قرار الكنيست بضم الضفة الغربية.. إلى أين يتجه المشروع الاستيطاني؟

سيف باكير

24 يوليو 2025

209

في خطوة تصعيدية تعكس توجهات اليمين الصهيوني نحو تكريس السيطرة الكاملة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، صوّت الكنيست «الإسرائيلي»، بأغلبية 71 نائبًا من أصل 120، على قرار يعتبر الضفة الغربية «جزءًا لا يتجزأ من الوطن التاريخي والثقافي والروحي للشعب اليهودي»؛ ما يفتح الباب أمام ضم قانوني تدريجي لأجزاء واسعة من الضفة الغربية، في تحدٍّ صارخ للشرعية الدولية ولقرارات الأمم المتحدة.

خلفية القرار

القرار الذي يحمل طابعًا سياسيًا وتشريعيًا، يأتي في سياق متسق مع سياسات حكومة اليمين المتطرف في «إسرائيل»، التي كثّفت خلال العامين الأخيرين من مشاريع الاستيطان وتوسيع السيطرة على أراضي الضفة، لا سيما في المناطق المصنفة «ج»، التي تشكل نحو 60% من المساحة الكلية، وتشمل المستوطنات الكبرى وغور الأردن والمناطق الأمنية الحيوية.

وبينما لا يشكّل التصويت تطبيقًا فوريًا للضم، إلا أنه يُعد خطوة محورية نحو فرض سيادة «إسرائيلية» تدريجية عبر خطوات لاحقة تشمل المصادقة النهائية وإصدار أوامر تنفيذية وتعديلات إدارية، بما يرسّخ واقعًا استعماريًا طويل الأمد.

الرئاسة الفلسطينية: القرار مرفوض ومدان

ندّد نبيل أبو ردينة، الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية، بالقرار، واصفًا إياه بأنه غير شرعي ويشكل انتهاكًا صارخًا لقرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي، وقال: إن مثل هذه الخطوات تقوّض فرص السلام العادل والشامل، وتضرب حلّ الدولتين في مقتل، داعياً المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته أمام هذا التصعيد الخطير.

وأضاف أبو ردينة أن السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة يكمن في الاعتراف الكامل بحقوق الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها إقامة دولة مستقلة على حدود عام 1967م، وعاصمتها القدس الشرقية.

«حماس»: الضم باطل.. والمقاومة ستتصدى

من جانبها، وصفت حركة «حماس» التصويت بأنه إجراء باطل لا يغيّر من هوية الأرض الفلسطينية، وأكدت أن القرار يمثل تحديًا للشرعية الدولية، واستمرارًا لنهج الاحتلال القائم على القتل والاعتقال وسرقة الأراضي وتوسيع المستوطنات.

ودعت الحركة جماهير الشعب الفلسطيني إلى تصعيد المقاومة بكل أشكالها، وإفشال المشروع الاستيطاني الفاشي، كما طالبت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بإدانة هذا القرار واتخاذ خطوات عملية لوقف الانتهاكات «الإسرائيلية» المتواصلة.

شرعنة الاحتلال وتحويله إلى سيادة دائمة

يرى مراقبون أن تصويت الكنيست على مشروع قانون ضم الضفة الغربية إلى السيادة «الإسرائيلية» يمثّل نقطة تحوّل خطيرة في مسار الصراع، إذ لا يقتصر الأمر على خطوة رمزية، بل يؤسّس قانونيًا لما يسميه البعض الشرعنة التدريجية للاحتلال وتحويله إلى سيادة دائمة بقوة التشريع والسلاح.

من جهته، حذر الكاتب والباحث السياسي أحمد سليمان العمري من خطورة التصويت الذي أجراه الكنيست «الإسرائيلي» على مشروع قانون يقضي بضم الضفة الغربية.

وقال العمري: إن «الكنيست» صوّت على مشروع قانون «ضم الضفة الغربية» إلى السيادة «الإسرائيلية»، في خطوة تصعيدية تحمل أبعاداً سياسية وتشريعية خطيرة، تهدف إلى إضفاء الطابع القانوني والدستوري على السيطرة العسكرية «الإسرائيلية» القائمة، بما يشكل انقلابًا على مفاهيم الشرعية الدولية والقانون الإنساني.

وأوضح أن مصطلح «ضم الضفة الغربية» يوحي بضم شامل لكل الأراضي الفلسطينية الواقعة في الضفة، غير أن التركيز الفعلي ينصب على المناطق المصنفة «ج»، التي تمثل ما يقارب 60% من مساحة الضفة الغربية، وتشمل المستوطنات، وغور الأردن، والمناطق الحيوية الخاضعة للسيطرة الأمنية والمدنية «الإسرائيلية».

وأضاف أن الهدف من هذه الخطوة فرض سيادة تدريجية على المناطق الأهم إستراتيجياً، وإعادة رسم الخارطة الجغرافية بطريقة تُحوّل ما تبقى من الأرض الفلسطينية إلى كانتونات معزولة وغير مترابطة جغرافيًا، ما يُجهِض فعليًا أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية ذات سيادة.

وأشار العمري إلى أن التصويت لا يعني تنفيذًا مباشرًا للضم، بل يوفر غطاء سياسيًا وقانونيًا لتسريع العملية عبر مراحل لاحقة، تشمل التصديق النهائي، وإصدار أوامر تنفيذية من الحكومة، وإجراء تعديلات إدارية عبر الإدارة المدنية التابعة للجيش «الإسرائيلي»، وبهذه الطريقة، تنتقل السيطرة من وضع الاحتلال المؤقت إلى ما تسعى «إسرائيل» إلى تسويقه على أنه ملكية قانونية، في سابقة قانونية تسعى لشرعنة الاستيطان والضم.

ولفت إلى أن الخطورة الكبرى لا تكمن فقط في مضمون القانون، بل في السياق السياسي الذي يُمرّر فيه، حيث تمضي «إسرائيل» منفردة، دون أدنى اكتراث بقرارات الأمم المتحدة أو القانون الدولي، مستفيدة من صمت دولي مخجل، وانهيار عربي رسمي، وغياب أي مرجعية دولية فاعلة، الأمر الذي يجعل الفلسطيني يقف وحيدًا، أعزل، في وجه آلة تشريع استعمارية تستند إلى القوّة وحدها.

ورغم هذا التصعيد، شدد العمري على أن صمود الشعب الفلسطيني مستمر، رغم محاولات كسر إرادته عبر القتل الممنهج، وهدم المنازل، والتجويع، مشيرًا إلى أن غزة تمثّل شاهداً حياً على عنف الاحتلال وصمت العالم، وإرادة الفلسطيني التي لا تنكسر.

ووصف المحلل السياسي ياسر الزعاترة قرار الكنيست بأنه إهانة صريحة ومباشرة للوضع العربي الرسمي برمّته، خاصة أنه يأتي في ذروة حرب إبادة وتجويع لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيلاً في قطاع غزة.

وقال الزعاترة: إن القرار، رغم طابعه الرمزي في هذه المرحلة (كونه بحاجة لمراحل إقرار لاحقة)، يمثّل مقدّمة واضحة لمشروع الضم الشامل، ومن ثم التهجير، وصولًا إلى فرض الوطن البديل كحل نهائي للقضية الفلسطينية.

وأكد أن ما يسعى إليه الاحتلال ليس قدرًا محتومًا، مشددًا على أن من عجز عن كسر مقاومة محاصرة في بقعة صغيرة لن يستطيع إخضاع أمة بأكملها، حتى وإن خذلتها أنظمتها، وأضاف: ما يجري هو تذكير صارخ لأولئك الذين ضيّعوا البوصلة، وانشغلوا بمحاربة المقاومة بدل دعمها.

وختم الزعاترة بالقول: أما نخبة رام الله، فقد أدمنت التيه والتواطؤ، ولا رجاء فيها، وسيعرف الشعب الفلسطيني كيف يتعامل معها بمرور الوقت.

في مواجهة الشرعية الدولية

القرار «الإسرائيلي» الأخير يُعد مخالفة واضحة لعدة قرارات دولية ملزمة، منها:

- رأي محكمة العدل الدولية (19 يوليو 2024م): الذي أكّد عدم شرعية الاحتلال، وضرورة إنهائه فورًا، بما يشمل وقف كافة الأنشطة الاستيطانية وإخراج المستوطنين.

- قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (18 سبتمبر 2024م): الذي طالب «إسرائيل» بإنهاء وجودها غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة خلال عام.

- قرار مجلس الأمن (2334) (ديسمبر 2016م): الذي اعتبر الاستيطان في الأراضي المحتلة انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، ودعا إلى وقفه الفوري.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة