«الخرس الزوجي».. سرطان صامت يفترس الأسرة

جمال سعد

27 أغسطس 2025

234

تتعرض مؤسسة الأسرة في عصرنا لضربات موجعة، تهز أركانها، منها ما استشرى حديثاً، ويعرف بـ«الخرس الزوجي» أو «الطلاق الصامت» الذي يعد سرطاناً يفتك بخلايا المودة والرحمة، التي قال عنها الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم: 21).

«المجتمع» تطرح القضية للنقاش، في محاولة لاكتشاف أسباب المرض القاتل، وكيفية علاجه.

في البداية، تؤكد دراسة أجرتها د. هاجر علي محمد، أستاذ الاجتماع بمعهد الدراسات الاجتماعية بالمنصورة، بعنوان «الخرس الزوجي.. دراسة سوسولوجيا على عينة المتزوجين وغير المتزوجين»، أن هذا الصمت الزوجي يمثل فتيل حرب نفسية داخل الأسرة ويدفع ضريبتها الأبناء والوالدان نتيجة عدم الاستقرار الأسري، واختفاء عوامل الدفء النفسي؛ ما يساعد على الإصابة بالتوتر والقلق وسرعة الغضب والاكتئاب.

وتضيف أن هناك علاقة وثيقة بين الخرس الزوجي وكثرة الضغوط والمشكلات الأسرية وإدمان منصات التواصل الاجتماعي للهروب من المشكلات والفراغ العاطفي.

وتقترح الدراسة تدريس مادة «الإرشاد الزواجي» للطلاب؛ لتوعيتهم بكيفية اختيار شريك الحياة وإدارة الأسرة بشكل سليم، وتعزيز دور المؤسسات الاجتماعية والنفسية التي تهتم بتأهل المقبلين على الزواج، وكيفية تفادي الوصول إلى مرحلة الخرس التي قد تؤدي لنتائج كارثية.

التوافق النفسي

الغريب أن هذا الخرس ليس قاصراً على المجتمعات المستقرة فقط، بل إنه موجود في المناطق المحتلة، وهذا ما دفع الباحثة الفلسطينية مها محمد عطا الله لإعداد رسالة ماجستير بجامعة القدس عن «الخرس الزوجي وعلاقته بالتوافق النفسي لدى عينة من الأزواج بالضفة الغربية».

الدراسة انتهت إلى أن هناك فروقاً في درجة انتشار الخرس من حيث السن والجنس ومكان السكن والثقافة ومدة الزواج، مؤكدة أن العلاقة طردية بين قوة وتماسك الأسرة وقوة الوعي بقضايا الوطن والأمة، والعكس صحيح؛ حيث ينخر الخرس الزوجي في جسد التماسك الأسري الذي يعد أحد أهم جدران المقاومة طويلة وقصيرة الأجل.

درجات الخرس

وتؤكد د. إقبال السمالوطي، العميد السابق للمعهد العالي للخدمة الاجتماعية، وخبيرة الاستشارات الزوجية، لـ«المجتمع»، أنه من المؤسف أن الخرس أو الصمت الزوجي عبارة عن فتور العلاقة العاطفية بين الزوجين، وهذا الخرس درجات، منه الخرس التام، وفيه ينعدم التواصل لدرجة رفض التحدث بينهما، ونوم كل منهما في سرير أو غرفة منفصلة، ليبقى هدف استمرار الزوجية المحافظة على الأولاد والخوف من العار المجتمعي الذي لا يتقبل الطلاق بسهولة.

وتضيف السمالوطي أن النوع الثاني هو «الخرس المتوسط»؛ وهو انفصال عاطفي وفتور في العلاقة، ولا يتم التحدث بينهما إلا قليلاً، وعادة ما يحرص كل منهما على عدم الخروج مع الآخر أو التشارك معه في أي نشاط إلا للضرورة القصوى؛ لتجنب الخلافات المتكررة.

والنوع الثالث من «الخرس البسيط» نتيجة كثرة الضغوط الحياتية والمسؤوليات الملقاة على كل جانب، وعجزه عن القيام بها وتربص الطرف الآخر به؛ ما يشعل الخلافات الزوجية، فيكون الحل الهروبي لهما قلة الكلام لتجنب الصدامات، وشعارهما «قليل من الكلام يحافظ على الأسرة»، وخاصة أمام الأولاد.

وتنهي السمالوطي كلامها محذرة من الاستخدام المفرط للتكنولوجيا، وخاصة الاستخدام السيئ أو غير الأخلاقي لوسائل التواصل الاجتماعي أو المواقع الإباحية، وخاصة إذا وصل الأمر إلى درجة الإدمان؛ ما يؤدي إلى الاكتفاء بها؛ ما يؤثر سلباً على التواصل والحب بين الزوجين.

طريقة العلاج

يرى د. جمال شفيق، أستاذ ورئيس علم النفس الإكلينيكي بقسم الدراسات النفسية للأطفال بجامعة عين شمس، أن العلاج يبدأ بالتشخيص الصحيح لدرجة الخرس الزوجي وأسبابه، فما يصلح لعلاج الخرس الزوجي في الأسر الفقيرة اقتصادياً أو اجتماعياً أو ثقافياً، لا يصلح في الأسر الثرية اقتصادياً أو ذات المستوى الاجتماعي والثقافي المرتفع.

يضيف لـ«المجتمع» أن العلاج يبدأ ببذل الزوجين جهوداً مخلصة بعواطف ومشاعر صادقة لكسر الجمود والخرس الزوجي بالتعبير عن تقديره وحبه للآخر، وتخصيص وقت للتحدث مع بعضهما بعضاً، والبحث عن مزيد من الاهتمامات المشتركة، ومناقشة أمورهما اليومية ومشكلاتهما بهدوء واحترام دون محاولة تحميل الطرف الآخر المسؤولية كاملة عما وصلت إليه العلاقة بينهما من فتور وصمت، مع الابتعاد عن الانتقاد الجارح واللوم المفرط والعناد المذموم، وتجنب المقارنة بالآخرين، ومحاولة تغيير نمط الحياة المملة من خلال الخروج في رحلات ترفيه للزوجين فقط أو الأسرة كلها، أو زيارة الأقارب والأصدقاء المخلصين، وتجنب العزلة.

يصاحب هذا كله التحلي، وفق شفيق، بصفتي الحلم والتغافل؛ لأنهما في سفينة واحدة إذا غرقت سيهلك كل من فيها، وخاصة الأولاد الذين ستزيد معاناتهم إذا كانوا في سن صغيرة، وافتقدوا القدوة الوالدية.

ويختتم شفيق كلامه، محذراً من أن الخرس الزوجي إذا استمر لفترات طويلة، ستكون نتيجته الإصابة بأمراض عضوية وعصبية، ونفسية كالتوتر والقلق والأرق وغيرها؛ ما يؤدي لافتقاد الدفء الأسري ويصاب كل أفراد الأسرة بشحنات سلبية وخلل في شخصياتهم خاصة إذا كانوا صغاراً، على أن تكون المحصلة عدم تقدير الأبناء للوالدين، والأرجح أن يكونوا غير أسوياء يكرهون الزواج أو يؤخرونه قدر الإمكان وكأنه شر منتظر، ولسان حالهم يردد ما قاله الشاعر أبو العلاء المعري:

هذا جناه أبي عليّ       وما جنيت على أحد


اقرا أيضاً:

فنون الخلاص من الخرس الزوجي

دليلك لتجنب أسباب الصمت الزوجي

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة