وأحاطت به خطيئته

د. موسى زايد

02 يوليو 2025

134

(بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة: 81)، تفند الآية مزاعم أهل الكتاب خاصة اليهود منهم الذين قتلوا الأنبياء وسعوا في الأرض فساداً وعتوا عتواً كبيراً، ليس في عصر واحد، وإنما في كل العصور، ومع هذا هم يزعمون أنهم أولياء الله وشعبه المختار، وأنهم حتى لو عوقبوا بالنار فلن يكون ذلك إلا أياماً معدودة.

وفي الآية عبر ودلالات لا تخفى على المتدبر:

أولها: أن الرد عليهم جاء عاماً، فهو لهم ولغيرهم ممن يفعل نفس الأفعال ويزعم نفس المزاعم؛ لأن ميزان الله عز وجل هو العدل؛ (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) (الأنبياء: 47).

وثانيها: أن الإعراض عن توجيه الخطاب لهم والإتيان بالجواب على صيغة الغائب فيه تحقير لهم ونبذ لمزاعمهم وادعاءاتهم أنهم يفوقون غيرهم، وأن لهم مكانة عند الله لا ينالها غيرهم.

وثالثها: في قول الله تعالى: (مَن كَسَبَ سَيِّئَةً)؛ والمكسب يعني الفوز والغنيمة، ولعل هذا ما يوسوس به الشيطان للإنسان، فهو يزين له المعصية حتى يلتبس عليه الحق بالباطل فيرى السيئ حسناً والحسن سيئاً؛ (أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً) (فاطر: 8)، (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) (الكهف: 104).

والرابع في قوله تعالى: (وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ)؛ وهو تشبيه على سبيل الاستعارة التصريحية؛ حيث أصبحت الخطيئة جداراً يحيط بصاحبها فلا يدع منفذاً للنجاة ولا سبيلاً للهرب، وإنما سجن كامل يفقد فيه الإنسان حريته وتنحط فيه كرامته، وفي التشبيه معنى التحكم والسيطرة والضيق والإهانة.

والخامس: ذكر الخطيئة بالإفراد كما هي قراءة الجمهور؛ فيه إشارة إلى أن هذه المعصية هي الشرك بالله، كما ذكر ذلك المفسرون ويستدلون على ذلك بالوعيد بالخلود في النار.

وربما فيه إشارة أخرى إلى أن الإنسان قد تسيطر عليه معصية واحدة حتى لو كانت دون الشرك بالله وتتحكم فيه وتمنع عنه رحمة الله؛ فيغفل عن الطاعات ويستهين بالمعاصي ويذهل عن التوبة.

وعلى قراءة نافع بالجمع: «وأحاطت به خطيئاته»؛ فإن السيئة الواحدة تفتح أبواب المعاصي فينتقل من معصية إلى أخرى حتى تتجمع عليه المعاصي وتحيط به وتتحكم فيه.

وثمة إشارة أخيرة في لفظة «خطيئته»؛ فهاء الضمير تشير إلى أن لكل واحد من هؤلاء خطيئته الخاصة التي تحيط به، فهذا يحيط به الكِبْر، وذاك يحيط به الشح والبخل، وآخر يحيط به الكذب، أو الربا، أو الزنى.. والعاقل هو من ينتبه لنفسه ويطهرها ويحررها من العبودية للمعاصي ويزكيها بطاعة الله عز وجل، وحسن الإقبال عليه والاعتصام بحبله المتين وصراطه المستقيم.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة