غزة تحت أنياب الجوع.. طفولة اغتالتها المجاعة!

يا له من زمنٍ غريبٍ هذا الذي نحياه، تُذبح فيه الطفولة على قارعة الطرقات،
وتُنسى فيه الإنسانية بين أروقة المصالح، وتُغمد فيه سيوف الرحمة في أغمادها صدئة،
بينما تُشهر خناجر الصمت في وجه المظلومين! أفي القرن الحادي والعشرين نحن؟ أم في
عصرٍ غابرٍ كانت فيه الوحوش تترفق أكثر مما يفعل بعض بني البشر اليوم؟!
ها هي غزة، تلك البقعة الصغيرة المضيئة في خريطة العزة، تلفظ أنفاسها
الأخيرة تحت وطأة الجوع والمرض، لا لأنها أخطأت، بل لأنها أبت أن تركع، تتصدر
صرختها التي تخترق حجب الغفلة وطبقات النسيان وسمًا يهزّ أركان الضمير العالمي:
#غزة_تموت_جوعًا.
لقد مضى ستون يومًا، بل ستون ألف وجع، وأطفال غزة يرقبون الخبز كأنه الكوكب
المفقود، ستون ليلة وسوار تلك الرضيعة البريئة لا تبكي، لأن الجوع أرهق حنجرتها،
وسلب من عينيها الدمع، ومن قلب أمها الرجاء، كانت زهرةً، فإذا هي ورقة صفراء ذابلة
تسقط في حضن المجاعة، أي قسوةٍ في الدنيا تقوى على ملامح طفل يحتضر جوعًا، وملامحه
تنادي باسم الخبز ولا مجيب؟
أيها العالم، أما سمعتم صراخ الأطفال؟! أما لمحتم وجوه الأمهات الشاحبة
وعيونهن الغائرة التي تطلب كسرة خبز؟! لقد بات الخبز اليابس في غزة أثمن من
اللآلئ، وأشهى من العسل، وأغلى من الذهب، ولولا الإيمان العميق في القلوب لانهارت
الأرواح تحت سطوة الجوع.
يقول أجيت سونغاي، ممثل المفوضية الأممية لحقوق الإنسان: إن ما يحدث في غزة
غير مسبوق! أفلا يكفي هذا أن يُستيقظ ضمير العالم؟! لا ماء، لا دواء، لا غذاء، ومنذ
شهرين لم تدخل حبة قمح واحدة! وهل بعد هذا الجور جور؟ وهل بعد هذا الموت موت؟
أين الإنسانية من سوار؟ أين القانون من غزة؟ أين ضمائر الأمم حين يأكل
الأطفال خبزًا متعفنًا، وحين تلد المرأة دون غذاء، وحين يُدفن الشهداء دون أكفان،
لأن الوقت ضاق حتى على الحزن؟!
كتب أحدهم: «في غزة، لا يموت الأطفال من القصف فقط، بل من الجوع أيضًا!»،
وأي موتٍ أشنع من أن تموت وأنت حي؟ أن تفقد القدرة على البكاء، لأن دموعك تحولت
إلى ملح على الجفون اليابسة؟!
إن المجاعة لا تقضي على الأجساد فحسب، بل تذبح الكرامة، وتمزق ستر الحياء، لقد
صار سكان غزة يبيعون أثاثهم ودماءهم في سبيل لقمة، ويبحثون عن طعام في حاويات
النفايات، بعدما أُغلقت الأبواب وسُدت السبل.
وقد حذر برنامج الغذاء العالمي، وقال: «لم يعد لدينا ما نوزعه»، وكأنما
يعلن: «وداعًا يا غزة، ارحلي إلى ربك، فقد خذلتك الأرض»، أهذا هو المآل الذي يليق
بمن قاوموا الظلم بصدور عارية؟!
الناشطون على منصات التواصل ليسوا مجانين عاطفة، ولا شعراء مبالغين، إنهم
شهود على جريمة يُنفّذ فيها حكم الإعدام بجيل كامل، لا لأنه قتل، بل لأنه أراد أن
يعيش.
أيها الناس، أفيقوا من غفلتكم، فإن بيوت غزة صارت مقابر، وأزقتها ممرات
للموت، ورائحة الخبز المفقود أزكى من العطور، إن لم يكن في القلب نبض، ففي السماء
ربٌ لا ينسى.
غزة لا تسأل الكثير، فقط تريد أن تعيش، فقط تريد الماء، الخبز، الدواء، أفهل
أصبح ذلك كثيرًا على من نادى بالعدالة والحرية؟!
أيا سوار، يا زهرة لم تكتمل، ويا دمعة تجمدت على خد الزمن، نمّي بسلام، فإن
هذا العالم لا يستحقك.
ويا غزة، اصبري، فإن النصر وعد، وإن الصمت –وإن طال– سينكسر، كما تنكسر
الأصنام على عتبة الحق، وتنهار الجدران أمام صيحة المظلوم.
وما ضاقت إلا لتفرج، وما خُذِل المظلوم إلا ليُنصر، وإن لله في كل دمعةٍ من
غزة، حسابًا عسيرًا لأعدائها.