لماذا ضعفنا عن مقاومة الإحباط؟

مصطفى عاشور

10 أغسطس 2025

209

تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن حوالي 3.8% من البشر يعانون من الاكتئاب؛ أي ما يقرب من 300 مليون إنسان في هذا العالم مرضى، وتلك الحالة تصيبهم بالحزن وفقدان الشغف والانعزال، وربما قادت بعضهم إلى حافة اليأس والقنوط، فهناك أكثر من 700 ألف شخص يموتون بالانتحار كل عام، والانتحار هو السبب الرابع للوفاة عالمياً.

والحقيقة أن حالة الإحباط التي يعاني منها الإنسان المعاصر، التي أفقدته الشعور بالسعادة، تقف وراء الأمراض النفسية والاكتئاب والانتحار، حيث يشير تقرير السعادة العالمية الصادر عام 2024م إلى أن الشباب باتوا أقل سعادة مقارنة بالأجيال السابقة، وأن شعورهم بالعجز وعدم الكفاية وتفشي ظاهرة المقارنات والضغوط الاجتماعية والاقتصادية، وقلة وقت الفراغ إضافة إلى كثافة استخدامهم لمواقع التواصل الاجتماعي، تقف وراء هشاشتهم النفسية.

وهذا ما يطرح السؤال: لماذا ضعفنا عن مواجهة الإحباطات في حياتنا؟ ولماذا بات الشباب أكثر هشاشة في مواجهة تقلبات الحياة المعتادة؟ ولماذا أصبح البديل المطروح أمام الشباب في مواجهة التحدي هو الانعزال أو الاكتئاب أو الوصول إلى حافة اليأس والقنوط؟

لا تغلق الباب

«أياً كان ما يحدث لك، لا تقع في اليأس! حتى لو أُغلقت جميع الأبواب، سيظهر لك طريق سري لا يعرفه أحد، فهناك أمل بعد اليأس وشموس كثيرة بعد الظلام»، هكذا يقول العارفون الذين يرون أن الإحباط ما هو إلا هزيمة للإرادة أمام التحديات والخيبات.

يُعرف علماء النفس الإحباط بأنه «شعور يتولد عن تحديات تعيق تحقيق الأهداف والوصول إلى الغايات»، ولا شك أن الكثير منا كبشر قد واجه في حياته تحديات أعاقت وصوله إلى هدفه، أو إخفاقاً في لحظة امتلأت فيها النفس بيقين في نصر أو إنجاز أو نجاح، أو تسرباً للأمل من بين الأصابع قبل خطوات من الوصول إلى الغاية.

لكن الاختلاف أن البعض يرى في ذلك الإخفاق وتلك الهزيمة فرصة لمراجعة الذات أو البحث عن وسائل أفضل للوصول للغاية، أو حتى البحث عن هدف جديد وتحدٍّ آخر، لكن هناك من يكسره الإحباط، ويتسرب من نفسه الأمل، وترتد الخيبة إلى ذاته لتحطمها، وتلك كارثة كبيرة.


عش سعيداً | مجلة المجتمع
عش سعيداً | مجلة المجتمع
مجلة المجتمع الكويتية: منصة إعلامية رائدة تُعنى بالشأن الإسلامي وتقدم تقارير ومقالات تعزز الوعي الحضاري للأمة الإسلامية انطلاقاً من مرجعية إسلامية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وهي تابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي بدولة الكويت، وترفع شعار "مجلة المسلمين حول العالم".
mugtama.com
×


ولكن لماذا تضعف قدرتنا على مواجهة الإحباط؟

الحقيقة أن القوة النفسية للإنسان تتشابه مع القوة العضلية، فهناك أمور وهبية؛ أي هبة من الله تعالى، كأن يولد الإنسان بصحة جيدة، أو يتمتع بمناعة ضد الأمراض، وهناك أمور مكتسبة يتحصل عليها الفرد من خلال البيئة الاجتماعية والتدريب والتراكم عبر الزمن.

ونلاحظ في حياتنا أن البعض سريع الاستسلام مع أدنى إحباط، فهو يتأفف من كل شيء، ويستعجل كل شيء، ولا يصبر حتى تنضج الأمور، فالعجلة هي التي تحكم ذاته وسلوكه، وهذا الشخص إذا بدأ في عمل لا يصبر عليه حتى ينتهي.

هذه الروح تحتاج إلى تدريب وتعويد على الصبر، ففي الحديث الذي رواه الشيخان: «ومن يتصبر يصبره الله»؛ أي أن مواجهة الإحباط تأتي من إرادة الإنسان وذاته، فهو عندما يقرر الصبر والتحمل ومقاومة الإحباط، فإن ذاته تستعد وتأخذ أهبتها، ولا تستسلم للإحباط والهزيمة.

تشير الدراسات النفسية إلى أن تحمل الإحباط هو أحد المكونات الأساسية للصحة النفسية، فإذا تمتع الإنسان بصلابة نفسية في مواجهة الأزمات والإخفاقات فإن هذا مؤشر على أنه سيتمتع بصحة نفسية وبدنية جيدة، وجزء من هذه المَلَكة النفسية يأتي من خلال تعويد النفس على التحمل ومن خلال التراكم المستمر.

وتشير الدراسات النفسية كذلك إلى أن الأفراد الذين يتعلمون التعامل مع النكسات والإخفاقات هو الأكثر استمراراً في تحقيق أهدافهم، ونشير هنا إلى مقولة المخترع الكبير توماس أديسون الذي قام بمئات التجارب الفاشلة قبل أن يحقق نجاحه، فيقول: «لم أفشل، بل وجدت 10 آلاف طريقةٍ غير فعّالة»؛ وهو ما يعني أن عقولنا هي ما تمتلك مفاتيح الاستسلام للإحباط أو مقاومته.

أما جيمس دايسون، مخترع المكنسة الكهربائية العمودية التي تعمل بدون أكياس حفاظاً على قوة الشفط للأتربة، فكانت ملهمة، فقد قام بـ5126 تجربة حتى وصوله إلى النجاح، فالإحباط لم يتسلل إلى نفسه، وحقق من وراء المثابرة ثروة تقدر بـ4.6 مليارات دولار، ويقول بعد نجاحه: إنه لا يزال يتقبل المخاطرة واحتمالية الفشل كجزء من العملية، فمن مؤشرات ضعف القدرة على مقاومة الإحباط هو الاستسلام السريع أمام أي فشل أو عقبة أو عقبة.


لامتلاك القوة الذهنية.. لا تفعل 13 شيئاً | مجلة المجتمع
لامتلاك القوة الذهنية.. لا تفعل 13 شيئاً | مجلة المجتمع
مجلة المجتمع الكويتية: منصة إعلامية رائدة تُعنى بالشأن الإسلامي وتقدم تقارير ومقالات تعزز الوعي الحضاري للأمة الإسلامية انطلاقاً من مرجعية إسلامية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وهي تابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي بدولة الكويت، وترفع شعار "مجلة المسلمين حول العالم".
www.mugtama.com
×


إستراتيجية تنظيم العواطف

تشير دراسات نفسية إلى أن مقاومة الإحباط ترتبط بمعتقدات الشخص وقيمه، وهذه تؤدي دوراً في إكساب الفرد الصلابة أو الهشاشة النفسية، فالبعض يمتلك أفكاراً أن الحياة سهلة بلا مصاعب ولا شرور ولا مشكلات، وأن دوره فيها هو التمتع والتلذذ دون مسؤولية، وهذا الشخص المترف يكون أسرع للإحباط، والسبب الكامن وراء ذلك هو منظومة أفكاره التي تحكم وتحرك سلوكه.

ولعل فجوة التوقعات تلك ترتبط بالشاب أكثر من كبار السن، وهو ما توصلت إليه صدرت قبل 15 عاماً أن كبار السن يتقبلون تقلبات الحياة أكثر من الشباب، فجزء من الحكمة تولده السنوات والأحداث التي تمر على الإنسان، ولذلك كان بعض العارفين يقول: عليك أن تتوقع الزوار غير المتوقعين؛ من فرح وحزن وضيق.

فمن مسببات ضعف القدرة على مقاومة الإحباط هو التوقعات العالية، فالشخص عندما يتوقع نجاحاً باهراً، أو مساندة استثنائية من شخص يحبه، أو ربحاً كبيراً من صفقة ما، ثم تأتي النتائج بعكس التوقعات، فإن ذلك يُحدث أزمة نفسية، لذلك كانت نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو داود وصححه الألباني: «أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما».

وقد أظهرت نتائج الأبحاث في الصحة النفسية أن القدرة على قبول المواقف والأفكار السلبية مرتبطة بتحسن الصحة النفسية، فالتوقعات العالية تغذي مشار الإحباط.

وقد تحدث علماء النفس عن إستراتيجية تنظيم العواطف كسبيل لتقوية القدرة النفسية على مواجهة الإحباط وإكساب الذات صلابة في مواجهة التقلبات والشدائد، فتلك الإستراتيجية تساعد على تحقيق التوازن، خاصة أنها عملية متعددة الجوانب؛ منها الفكري والنفسي والسلوكي، فمن الضروري الاقتناع بتقبل المشاعر السلبية باعتبارها جزءاً من طبيعة الحياة، ومحاول البحث عن فائدة ما في التجربة السلبية أو الأزمة التي يمر بها الإنسان، فقد تكون فرصة للتعلم.

وتشير الدراسات النفسية إلى أنه عندما نتقبّل أفكارنا ومشاعرنا دون محاولة محاربتها، فإنها تتلاشى بسرعة أكبر، مُسبّبةً لنا ضغطًا أقلّ، فعدم محاربتها يعني تقبلها، فالأشخاص الأكثر ميلاً لقبول تجاربهم النفسية يتمتعون عموماً بصحة نفسية وبدنية أفضل.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة