معبد الإلحاد يهتز (11)
سجع القرآن.. عيب أم إعجاز؟
القرآن الكريم كلام الله عز وجل المنزَّل
على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، يحمل إعجازاً بلاغياً ومعنوياً يتحدى البشرية، وقد
حاول أعداؤه منذ البداية وصفه بالشعر أو السحر أو السجع، لكنهم فشلوا في مواجهة
بلاغته ومعانيه السامية.
وفي العصر الحديث، يعيد بعض الملاحدة
إحياء هذه الشبهات القديمة، مدّعين أن القرآن الكريم مجرد سجع يفتقر إلى الترابط
الموضوعي، مستشهدين بآيات من سورة «التين».
الشبهة
«السجع هو العمود الفقري للقرآن، فكل
آياته دون استثناء مسجوعة! وإنه لمن الطريف أن إله محمد تعلّم فن السجع على يد عرب
الجاهلية، ولكنه لم يتقنه وأساء استخدامه في القرآن إلى حدّ تغيير أسماء أماكن
وأشخاص بطريقة ساذجة، ناهيك عن افتقاد العديد من الآيات للترابط الموضوعي، وذلك
فقط للحفاظ على السجع في الآيات.
فنجد -على سبيل المثال- في سورة «التين»،
الآية رقم (2)، أن «طور سيناء»؛ أي جبل سيناء الذي قيل: إن موسى تسامر مع ربه
فوقه، قد تحوّل بقدرة قادر إلى «طور سينين»؛ أي إلى جبل لا وجود له في الواقع،
لسبب بسيط وهو الحفاظ على السجع: (وَالتِّينِ
وَالزَّيْتُونِ {1} وَطُورِ سِينِينَ {2} وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ {3} لَقَدْ
خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (التين).
ولا تسألني عن علاقة التين بالزيتون وجبل
سيناء وصفة الأمانة التي يوصف بها الأشخاص لا البلاد! ألم يكن من الأجدر والأصح أن
يقول: البلد الآمن وليس البلد الأمين؟! افتقار حاد للترابط والموضوعية، حتى الأئمة
والمفسرين اختلفوا فيما بينهم في تفسير هذه الآيات، لافتقارها للموضوعية والحد
الأدنى من الترابط!
يمكنك سَجْع وتبديل الكلام بطريقة أكثر
واقعية وموضوعية لا تفتقر إلى الترابط، فتقول مثلاً: والملح والكمون والسمك
البربون فوق حمأٍ مسنون، ببلاد آمون، تشتهيه العيون قبل البطون، وكلها أشياء
موجودة في الواقع ولا تفتقر للترابط الموضوعي، بعكس «الآية المحمدية» ا.هـ
إنَّ من أكثر ما يلوكه هؤلاء الملحدون
الجهلاء هو مسألة «السجع» في القرآن الكريم، خاصة قول الله تعالى: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ {1}
وَطُورِ سِينِينَ {2} وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ {3} لَقَدْ خَلَقْنَا
الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ).
الرد على الشبهة
1- الفرق بين السجع القرآني وسجع الكهان:
الكهان كانوا يتكلفون ألفاظًا غامضة
مسجوعة بلا معنى مترابط، أشبه بالطلاسم.
بينما القرآن الكريم جاء بجُمَل واضحة
محكمة، تحمل معاني عظيمة، وتربط بين القسم (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ {1} وَطُورِ سِينِينَ {2}
وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ)، وجواب القسم (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ).
والحقيقة، هذا ليس مجرد توافق حروف، بل
بناء بلاغي متكامل يجمع بين الجرس الصوتي والنسق الدلالي.
2- لماذا «سينين» وليست «سيناء»؟
«سينين» لغة عربية فصيحة، وهو اسم قديم
من أسماء الجبل، ورد في التوراة بالصيغة السريانية/العبرية القديمة (سينا، سينين)،
فالقرآن الكريم لم يُحرّف الاسم كما يزعمون، بل نقل أصلًا لغويًا معروفًا.
وقال المفسرون: إن «سينين» و«سيناء»
اسمان صحيحان للمكان نفسه، (راجع: الطبري، والقرطبي، على سبيل المثال).
3- الربط بين التين والزيتون والطور والبلد الأمين:
التين والزيتون رمز لأرض الشام المباركة،
حيث بُعث كثير من الأنبياء فيها.
وطور سينين رمز لبعثة سيدنا موسى عليه
السلام.
والبلد الأمين (مكة المكرمة) رمز لبعثة النبي
محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم يأتي جواب القسم: لقد خلقنا الإنسان
في أحسن تقويم؛ إشارة إلى أن الهداية الإلهية للإنسان امتدت عبر مواطن الرسالات
(مصر، والشام، ومكة المكرمة)، وهذا انسجام معنوي بالغ، لا عشوائية فيه.
4- لماذا البلد الأمين وليس الآمن؟
«آمِن» اسم فاعل من «أمِنَ» تصف الحال
الواقعية المباشرة، أي أنه في وضع من الطمأنينة والأمن؛ (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا
وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) (العنكبوت: 67)؛ بيان واقع أهل
مكة: يعيشون الأمن حالًا رغم أن غيرهم يتعرض للنهب والسبي.
ووصف «آمن» يليق بالحال المؤقتة.
و«أمين» صيغة مبالغة (فعيل) تصف الصفة
الذاتية الملازمة؛ أي الأمن الثابت الراسخ الدائم، (وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) مقام القسم
والتشريف؛ تأكيد أن مكة المكرمة بلد مأمون محفوظ إلى يوم القيامة، ولهذا قول «أمين»
صفة دائمة.
ولذلك «آمِن»: استُعملت لتقرير الواقع
المشاهد في زمن النزول (مكة تعيش الأمن بين شعوب مضطربة).
أما «أمين»: استُعملت لإبراز الصفة
الثابتة الملازمة لمكة المكرمة (بلد محفوظ بحفظ الله إلى يوم القيامة).
فالتنويع بين اللفظتين دقيق ومحسوب، وهو
ما يسميه البلاغيون «مراعاة مقتضى الحال».
5- الرد على السخرية ببدائل سخيفة (الملح والكمون والسمك البربون):
المقارنة التي يسوقها الملحد مضحكة في
ذاتها؛ لأنها تُسقط المعنى العظيم وتستبدل به ذكر أطعمة وتوابل لا رابط بينها.
إنَّ جمال القرآن الكريم لا يقوم على
مجرد «تشابه الأواخر»، بل على التناسب بين اللفظ والمعنى والجرس، لذلك لم يستطع
العرب -وهم أرباب الفصاحة- أن يأتوا بمثله، رغم تحدي القرآن الكريم لهم مراراً.
إذن، شبهة «السجع» ليست إلا جهلاً
بالبلاغة القرآنية، ومحاولة سطحية لإسقاط الفارق الهائل بين فصاحة الوحي وخرافات
الكهان.
القرآن الكريم جاء معجزًا بلاغيًا يتحدى
العرب، أهل الفصاحة والبيان، ليس تقليدًا لأسلوبهم أو سرقة من لغتهم، بل كلام الله
عزَّ وجل المنزل بلغتهم العربية الفصيحة ليخاطبهم بما يفهمون ويُعجزهم عن محاكاته،
يقول الله تعالى: (إِنَّا
جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الزخرف: 3)،
فنزوله بالعربية دليل على رحمة الله تعالى وحكمته، إذ اختار لغة قوم سيدنا النبي
صلى الله عليه وسلم ليدركوا معانيه ويتأثروا بإعجازه.
ادعاء الملحد الجاهل أن القرآن الكريم سرق
لغة العرب مردود عليه؛ فاللغة أداة خلقها الله تعالى للبشر، والقرآن الكريم
استخدمها بأسلوب لم يطاوله أحد؛ مما يثبت مصدره الإلهي، لو كان القرآن الكريم
تقليدًا للعرب، لاستطاعوا الإتيان بمثله، لكنهم عجزوا رغم تحديه الصريح: (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)
(البقرة: 23)، فصاحة العرب كانت في الشعر والخطابة، لكن القرآن الكريم جاء
بنظم فريد مُعجز يجمع بين الجرس الصوتي، والترابط المعنوي، والإعجاز التشريعي
والعلمي والنفسي؛ ما أذهل أهل البلاغة وأسكت المتشككين، هذا التحدي مستمر إلى
يومنا، ولم يستطع أحد محاكاة القرآن العظيم، مما يدحض زعم السرقة ويؤكد أن مصدره
الوحي الإلهي.
موضوعات ذات صلة: