«الوكيل» والربح السريع.. هل يُدار صانعو المحتوى من وراء الكواليس؟

يشهد المشهد الإعلامي العالمي تحولاً جذريًا، حيث لم تعد منصات التواصل الاجتماعي مجرد أدوات للتواصل، بل تحولت إلى قطاع اقتصادي ضخم يؤثر بعمق في النسيج الاجتماعي؛ حيث إن صانعي المحتوى اليوم يمثلون قوة مؤثرة تمتلك القدرة على تشكيل الرأي العام وتغيير السلوكيات، ويولدون عوائد مالية ضخمة.

اقتصاديات المحتوى.. من الهواية إلى مهنة

لم تعد صناعة المحتوى مجرد هواية، بل تحولت إلى مهنة قائمة بذاتها تدر دخلًا كبيرًا على العاملين فيها، ومن أبرز مصادر الدخل: الإعلانات، والتسويق بالمؤثرين، وبيع المنتجات الخاصة، والتسويق بالعمولة، وقد تحول هذا المجال من عمل حر عشوائي إلى مهنة رسمية، حيث تُظهر الأرقام الاقتصادية أن قيمة الإنفاق على الإعلام في المنطقة العربية تصل إلى 22 مليار دولار أمريكي، ويشكل المحتوى الرقمي نسبة كبيرة من هذه القيمة.

وهذا ما يؤكد أن صناعة المحتوى الرقمي أصبحت قطاعًا اقتصاديًا لا يستهان به، وتدعم هذا التحول إستراتيجيات حكومية في بعض الدول العربية، التي تسعى لتوطين المواهب العالمية وجذبها.

وهْم الثراء السريع وتدهور القيم

على الرغم من الفرص الاقتصادية الواعدة، فإن السعي وراء الربح السريع والشهرة له وجه مظلم، فيعد «حلم الثراء السريع» من أخطر التداعيات الاجتماعية، حيث يُنظر إلى الربح المادي على أنه مكسب لا يتطلب جهدًا أو قيمة مضافة، هذا الوهم يطارد الشباب والمراهقين، ويدفعهم إلى تدهور قيم العمل، حيث يصبح المفهوم الرئيس هو القدرة على جذب الانتباه وليس تقديم محتوى أصيل أو مفيد.

تؤدي هذه الظاهرة إلى تدهور قيم العمل، حيث يتغير مفهوم القيمة المضافة ليصبح مرتبطًا بالقدرة على جذب الانتباه، كما أن التعرض المستمر لحياة المؤثرين «المثالية» والمبالغ فيها(!) يؤدي إلى زيادة مشاعر القلق والاكتئاب لدى الشباب، حيث يقارنون حياتهم العادية بما يرونه من مظاهر الترف والبذخ.

«الوكيل» كنموذج مجتمعي.. الخطر الخفي

تتجاوز التأثيرات السلبية حدود الفرد لتطال الأسرة والمجتمع، ويزيد الاستخدام المفرط لمنصات التواصل الاجتماعي من الشعور بالانعزال والانطواء؛ ما يؤدي إلى ظهور مصطلحات مثل «الصمت الأسري»، و«الطلاق العاطفي».

وهنا يبرز مفهوم «الوكيل»، الذي لا يقتصر على كونه شخصًا أو كيانًا واحدًا، بل هو رمز للضغوط والتحكم الخفي الذي يمارسه المعلنون، أو وكالات الدعاية، أو حتى الأجندات السياسية على صانعي المحتوى، المسلسل الدرامي «ما تراه ليس كما يبدو» وحكايته التي تحمل عنوان «الوكيل» يجسد هذه الظاهرة ببراعة، حيث يظهر كيف أن الضغط لتحقيق الربح والشهرة يدفع الأفراد لتقديم محتوى مزيف وخطير.

تكمن خطورة هذا المفهوم في أن «الوكيل» ليس دائمًا كيانًا خارجيًا، بل قد يكون دافعًا داخليًا ينبع من الضغوط المالية والنفسية، فالضغط لتحقيق الربح والشهرة، والمقارنة المستمرة مع حياة الآخرين، والتهديد بفقدان الجمهور، كلها عوامل تدفع الأفراد ذاتيًا نحو سلوكيات قد لا يرضونها أخلاقيًا.

النجاح الحقيقي ليس في عدد المشاهدات، بل في القيمة التي تقدمها لنفسك وللآخرين.

إن صناعة المحتوى الرقمي تمثل قطاعًا اقتصاديًا ضخمًا، ولكنه محفوف بأخطار نفسية واجتماعية عميقة، لذلك نرسل في هذا مقال رسائل مهمة لكل من:

  • صانعي المحتوى: التركيز على الأصالة وتقديم قيمة مضافة حقيقية.
  • الجمهور والمؤسسات التعليمية: ضرورة تعزيز الوعي الرقمي والتفكير النقدي لدى الشباب.
  • المنصات والمؤسسات: يجب العمل على وجود إطار أخلاقي يحمي المستخدمين من الاستغلال التجاري والانتهاكات الخفية التي تهدف إلى السيطرة على الرأي العام.
الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة