة الكرام بربهم يوم «بدر»، فاستجاب الله لهم، قال تعالى: (إِذْ ‌تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ) (الأنفال: 9)(8).


اقرأ أيضاً:

الابتلاء سنة كونية

فوائد الابتلاء في الآخرة

قصة ابتلاء أيوب وصبره

_________________

(1) لسان العرب (14/ 84).

(2) موسوعة المصطلحات الإسلامية، ص 193.

(3) تفسير ابن كثير (2/ 179).

(4) تفسير البغوي (1/ 185).

(5) مفتاح دار السعادة (1/ 299).

(6) زاد المعاد في هدي خير العباد (3/ 13).

(7) تفسير ابن كثير (8/ 161).

(8) نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (1/ 35).

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة