5 لا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم

أورد أبو نعيم في «حلية الأولياء وطبقات الأصفياء»، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، قال: أوصاني أبي فقال: لا تصحبن خمسة ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق، قال: قلت: جعلت فداك يا أبه، من هؤلاء الخمسة؟ قال: لا تصحبن فاسقاً، فإنه بايعك بأكلة فما دونها، قال: قلت: يا أبه وما دونها؟ قال يطمع فيها ثم لا ينالها.

قال: قلت يا أبه، ومن الثاني؟ قال: لا تصحبن البخيل فإنه يقطع بك في ماله أحوج ما كنت إليه، قال: قلت: يا أبه، ومن الثالث؟ قال لا تصحبن كذاباً فإنه بمنزلة السراب يبعد منك القريب ويقرب منك البعيد، قال: قلت: يا أبه ومن الرابع؟ قال: لا تصحبن أحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، قال: قلت: يا أبه ومن الخامس؟ قال: لا تصحبن قاطع رحم فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله تعالى.

ترسم هذه الوصية العظيمة منهجاً للسير الحذر في الحياة الاجتماعية، بحيث لا ينخدع المسلم في بعض النوعيات من البشر، فيأمن لهم أو يغدق عليهم من الفضل، وهم يدبرون له المكائد ويوقعونه في المصائب؛ لذا وجب أن يحذر المسلم من الأصناف الآتية من الناس:


صُحبتك.. سُمعتك | مجلة المجتمع
صُحبتك.. سُمعتك | مجلة المجتمع
الحياة رحلة طويلة مليئة بالمواقف والتحديات، والإنسان لا يمكن أن يمضي في هذه الرحلة بمفرده، الأصدقاء هم رفقاء الطريق، وقد يكونون نعمة تدفعك إلى الأمام أو فتنة تُ...
www.mugtama.com
×


1- الفاسق الطماع:

الفاسق هو الخارج عن طاعة الله، والمتعمد ارتكاب المعاصي، وقد علل الموصي عدم صحبة الفاسق بقوله: لا تصحبن فاسقاً، فإنه بايعك بأكلة فما دونها، وما دون الأكلة أي يطمع فيها ثم لا ينالها، ومعناها أنه يبيعك ويخونك لأجل لقمة أو أقل، لأنه لا يملك وازعًا دينيًا يحجزه عن الغدر، فإذا كان هذا الفاسق قد خان عهده مع الله تعالى؛ أفلا يخون عهده مع صاحبه؟!

2- البخيل:

البخيل هو من يمسك ماله ويشح به عن أقرب الناس إليه، بل يمسكه عن نفسه أيضاً، وهذا لا تنتظر منه عونًا في وقت الحاجة، وهذا معنى قوله: «لا تصحبن البخيل فإنه يقطع بك في ماله أحوج ما كنت إليه».

وقد جاء التحذير من صحبة البخيل؛ لأن البخل والشح سبيل إلى الهلاك، ففي مسند أحمد عن جَابِر بْن عَبْدِ اللهِ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقُوا الشُّحَّ، فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ، وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ».

3- الكذاب:

خصلة ذميمة لا يتصف بها المؤمن أبداً، ففي «موطأ» مالك، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ أَنَّهُ قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا؟ فَقَالَ: «نَعَمْ»، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلًا؟ فَقَالَ: «نَعَمْ»، فَقِيلَ لَهُ: «‌أَيَكُونُ ‌الْمُؤْمِنُ ‌كَذَّابًا»؟ فَقَالَ: «لَا».

والسبب في النهي عن صحبة الكذابين كما جاء في الوصية أن الكذب بمنزلة السراب يبعد منك القريب ويقرب منك البعيد، في الوهم والخيال، لا في الحقيقة أو الحال، وفي تشبيهه بالسراب دلالة على أن الناظر يرى السراب ماءً وليس بماء، كذلك الكذاب يزيّن الباطل حتى يُظن حقًا، كما أن الكذاب قلبه مريض ولسانه خائن، يشوّه الحقائق حتى يفقد صاحبه القدرة على الحكم السليم.

4- الأحمق:

الأحمق هو ضعيف الرأي، سيئ التقدير، لا يحسن تدبير شؤونه، ولا يُحسن اختيار الأصلح لصديقه، وخطورة صحبته تظهر في أنه قد يتدخل في المواقف بنية المساعدة فيتسبب في أذى عظيم؛ لذلك جاء التحذير منه صريحًا، في قول الموصي: «لا تصحبن أحمق، فإنه يريد أن ينفعك فيضرك».

5- قاطع الرحم:

قاطع الرحم هو الذي يقطع صلته بأقاربه، سواء بترك زيارتهم، أم عدم السؤال عنهم، أم منع المعروف عنهم، أو إيذائهم، وقد علل الموصي نهيه عن صحبة قاطع الرحم بكونه ملعوناً في كتاب الله تعالى، حيث جاء لعنه في قوله عز وجل: (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ ‌اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (الرعد: 25)، وقوله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ {22} أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) (محمد).

والناظر في النهي عن صحبة قاطع الرحم يجد أن هذا القاطع قد قطع أهله الذين هم أقرب الناس إليه؛ فهذا مؤشر على أنه لا يعز عليه أن يقطع غيرهم ممن هم أبعد أو هم أغراب عنه.


الصحبة الصالحة في الصغر درع حصينة عند الكبر | مجلة المجتمع
الصحبة الصالحة في الصغر درع حصينة عند الكبر | مجلة المجتمع
جلستُ في إحدى المرات مع شاب عاد لتوه من الدراسة في دولة بعيدة، ودار بيننا حديث طويل في مجالات مختلفة، ثم قال لي: سأحكي لك قصة حدثت معي وأنا في الخارج، التي جعلت...
www.mugtama.com
×


الدلالات التربوية والدعوية للوصية

تسهم هذه الوصية في الدلالة على عدد من الواجبات التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها، وهي:

1- أهمية اختيار الصحبة الصالحة، فالمرء يتأثر بأصدقائه سلبًا أو إيجابًا، ففي مسند أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «‌الْمَرْءُ ‌عَلَى ‌دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ».

2- البعد عن مواطن الفتنة، مثل الفسق، والبخل، والكذب، والحمق، وقطيعة الرحم.

3- التربية على القيم الاجتماعية، فالوصية تحفظ للمجتمع تماسكه وترابطه.

4- فقه العلاقات الإنسانية، فالوصية تعلم المسلم كيف يوازن بين حب الناس وحماية نفسه من الأذى.

5- التحذير من أثر البيئة الفاسدة، إذ تشير الوصية إلى أن مخالطة أهل الانحراف قد تفسد القلب والسلوك.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة